فيما كانت وقائع جلسة محاكمة ضباط بين عدد آخر من المتهمين بقتل 73 مشجع كرة قدم في فبراير (شباط) عام 2012، منعقدة في القاهرة أمس، ظل مسؤولون مصريون مختلفين حول أعداد قتلى جدد من مشجعي الكرة أيضا، سقطوا خلال محاولات قوات الأمن فضهم مساء أول من أمس (الأحد). وبينما قال مسؤولو وزارة الصحة إن 19 شابا قضوا في الأحداث، أكدت النيابة العامة أن عدد القتلى بلغ 22 قتيلا، فيما تحدث شهود عيان عن سقوط 28 ضحية حتى الآن؛ لكن التضارب في حصر أعداد القتلى سمة ميزت العامين الماضيين في مصر.
الدم الذي حاصر ملاعب الكرة في مصر مجددا خلال «فبراير الأسود» كما بات يطلق عليه في البلاد حاليا، ينذر بتوتر أمني خطر بعد أن تعهدت رابطة مشجعي نادي الزمالك (وايت نايتس) بالقصاص، قائلة في بيان لها أمس «إن الجاني معروف، وقد اختبرنا عدلكم، وآن أوان أن تختبروا محاكمنا»، فيما رفضت وزارة الداخلية تحميلها مسؤولية سقوط القتلى.
وزحف ألوف من المنتمين لروابط مشجعي نادي الزمالك على استاد الدفاع الجوي شرق القاهرة، أول من أمس (الأحد)، لمتابعة أول مباراة في الدوري المصري يسمح فيها للجماهير بالحضور منذ 3 أعوام. وقالت وزارة الداخلية إنها اضطرت لتفريق الحشود الذين حاولوا اقتحام بوابات الاستاد دون الحصول على تذكرة دخول، مما أدى لسقوط جرحى وقتلى.
وقال شهود عيان إن قوات الأمن وضعت قفصا حديديا لتمر عبره الجماهير. وأظهرت مقاطع مصورة القفص الحديدي الضيق، الذي سقط داخله معظم ضحايا الحادث، بحسب شهود العيان.
ولم يفلح نعي رئاسي لـ«ضحايا الأحداث المؤسفة» في تخفيف حدة الاحتقان التي سادت المشهد عقب الحادث. ورفع مؤيدون للرئيس عبد الفتاح السيسي من حدة نقدهم للمرة الأولى منذ تنصيبه.
وتتسم العلاقة بين قوات الشرطة وروابط مشجعي الأندية بدرجة عالية من التوتر. وقبل ثورة 25 يناير 2011 شهدت عدة مباريات مواجهات حادة بينهما. واتهمت روابط المشجعين المنظمة نسبيا، والجامحة أيضا، قوات الأمن بتدبير قتل العشرات من أعضائها في استاد بورسعيد عام 2012، كعقاب على الدور الذي لعبته تلك الروابط خلال ثورة يناير، التي بدأت الدعوات إليها للتنديد بـ«ممارسات وزارة الداخلية».
ومع تزايد أصوات المطالبين بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، تسربت أنباء عن تقدم اللواء إبراهيم باستقالته للرئيس السيسي، لكن وزارة الداخلية سارعت بنفي الخبر.
وقال رائد شرطة في قطاع الأمن المركزي تحدثت معه «الشرق الأوسط» أمس، إن الوزير تفقد أمس عددا كبيرا من الخدمات الأمنية في القاهرة، مضيفا أن الأمر «بدا كمحاولة من الوزير لتأكيد أنه لا يزال في موقعه».
وفي شهادته على الوقائع، قال سيد بدوي وهو أحد المصابين في الحادث إن «شباب الألتراس (رابطة المشجعين) وصلوا قبل نحو 3 ساعات من موعد إقامة المباراة، لكن البوابة الرئيسية المطلة على الشارع الرئيسي كانت مغلقة، مما اضطرنا لقطع مسافة طويلة جدا حتى وصلنا لما يشبه نفقا تحت الأرض، وبسبب إجراءات التفتيش الدقيق تزايدت الأعداد حتى وصلت لألوف تجمعوا في الممر الذي لا يزيد عرضه على 6 أمتار».
وتابع البدوي وهو طالب في المرحلة الثانوية أنه «لم تكن هناك أي تجاوزات من قبل الجمهور، بل على العكس حاولنا تلطيف الأجواء من أجل الدخول، لكننا لاحظنا أن قوات الأمن تتراجع للخلف 5 أمتار كل فترة، وكلما تراجعوا كنا نعتقد أننا نقترب أكثر من البوابة، كانت الأعداد تزايدت جدا، وفوجئنا بطلقات الغاز المسيل للدموع تنهمر، وبسبب الزحام كانت تلك الطلقات تسقط على رؤوس الشباب».
وقالت رابطة مشجعي الزمالك (الوايت نايتس) على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إن ما جرى في محيط استاد الدفاع الجوي «قتل مع سبق الإصرار»، لافتة إلى أن القفص الحديدي الذي سقط فيه معظم القتلى تم تركيبه قبل المباراة بيوم واحد، مشيرة إلى أنه لم يستخدم مطلقا في أي من مباريات كرة القدم من قبل.
من جانبه، قال ضابط في قطاع الأمن المركزي، طلب عدم تعريفه، إن «هناك شكوكا حول وجود تدبير مسبق للحادث.. لا نستطيع الجزم حاليا، لكن كانت هناك أشياء لافتة للنظر منها أن بعض الموجودين أداروا آلات التصوير في هواتفهم الجوالة قبل بدء الأحداث، كما أن العبوات الحارقة التي استخدمت في إحراق عربات الشرطة كانت معدة سلفا».
ولم تعلن وزارة الداخلية عن مقتل أو إصابة أي من عناصرها خلال الأحداث التي شهدها محيط استاد الدفاع الجوي. ورفض اللواء هاني عبد اللطيف، المتحدث باسم الداخلية، تحميل جهاز الأمن مسؤولية ما حدث.
وقال بيان الرئاسة الذي صدر أمس تعليقا على أحداث استاد الدفاع الجوي، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي يتابع تطورات الموقف مع رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء. وبحسب البيان، أكد السيسي على أهمية انتهاء جهات التحقيق من كشف ملابسات الأحداث وتحديد المتسبب فيها، مشددا في البيان، الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، على ضرورة اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع تكرار هذه الأحداث وتوفير الحماية الكاملة للمواطنين.
ولا تبدو تأكيدات المسؤولين مطمئنة، على الأرجح، لجيل شهد خلال 4 أعوام العديد من الوقائع التي خلفت مئات القتلى، كان آخرها يوم 24 يناير (كانون الثاني) الماضي، حينما قتلت الناشطة السياسية شيماء الصباغ في محيط ميدان التحرير الذي قصدته ضمن مسيرة لوضع الزهور، تخليدا لذكرى ضحايا ثورة يناير، كما لا تسلم المواجهات المستمرة بين قوات الأمن وأنصار جماعة الإخوان المسلمين من سقوط قتلى.
ودفعت وزارة الداخلية بتعزيزات أمنية في محيط مقر نادي الزمالك في حي المهندسين (غرب القاهرة)، خشية اندلاع أعمال عنف، كما دفعت بتعزيزات أمنية حول منزل مرتضى منصور رئيس النادي.
ودخل منصور وهو برلماني سابق، في صراع مع رابطة مشجعي «وايت نايتس» وصلت لحد اعتداء بعض أعضاء الرابطة عليه العام الماضي، بعد أسابيع من اشتباكات شهدها محيط النادي بين قوات الأمن وأعضاء الرابطة سقط فيها قتيل.
وخلال اجتماع وزاري مصغر ترأسه إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء بحضور وزراء الشباب والرياضة، والداخلية، والصحة، قررت الحكومة مساء أول من أمس، تعليق الدوري لأجل غير مسمى.
وتخشى السلطات من ردود فعل انتقامية من أعضاء روابط الأندية. وسبق لروابط مشجعي النادي الأهلي أن أحرقت مقر اتحاد الكرة، وناديا للشرطة بالقرب منه، وقطعت شوارع رئيسية بالعاصمة بعد صدور أحكام اعتبروها مخففة بحق الضباط المتهمين في أحداث «استاد بورسعيد».
وقال بيان لرابطة «ألتراس وايت نايتس» إن «الجاني والمحرض معروفان للجميع، وإننا اختبرنا محاكمكم ولم نر عودة حق أو اقتصاص لمظلوم، وآن أوان أن تختبروا محاكمنا، وعلى الباغي تدور الدوائر».
الدم يحاصر ملاعب كرة القدم بمصر مجددا في «فبراير الأسود»
رابطة المشجعين تتوعد بالقصاص.. والداخلية رفضت تحميلها المسؤولية
الدم يحاصر ملاعب كرة القدم بمصر مجددا في «فبراير الأسود»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة