أعربت مصادر رسمية فرنسية عن «ارتياحها العميق» للتطورات الإيجابية التي شهدتها العلاقات الفرنسية - المغربية في الأيام الأخيرة، والتي كانت ذروتها اللقاء الذي ضم مساء أول من أمس الرئيس فرنسوا هولاند والملك محمد السادس في قصر الإليزيه.
وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، إن «ما يربط البلدين قوي ومتجذر، ولا خوف على علاقاتهما التي يحرص الطرفان على أن تكون صلبة».
وتعتبر مصادر سياسية فرنسية، أن باريس والرباط «تحتاجان حقيقة إلى بعضهما البعض، خصوصا في هذه المرحلة»، المتميزة من جهة بتصاعد التهديدات الإرهابية على الأراضي الفرنسية، أو ضد المصالح الفرنسية في الخارج من جهة أخرى. وقد برز هذا الجانب الأساسي في البيان الذي صدر عن قصر الإليزيه، إذ جاء في فقرة منه أن الطرفين عبرا عن عزمهما على «محاربة الإرهاب معا والتعاون الكامل على الصعيد الأمني».
وكان المسؤولون الأمنيون في فرنسا قد دأبوا منذ أشهر على التحذير من وصول الإرهاب إلى داخل الأراضي الفرنسية، وبعد العملية الإرهابية التي قام بها الأخوان كواشي ضد مقر مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة، وتلك التي نفذها أحمدي كوليبالي ضد متجر يهودي على المدخل الشرقي لباريس، جعلت فرنسا محاربة «التحدي الإرهابي» على رأس أولوياتها الوطنية. وبالطبع، فإن باريس تعتمد بالدرجة الأولى على أجهزتها الأمنية التي تقوم بعمليات أمنية استباقية ضد ما تعتبره «خلايا» ضالعة بشكل أو بآخر في تنظيمات جهادية مسلحة في سوريا والعراق. لكن باريس تريد أيضا التركيز مع الدول الشريكة، ومنها المغرب، على الحصول على المعلومات الاستخبارية التي تمكنها من «تحييد» أي مجموعة جهادية. وبموازاة ذلك، تريد من الدول الشريكة والصديقة ومنها المغرب، أن تساعدها على بث روح الإسلام السمح والبعيد عن أي تعصب، والقابل بقيم الجمهورية الفرنسية.
وبعد جفاء دام نحو العام، تريد باريس والرباط أن تعود المياه بينهما إلى مجاريها، وهو الأمر الذي برز من خلال بيان الإليزيه الذي جاء فيه أن الرئيس الفرنسي وملك المغرب أعربا عن رغبتهما في «إطلاق دينامية تعاون جديدة تتميز بالثقة والطموح». وبالطبع فإن هذا التعاون لن ينحصر فقط في المجال القضائي، الذي أوقفه المغرب نحو العام احتجاجا على ما اعتبره بادرات «غير ودية» من الجانب الفرنسي خلال العام الماضي، بل سيكون أشمل من ذلك، إذ سيتناول كل الميادين السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية.
والجدير بالذكر، أن الطرفين أعادا العمل بالتعاون القضائي في الأول من الشهر الحالي، وذلك بعد يومين من المناقشات المكثفة بين وزيري العدل في البلدين، وهو الأمر الذي ترجم بإعادة قاضيي الاتصال المغربي والفرنسي إلى عملهما السابق. ورأى البيان أن الاتفاق الجديد الذي وقع بين الطرفين في 31 يناير (كانون الثاني) الماضي من شأنه أن يجعل التعاون الأمني الجديد «أكثر فعالية».
وبعد تسوية المشكلات العالقة بينهما، كان من الطبيعي أن يعود الطرفان إلى الحديث مجددا عن «الشراكة الاستثنائية» التي تربطهما، ولإعطائها مضمونا رسميا ملموسا، فقد كشف عن برنامج لزيارات رسمية متبادلة. وبحسب مصادر الإليزيه، فإن الغرض من تكثيف الزيارات هو التحضير لاجتماع حكومي مشترك، بحضور رئيسي حكومتي البلدين مانويل فالس وعبد الإله ابن كيران، ويفترض أن يلتئم الصيف المقبل.
ونقل موقع «أطلس أنفو» الإخباري الفرنسي، أن الرئيس هولاند والملك محمد السادس عقدا لقاء مغلقا دام ساعة كاملة، وأن «جو اللقاء تميز بالحرارة والصداقة». وبحسب بالموقع، فإن عودة الحرارة إلى علاقات البلدين جاء نتيجة رغبة قائدا الدولتين في قلب صفحة الخلافات، التي أرجعتها مصادر فرنسية إلى «سوء فهم» أو «سوء تقدير». جدير بالذكر، أن باريس عملت على أكثر من مستوى لإعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وأرسلت جملة إشارات إلى الرباط عبر مسوؤلين فرنسيين، ولكن أيضا عبر وسطاء لإعادة المياه إلى مجاريها. لكن اصطدمت هذه المبادرات برغبة المغرب في أن يطمئن لعدم تكرار ما حصل العام الماضي، والذي كان سبب الفرقة بين الطرفين. ويريد الجانبان العمل معا لتعميق التفاهم، واستعادة ما كان بين البلدين من تعاون سياسي واقتصادي.
وقالت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «ليس صحيحا» أن باريس سعت أو تسعى لتحل العلاقات الفرنسية - الجزائرية مكان العلاقات الفرنسية - المغربية. والصحيح أن باريس تريد علاقات جيدة مع كافة شركائها في المنطقة المغاربية والعربية والمتوسطية لأنها المنطقة «الأقرب» لفرنسا جغرافيا، وتربطها بها علاقات تاريخية ضاربة في القدم.
عودة المياه إلى مجاريها بين باريس والرباط تمهد لمرحلة جديدة بين البلدين
فرنسا مرتاحة للتطور الإيجابي في العلاقات مع المغرب
عودة المياه إلى مجاريها بين باريس والرباط تمهد لمرحلة جديدة بين البلدين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة