قطع الحوار السياسي في اليمن شوطا باتجاه التوصل إلى تسوية سياسية في ظل الأزمة الراهنة المتمثلة في سيطرة الحوثيين على السلطة بالقوة المسلحة، وأعلن جمال بنعمر، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة ومستشاره ومبعوثه الخاص إلى اليمن، أمس، عن تحقيق تقدم فيما يتعلق بحوار الأطراف السياسية اليمنية الذي ترعاه الأمم المتحدة، وبالأخص فيما يتعلق بالصيغة التي ستكون عليها السلطة التشريعية، ورفض وصف ذلك بالاتفاق، حتى اللحظة، في الوقت الذي تشير مصادر خاصة إلى تباينات في المواقف بين المتحاورين بشأن جملة من القضايا الماثلة.
وقال بنعمر، في بيان صادر عن مكتبه، إنه تم إحراز تقدم بـ«خطوة مهمة على درب إنجاز اتفاق سياسي ينهي الأزمة الحالية»، وإن المتحاورين توافقوا «شكل السلطة التشريعية للمرحلة الانتقالية بما يضمن مشاركة كل المكونات السياسية التي لم تكن ممثلة في مجلس النواب الحالي (البرلمان)»، وحسب بنعمر، فقد تم التوافق على أن يتم «الإبقاء على مجلس النواب بشكله الراهن، وسيتم تشكيل مجلس يسمى (مجلس الشعب الانتقالي)، يضم المكونات غير الممثلة ويمنح الجنوب 50 في المائة على الأقل، و30 في المائة للمرأة و20 في المائة للشباب، ويسمى انعقاد مجلس النواب ومجلس الشعب الانتقالي معا بـ(المجلس الوطني)، وستكون لهذا المجلس صلاحيات إقرار التشريعات الرئيسة المتعلقة بإنجاز مهام واستحقاقات المرحلة الانتقالية».
وقال المبعوث الأممي إن «هذا التقدم لا يعد اتفاقا، ولكنه اختراق مهم يمهد الطريق نحو الاتفاق الشامل»، وإنه «لا تزال مطروحة على طاولة الحوار قضايا أخرى يجب حسمها، تتعلق بوضع مؤسسة الرئاسة وبالحكومة، فضلا عن الضمانات السياسية والأمنية اللازمة لتنفيذ الاتفاق وفق خطة زمنية محددة، ولن يعلن الاتفاق التام إلا بالتوافق على كل هذه القضايا»، وأضاف: «لا أخفي عليكم أن التوصل للتوافق على شكل السلطة التشريعية أخذ وقتا أكثر مما ينبغي بالنظر إلى الظرف الدقيق الذي يمر منه اليمن»، وأعرب بنعمر عن أمنياته في أن «تبدي الأطراف اليمنية من الجدية وحسن النية والليونة ما يسمح بالتوصل سريعا إلى اتفاق شامل، ينهي الوضع الشاذ الذي يوجد فيه اليمن اليوم»، ودعا «الأطراف اليمنية إلى توخي نفس روح التوافق التي أبدوها في اليومين الأخيرين وأن يبتعدوا عن المناورة والتعطيل كما كان الأمر في فترات من هذه المفاوضات التي امتدت طويلا دون مبررات حقيقية، كما أدعوهم إلى التفكير في الغاية النهائية للعملية السياسية، وهي الاستجابة لتطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار، والكرامة، وبناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية وسيادة القانون والحكم الرشيد»، وأكد أن «شكل السلطة ليس غاية في حد ذاته، وإنما وسيلة فقط لتحقيق هذه الغاية النهائية»، وقال: «أتمنى أن يستحضر المتحاورون دائما مصالح اليمن واليمنيين في مفاوضاتهم بعيدا عن المصالح الحزبية والفئوية الضيقة، وإن الأمم المتحدة ستظل ملتزمة حيال اليمن واليمنيين، وسأواصل، في الأيام القليلة المقبلة، بذل كل الجهود الممكنة لتيسير المفاوضات الحالية وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء للتوصل إلى حل سريع يبعد اليمن عن مربع الانهيار الذي دخله في الأشهر القليلة الماضية».
ويدور جدل في الساحة اليمنية منذ اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء وسيطرتهم على كامل مؤسسات الدولة في سبتمبر (أيلول) المنصرم، وعقب قيامهم في السادس من الشهر الحالي بإصدار إعلان دستوري، حلوا بموجبه مجلس النواب (البرلمان) وعينوا ما سميت لجنة ثورية لإدارة شؤون البلاد، وينصب الجدل حول شرعية قيامهم بكل تلك الخطوات بالقوة المسلحة، وهو ما اعتبر، من قبل الأطراف المحلية والعربية والدولية، انقلابا على الشرعية في اليمن، ووافق الحوثيون على الصيغة الخاصة بالسلطة التشريعية وهي الصيغة التي أعلن عنها المبعوث الأممي، وبذلك تصبح الكثير من الخطوات التي أقدموا عليها لاغية، ويقول مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن «الحوثيين بموافقتهم على تلك الصيغة، يلغون (الإعلان الدستوري) الذي أصدروه مطلع الشهر الحالي والذي بموجبه حلوا مجلس النواب»، إضافة إلى «اعترافهم بشرعية الرئيس هادي الذي استقال من السلطة قسرا وتحت تهديد السلاح ولا يزال منذ أواخر الشهر الماضي، في منزله تحت الإقامة الجبرية».
وعقب ما يوصف بأنه تقدم في طريق الحوار، بدت مواقف بقية الأحزاب السياسية في الساحة اليمنية متباينة، فقد أكد تكتل أحزاب «اللقاء المشترك» أن هناك اتفاقا ثنائيا جرى بين الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام بزعامة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقال التكتل إنه سيتقدم برؤية خاصة به لحل القضايا العالقة، ويرى المراقبون أن «الحوثيين يتخبطون في كل خطواتهم ويتناقضون في أقوالهم وأفعالهم، فهم يشاركون بيد في الحوار ويدعون للسلم والشراكة، وبيد أخرى يبسطون السيطرة على كل هيئات الدولة ويفرضون الأمر الواقع بتعيينات لأنصارهم والموالين لهم في مفاصل السلطة، ويقمعون بذات اليد، المعارضين لهم في كل المحافظات، وفي نفس الوقت يتمددون نحو الجنوب ويسعون إلى ابتلاعه، أيضا»، حسب تعبير المراقبين.
وأكدت مصادر في «اللقاء المشترك» لـ«الشرق الأوسط»: أن ما تم التوصل إليه، حتى الآن، بشأن السلطة التشريعية هو «إنجاز للتعامل مع الشرعية المتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي ومجلس النواب وعدم إلغائها، كما فعل الحوثيون الفترة الماضية»، غير أن ذات المصادر، أعربت عن خشيتها «من أن يقدم الحوثيون على خطوات من شأنها تقويض الاتفاقيات والتراجع عنها، سواء من خلال العمل في الميدان والتعيينات وإعادة تشكيل الدولة، أو من خلال الحوارات الجانبية التي يقومون بها مع الرئيس السابق (صالح)، الذي أعاده الحوثيون إلى الساحة كلاعب رئيسي، رغم أنه أزيح من السلطة بثورة شعبية عام 2011».
وبدأت، ليل أمس، جولة جديدة من الحوار برعاية المبعوث الأممي، ويتوقع أن تتطرق إلى بقية القضايا المدرجة في جدول الأعمال، وتوقعت مصادر سياسية يمنية أن تمر المرحلة الجديدة من الحوار بنفس المنعطفات التي مرت بها المرحلة السابقة «في حال استمر الحوثيون في اتخاذ إجراءات وعدم تجميد قراراتهم وإجراءاتهم»، التي قالت المصادر إن «اليمن بحاجة لسنوات من أجل أن يتعافى من الانتكاسة التي أصابته بالانقلاب واستباحة مؤسسات الدولة».
إلى ذلك، تواصل القوى السياسية اليمنية الضغط على الحوثيين من أجل الإفراج عن الرئيس عبد ربه منصور هادي المحتجز تحت الإقامة الجبرية في منزله منذ أواخر الشهر الماضي، وقالت نادية السقاف، وزيرة الإعلام اليمنية في الحكومة المستقيلة لـ«الشرق الأوسط» إن «الرئيس هادي يمر بوضع صحي حرج وإن طبيبه الخاص يقوم بزيارته، لكنه بحاجة ماسة للعلاج في الخارج»، وأشارت إلى أن هادي «يعاني من مرض في القلب وقد أجرى عملية في الصمام من قبل»، وأكدت أن المعلومات التي لديها تشير إلى أن «الحوثيين لن يفرجوا عن الرئيس هادي قبل التوصل إلى اتفاق بشأن مجلس الرئاسة».
بن عمر يعلن عن اتفاق القوى السياسية على السلطة التشريعية.. ومخاوف من انتكاسة
نادية السقاف: الحوثيون لن يفرجوا عن هادي إلا بعد التوصل إلى اتفاق حول «الرئاسة»
بن عمر يعلن عن اتفاق القوى السياسية على السلطة التشريعية.. ومخاوف من انتكاسة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة