تواجه شركات التطوير العقاري بالسعودية مشكلة أخرى، إضافة إلى المستويات التي يحققها القطاع العقاري من الانخفاضات المتتالية للأسبوع الـ14 على التوالي، نتيجة ارتفاع الأسعار، في ظل وجود أزمة في الثقة التي تشكل عائقا بينهم وبين المشترين الذين يرون أن المشروعات الجاهزة تفتقر إلى الجودة، أو أنها توجد بشكل محدود، مما يوضح بعدا جديدا على نقص الطلب، خصوصا للفيلات والشقق السكنية التي تقاتل من أجل تحقيق الأرباح في فترة عصيبة، يسجل فيها الطلب نزولا متواصلا، عمقت فيه أزمة الثقة جراح المستثمرين.
ويحكي الواقع فعليا أن القطاع يشكو من ضعف التقييم العام للمنشأة، ووجود جهة تختص بالتحقق من جودة المباني وضمانها، وانعكاس هذا الأمر سلبا على جودة وتحمل تلك المباني عقب الانتهاء من بنائها، حيث إن بعضها لا يستطيع مقاومة التغيرات المناخية، فتتسبب في تشقق جدرانه، والبعض الآخر هدمت أرضيته، بالإضافة إلى مواجهة مشكلات السباكة، أو ضعف أسلاك الكهرباء وعدم تحملها الضغط المتواصل.
جميع تلك المشكلات قد تضر بالمشتري الذي أراد منزلا يكفل له الاستقرار، ولم يعلم أنه وقع في مشكلات ومصروفات لا حصر لها؛ نتيجة عدم وجود قوانين صارمة عند البناء، وجميعها أمور لا يتحمل نتائجها سوى المشتري الذي يتحمل أخطاء غيره.
وأوضح عبد العزيز الكليب وهو مقاول عقاري، أن ما يتجاوز الـ75 في المائة من البناء التجاري، لا تراعى فيه أبجديات السلامة والاستمرارية، بل معظمها شيد من أجل الكسب المادي، ودائما ما يكتشف المشتري أنه وقع في ورطة كبيرة عند شرائه أي بناية من ذلك النوع، مطالبا بتكثيف المتابعة والمراقبة من الجهات المختصة لوضع حد لهذا التلاعب الذي يقع فيه المواطن الذي ضحى بجميع ما يملك للحصول على سكن مناسب، ليكتشف في نهاية الأمر أن ما اشتراه ليس سوى خدعة كبرى.
وعن الأسباب الأخرى لسوء هذه النوعية من البناء، كشف الكليب عن نقطة مهمة لا يراعيها هؤلاء المقاولون، وهي أنه عقب الانتهاء من بناء الطابق يجب التوقف لمدة لا تقل عن 6 أشهر، حتى تجف المباني، ليقوى ويتماسك عظمها، ومن ثم البدء في بناء الطابق الذي يليه، وهو ما لا توفره هذه البنايات؛ لرغبتهم في الانتهاء من البناء في أسرع وقت، حيث إنهم فور الانتهاء من الطابق الأول يجري البدء في بناء الطابق الذي يليه، مما يتسبب في تشقق وتصدع البناء بعد سنوات قصيرة من بنائه، كما أن ارتباطهم بعقود مع بعض الشركات الصديقة يدفعهم إلى البناء بأسرع ما يمكن، مما يوضح بعض المشروعات التي يجري فيها البناء على مدار الـ24 ساعة.
يشار إلى أن أهم شرط للخروج من حالة الركود المخيم على تعاملات السوق العقارية، يعتمد على حدوث تراجع حقيقي في مستويات الأسعار، وأن تأتي بنسب أكبر مما أظهره تراجع الأسعار حتى الآن، التي تراوحت خلال الأشهر الأخيرة بين 10 و18 في المائة، ذلك أن مستويات الأسعار الراهنة تظل مرتفعة جدا قياسا بمستويات دخل الأفراد بمستوياتها الجارية، ومقارنة حتى بالقدرة الائتمانية للأفراد سواء بالاقتراض من صندوق التنمية العقاري وحتى بإضافة الائتمان الممكن من قبل المصارف التجارية «مؤسسات التمويل».
وقال عامر المشاري، مستثمر عقاري: «إن (البناء التجاري) وهو المصطلح الذي يطلق على هذه النوعية من البناء، يفتقر لأساسيات البناء بطريقة صحيحة، لعدم انتهاج الطريقة الصحيحة في البناء، بسبب الوقت القصير الذي يبنى فيه المنزل، وهو أمر يضر بشكل كبير بالمبنى، بل إنه قد يسقط في أي وقت»، وحتى مواد البناء تكون أقل جودة، وتحمل من غريمتها الأصلية التي لا يضرها الزمن وتتحمل فترات طويلة تصل إلى قرن من الزمن، وهو ما لا توفره المنشآت التجارية التي ما إن يجري بيعها والاستقرار فيها حتى تبدأ العيوب تظهر شيئا فشيئا.
وعزا ذلك إلى أمور عدة، أهمها اعتماد هؤلاء المستثمرين على مواد البناء التجارية ذات السعر الرخيص، وبعضها ذات مصدر مجهول، التي تكون دائما ذات جودة رديئة وعمر افتراضي قصير، ويصبح المبنى بعد بنائه بسنوات قليلة ذا أعطال متكررة معظمها قد لا يمكن إصلاحه إلا بهدم بعض الجدران أو تكسير أجزاء من المنزل للإصلاح، مثل السباكة والكهرباء وإعادة بناء الخزان.
وتبدأ الأعطال غالبا بعد انتهاء بنائها بـ3 سنوات، ولا تنتهي إلا بعد سقوطها أو دفع أموال طائلة لإعادة صيانتها وتجديد بنائها، وهي المدة التي تكون البناية فيها قد انتقلت من ذمة المستثمر واستقرت في ذمة المشتري الذي وقع ضحية غش من نوع جديد.
وحول جودة وتحمل هذه الأبنية، أكد سالم العنيزان، صاحب شركة إنشاءات عقارية، أنها تفتقد الجودة والهندسة القيمية، وأن الجهات الرقابية لا تفرض متابعة ومحاسبة كافية على هذه النوعية من البنايات، تاركة الأمر لضمائر المقاولين الذين يتحكمون في البناء كيفما شاءوا، دون الاستناد إلى معايير ومقاييس صارمة للمحافظة على البناية.
وأشار إلى أن معظمها غير مجهز لمواجهة أدنى الكوارث الطبيعية أو البيئية، لافتا إلى أن الجهات الرقابية والمعنية يجب أن تنتبه جيدا ولا تهمل أو تقصر في محاسبة المقصرين حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه في المستقبل، كما أن هناك عجزا في الشركات التي تقيم البنايات قبل الشراء، وتجري فحصا كاملا للمبنى لإبداء النصائح للمشترين بالشراء من عدمه.
وفي السياق ذاته، كشف محمد الزامل، وهو مهندس معماري، أن أهم أسباب سقوط الأبنية أو تصدعها مشكلة التلاعب بكمية الحديد خلال وضع الأساسات، ومحاولة بعض المقاولين توفير أكبر كمية ممكنة من الحديد، مما يخلق مشكلة أكبر وهي احتمال سقوط البيت أو تصدعه في أحسن الأحوال، وتصدع الجدار لا يصمد طويلا، حيث سيسقط في نهاية الأمر، وذلك لخلوه من الكميات اللازمة من الحديد، وهي نقطة مهمة يغفل عنها أكثر المقاولين التجاريين الذين يهدفون إلى توفير تكاليف البناء لجني أكبر فائدة ممكنة.
وتابع: «إن كمية الحديد تختلف من حي إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، بحيث لا يمكن وضع كمية حديد ثابتة لكل بناء، حيث إن بعض الأراضي تحتاج لكمية مضاعفة من الحديد والقواعد، وذلك لسوء أرضيتها، أو أن الأرض قد تكون واقعة على مشارف واد أو أرض منخفضة، وذلك ما لا تراعيه مخططات المقاولين، حيث يعتمدون الكمية نفسها، بغض النظر عن الظروف الأخرى».
يذكر أنه في ظل غياب أي مؤثرات أخرى كالإعلان عن فرض رسوم على الأراضي المحتكرة داخل المدن والمحافظات، فإن الركود القائم على تعاملات السوق العقارية مرشح للاستمرار فترة أطول حتى تتغير جذريا العوامل الرئيسية وراء وجوده، على أن استمرار الوضع الراهن لأداء السوق تحت مظلة ركودها القائم، ستصاحبه دون شك وتيرة متئدة من تراجع الأسعار، أخذا بعين الاعتبار بقية العوامل الأخرى الضاغطة حتى تاريخه على الأسعار، ومنعها من الارتفاع، لعل من أهمها المستويات المتدنية التي تسجلها أسعار النفط العالمية، التي تدخل شهرها الثامن على التوالي، إضافة إلى القيود المرتبطة بشروط التمويل العقاري «اشتراط دفع المشتري نسبة مقدم التمويل البالغة 30 في المائة من إجمالي قيمة العقار».
السعودية: أزمة ثقة المشترين في جودة المشروعات العقارية التجارية تعمق جراح المستثمرين
انخفاض الطلب إلى مستويات جديدة تؤثر على الأسعار للأسبوع الـ14 على التوالي
السعودية: أزمة ثقة المشترين في جودة المشروعات العقارية التجارية تعمق جراح المستثمرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة