الرغبة الدولية في «حل سياسي» للأزمة الليبية لا تعني توقف مصر عن استهداف البؤر الإرهابية على حدودها

مسؤولون وخبراء لـ«الشرق الأوسط»: المشروعية القانونية ودعم الأصدقاء يعززان موقف القاهرة

الرغبة الدولية في «حل سياسي» للأزمة الليبية لا تعني توقف مصر عن استهداف البؤر الإرهابية على حدودها
TT

الرغبة الدولية في «حل سياسي» للأزمة الليبية لا تعني توقف مصر عن استهداف البؤر الإرهابية على حدودها

الرغبة الدولية في «حل سياسي» للأزمة الليبية لا تعني توقف مصر عن استهداف البؤر الإرهابية على حدودها

الرغبة الدولية في إيجاد حل سياسي يمكن الأطراف الليبية من السيطرة على الوضع المتأزم حاليا، مع عدم الترحيب بفكرة تدخل دولي عسكري واسع، لا تعني توقف القاهرة عن عمليتها العسكرية المركزة ضد البؤر الإرهابية على حدودها والانتقام من قيام تنظيم داعش بقتل 21 مصريا قبل أيام، وفقا لما ذكره مسؤولون رسميون وخبراء سياسيون لـ«الشرق الأوسط»، الذين أكدوا أن تلك العمليات تتم بالتنسيق مع الحكومة الشرعية الليبية ودعم من الدول الصديقة، كما أنها في إطار الدفاع عن النفس الذي يكفله القانون الدولي.
ونفذت القوات المسلحة المصرية، يوم الاثنين الماضي، ضربات جوية مكثفة ضد معسكرات ومخازن أسلحة وذخائر تابعة لتنظيم داعش في ليبيا، ردا على ذبح 21 مصريا مسيحيا يعملون هناك، على أيدي عناصر التنظيم. وقال عبد الله الثني، رئيس الوزراء الليبي، إن «الضربات الجوية التي قامت بها مصر تمت بالتنسيق الكامل مع حكومته».
وطالب السيسي عقب الحادث بتدخل دولي في ليبيا، لكن مصر تراجعت عن طلبها هذا بعد أن لمست عدم ترحيب دولي بفكرة التدخل، وطالبت خلال جلسة مجلس الأمن، أمس، برفع حظر السلاح عن ليبيا، وفرض حصار بحري على المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومساعدتها في بناء جيشها حتى تتمكن من التصدي لتنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة.
وكان عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد دعا لـ«إيجاد حل سياسي» في ليبيا، وأكد أن «اغتيال 21 مواطنا مصريا بصورة وحشية بأيدي إرهابيين ينتمون إلى تنظيم داعش، يؤكد مجددا الضرورة الملحة لحل سياسي للنزاع». واعتبرت الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، أن تشكيل حكومة وحدة وطنية «يشكل الأمل الأفضل بالنسبة إلى الليبيين».
وقال مسؤول بالخارجية المصرية لـ«الشرق الأوسط»، ردا على الرفض الغربي لفكرة التدخل العسكري: «يظل حق مصر في الدفاع عن مواطنيها وأراضيها قائما عبر استهداف تلك البؤر الإرهابية»، مستنكرا قيام الولايات المتحدة والدول الغربية بضرب «داعش» في العراق وسوريا والتقاعس عن مواجهته في ليبيا».
وسبق أن أصدرت الخارجية المصرية بيانا أكدت فيه «حق مصر الأصيل والثابت في الدفاع الشرعي عن النفس وحماية مواطنيها في الخارج ضد أي تهديد، وفقا لنصوص ميثاق الأمم المتحدة، التي تكفل للدول فرادى وجماعات حق الدفاع الشرعي عن النفس».
وقال وزير الخارجية المصري السابق، نبيل فهمي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الضربات العسكرية المصرية تتوافق مع القانون الدولي الذي يتيح لها حق الدفاع عن النفس وحماية مواطنيها»، مشيرا إلى أنها «في الوقت نفسه، ليست موجهة إلى دولة ليبيا أو إلى الشعب الليبي، بل هي في إطار الحرب ضد الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الأراضي الليبية منصة لتهديد استقرار دول المنطقة».
وأشار فهمي إلى أن «مصر تدرك جديا أن التحرك في الأزمة الليبية لا بد أن يكون من خلال مسارين: الأول، وهو السياسي عبر دعم القوى السلمية الشرعية للوصول إلى توافق وطني، وهذا يحتاج إلى دعم دولي. أما المسار الثاني، فهو مكافحة الإرهاب الذي بات متفاقما في الأراضي الليبية ويهدد دول المنطقة، ومن ثم يجب مقاومته لحماية المواطنين المصريين، بما في ذلك قيام القاهرة بضربات استباقية للقضاء على تلك الجماعات المسلحة».
وأوضح وزير الخارجية السابق أن «الدعم الدولي لمصر في جهودها لمكافحة الإرهاب عبر تشكيل تحالف دولي سيؤدي بالطبع لنتائج أسرع، لكن فشل القاهرة في حشد ذلك الدعم، لا يعني توقفها بل السعي للعمل بجانب الدول العربية والأوروبية الصديقة، التي رحبت بالتعاون مع مصر».
وأعلنت دولة الإمارات تسخير كل إمكاناتها لدعم مصر، وأكد السفير محمد بن نخيرة الظاهري، مندوب الإمارات في الجامعة العربية، خلال اجتماع الجامعة «تضامن بلاده الكامل والتام مع مصر في مواجهة الإرهاب والتطرف، ووضع كل إمكاناتها حتى يتم دحره واستئصاله نهائيا».
وقال خبراء في القانون والعلاقات الدولية، إن «الضربة العسكرية التي توجهها مصر إلى مواقع تنظيم داعش في الأراضي الليبية لا تخالف المواثيق الدولية، وإن كان على مصر اللجوء إلى الجامعة العربية على الأقل لكسب غطاء عربي لها». وشدد الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، على أنه «من حق مصر التدخل في ليبيا، وفقا لمبدأ الدفاع عن نفسها المنصوص عليه في مواد القانون الدولي، الذي يسمح لأي دولة بالثأر حال ارتكابها مجازر ضدها».
من جانبه، أكد السفير السيد أمين شلبي، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، أن «الجريمة الإرهابية إزاء مصر في ليبيا واضحة لا شك فيها، وأن رد الفعل المصري كفله القانون الدولي، وسبق أن قامت به دول أخرى لحماية أمنها»، مشيرا إلى أن «هناك دعما دوليا كبيرا للموقف المصري، خصوصا من الدول العربية الصديقة، التي بالطبع يهمها استقرار المنطقة». وأشار شلبي إلى «احتمالية قيام مصر بطلب تفويض من الجامعة العربية لتشكيل تحالف عربي بديل للتحالف الدولي».
وكان السفير أحمد بن حلي، نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، قد أعلن في مؤتمر صحافي عقده في ختام أعمال الاجتماع التشاوري لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين الدائمين، أمس، أن «ما قامت به مصر من عمل عسكري في ليبيا هو حق مشروع في الدفاع عن نفسها».
وحول إمكانية وجود قوة عربية مشتركة للتدخل في ليبيا، قال بن حلي إن «قرار التدخل العسكري في ليبيا سيتم دراسته خلال اجتماع على المستوى القمة العربية التي ستعقد في مصر نهاية مارس (آذار) المقبل».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.