«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية

«دم رخيص» تتجاوز المليون في يومين.. و«خلي السلاح صاحي» تعود بعد 35 عامًا من الغياب

«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية
TT

«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية

«داعش» يعيد المصريين إلى أحضان الأغنية الوطنية

على وقع متصاعد يوازي إيقاع الحياة لاهث الأنفاس من فرط التسارع في مصر، انفجر بركان مكنون من الحالة الوطنية في كافة ربوع الدولة التي تكافح الإرهاب على أرضها منذ شهور، وتطور إلى حرب خارجها خلال الأيام الماضية.
الحالة الوطنية العامة طالت وسائل الإعلام، التي أطلقت يدها في بث الأغاني الوطنية، بين بعض الإذاعات والقنوات الخاصة التي تذيع على مدار اليوم أغنيات وطنية حديثة، إلى مواقع إلكترونية تبث محتوى شبابيا له جمهور عريض يحث على التضامن والوحدة، لكن الأكثر انتشارا وإدهاشا وإثارة لوجدان المصريين خلال اليومين الماضيين كان إذاعة عدد كبير من الأغاني الوطنية القديمة، التي صارت جزءا من تراث مصر خلال حقبة الحرب مع إسرائيل في العقد الماضي.
المدهش في الأمر لم يكن إذاعة أغنيات مثل «يا حبيبتي يا مصر» لشادية، و«على الربابة بغني» لوردة، وهي أغنيات استمرت إذاعتها وشعبيتها بالطبع منذ بثها للمرة الأولى إلى اليوم، في كل المناسبات الوطنية أو حتى الكروية.. لكن أغنيات أخرى «محظورة» لكبار فناني مصر، وأغلبها لعبد الحليم حافظ، كانت سر الدهشة الممزوجة بالحنين.
وكانت أغنيات شهيرة لحافظ على غرار «خلي السلاح صاحي» و«فدائي» و«ابنك بيقولك يا بطل» و«احلف بسماها وبترابها» و«عدى النهار»، و«راجعين» لأم كلثوم، وغيرها مما اصطلح على تسميته بـ«أغنيات حرب الاستنزاف»، والتي خاضتها مصر ضد إسرائيل عقب هزيمة عام 1967 وحتى انتصار عام 1973، كانت ممنوعة من الإذاعة العامة بأمر سياسي «غير مكتوب أو معلن»؛ لكنه معلوم للكافة من القيادة المصرية في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات منذ دخول مباحثات اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل في نهاية السبعينات إلى حيز الجدية.
واستشرت موجة إذاعة الأغاني الحماسية على كل موجات القنوات والإذاعات المصرية بعد تأكد أنباء توجيه القوات الجوية لمصرية لضربات لمعاقل تنظيم داعش في ليبيا، ثأرا لنحر 21 مصريا هناك. وبينما حازت هذه الأغنيات «العتيدة» على إعجاب واسع، خاصة من جيل قد يسمعها لأول مرة بعد غياب لأكثر من 35 عاما، كانت أغنيات أخرى حديثة تذاع على موجات وفضاءات أخرى، تدعو على طريقتها لذات الغرض من الوحدة الوطنية عبر نبذ العنف الداخلي، لتحقق رواجا فائق المليون مشاهدة على موقع «يوتيوب».
ولأن الأحزان تلف بيوتا كثيرة في مصر، كل لأسبابه، تأتي دعوات إعادة الاصطفاف والرجوع إلى السلام النفسي من الجميع، في محاولة للقفز عبر دائرة لا تتوقف من الشجون. ومن هنا، قام فنان كوميدي مصري غير مشهور يدعى شادي سرور، يبلغ من العمر 19 عاما، بإطلاق فيديو لأغنية تحمل عنوان «دم رخيص» على قناته الخاصة على موقع «يوتيوب»، يتناول فيها سجل دماء المصريين المسطر في مشاهد متعددة ومواقع مختلفة باختلاف الانتماءات السياسية، منذ أحداث ثورة يناير (كانون الثاني) وضحايا الملاعب من ضحايا بورسعيد وصولاً إلى استاد الدفاع الجوي، وكذلك ضحايا رابعة وضباط الجيش والشرطة في سيناء، والتفجيرات التي ملأت محافظات مصر، وأيضا ضحايا حوادث الطرق، داعيا في نهاية الأغنية إلى توحيد الصف والاصطفاف حول الوطن دون الخوض في معارك جديدة لا يخسر فيها المصريون سوى أعداد إضافية منهم نتيجة اقتتال داخلي؛ تحت أي مبرر.
سرور الذي التقطت آذان الشباب المصري أغنيته المستقلة ليتخطي عدد مشاهديها المليون متابع على موقع «يوتيوب»، اشتهر بتقديم المقاطع الكوميدية الصغيرة التي ينتقد بها الواقع المصري بشكل ساخر وخفيف.. إلا أن أغنية «دم رخيص» التي تقع في 4 دقائق و15 ثانية، لاقت خلال نحو 24 ساعة من إطلاقها، نسبة مشاهدة عالية تخطت 764 ألف مشاهد.
وتباينت ردود الفعل الشابة مع دعوة سرور إلى نبذ الاختلاف، ما بين تعليقات تقول إنه من الصعب أرضاء جميع الأطراف في أربع دقائق، وإن ما يرجوه صعب تحقيقه على أرض الواقع، وآخرون يرون أنه في وقت الأزمات العاصفة التي تمر بها مصر علينا أن نتنازل عن انتماءاتنا السياسية من أجل تلافي حدوث الكارثة، فيما اتفق الجميع على أن دماء المصريين رخيصة دائمًا على مختلف الأصعدة.
شادي، الذي يمثل نسبة كبيرة من الشباب المصري الذين أرهقتهم النزعات واختلافات المعسكرات الفكرية والسياسية التي ينتمون لها، وتَحمل كما متدفقا من التطورات والأحداث الدامية خلال وقت قصير، يُعرف نفسه على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه «يحلم أن يصبح أكبر صانع أفلام في العالم».



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.