جمال بيغال.. المنظّر والمعلم الساحر لمتطرفي هجمات باريس

يعتبر أبرز مسؤولي تجنيد أعضاء جدد في «القاعدة» من داخل السجون في أوروبا

جمال بيغال في شريط فيديو نادر مع طفله في إفراج مشروط من السجن الفرنسي عام 2001 قبل أن يعاد إليه مرة أخرى (واشنطن بوست)
جمال بيغال في شريط فيديو نادر مع طفله في إفراج مشروط من السجن الفرنسي عام 2001 قبل أن يعاد إليه مرة أخرى (واشنطن بوست)
TT

جمال بيغال.. المنظّر والمعلم الساحر لمتطرفي هجمات باريس

جمال بيغال في شريط فيديو نادر مع طفله في إفراج مشروط من السجن الفرنسي عام 2001 قبل أن يعاد إليه مرة أخرى (واشنطن بوست)
جمال بيغال في شريط فيديو نادر مع طفله في إفراج مشروط من السجن الفرنسي عام 2001 قبل أن يعاد إليه مرة أخرى (واشنطن بوست)

وصفه الأشخاص الذين التقوا به بأنه ساحر ومخيف. فهو شخص توثقت عرى الصداقة بينه وبين الشخصين المنفذين للهجوم الذي وقع في باريس الشهر الماضي - وهو الشخص الذي قبع في السجون الفرنسية لسنوات.
قام جمال بيغال الذي يقال عنه إنه أحد أبرز مسؤلي تجنيد أعضاء جدد في تنظيم القاعدة في أوروبا، بإرشاد المسلحين قبل قيامهما بالهجوم إلى النقاط الهامة في شعائر المتطرفين. فجذبهم إليه بدعوته لهم للتبرع للأيتام الفلسطينيين الذين قال لهم إنهم سيبلغون سن الرشد ليكونوا «مقاتلي المستقبل». وأدين بتهمة قيادتهم في محاولة فاشلة لإخراج إرهابي جزائري مدان من السجن.
والآن، بعد مرور شهر على الهجوم الدموي الذي أودى بحياة 17 شخصا في باريس وبث الرعب في قلب أوروبا، يخضع بيغال لمراقبة لصيقة من السلطات التي تسعى لإثبات دوره المحتمل في هذه الهجمات.
يقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن ما تكتشفه جهات التحقيق قد يكون حاسما على نحو خاص، نظرا لظهور مؤشرات تشير إلى احتمال وجود تعاون بين عناصر من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، المتنافسين بشكل شرس في هذه الهجمات.
وقد يكون هذا تطورا مثيرا للقلق في الحرب ضد الإرهاب العالمي، نظرا لأن التنظيمين يوجد لهما، حتى الآن، قواعد دعم في مناطق مختلفة وبأهداف مختلفة. فكان تنظيم داعش يركز في الغالب على حربه من أجل الاستحواذ على أراضي داخل سوريا والعراق. واشتبك تنظيم القاعدة معه.
ظل بيغال قابعا وراء القضبان أغلب الأعوام الـ14 الماضية على خلفية اتهامات متعلقة بالإرهاب. وكانت آخر قضاياه في عام 2010، أي قبل فترة كبيرة من ظهور تنظيم داعش، الذي ظهر كتنظيم قتالي في خضم الفوضى التي صاحبت الحرب الأهلية في سوريا ولم يتحول إلى قوة مرعبة إلا في أواخر عام 2013.
ولذلك يرى مسؤولو الاستخبارات أن وجود صلات بين بيغال والمخططين لهجمات باريس وتنظيم داعش قد تكون ذات أهمية بالغة في فهم التهديد المتزايد الذي يواجه الدول الغربية. فكان أحميدي كوليبالي، الرجل الذي قتل 4 أشخاص في متجر أطعمة يهودية في باريس، قد أعلن مبايعته لتنظيم داعش في تصريحات مصورة على مقطع فيديو قبل ساعات من مصرعه.
ويقول محققون إنه على الرغم من أن ولاء كوليبالي النهائي كان لتنظيم داعش، ولكن صلة بيغال بتنظيم القاعدة أثارت مسألة تحوله إلى المنهج المتطرف.
كان كوليبالي قد أخبر محققين من الشرطة في عام 2010، وفقا لنسخة من الاستجواب: «لقد أثر في نفسي بطريقة إنسانية».
ونفى بيغال من خلال محاميه وجود أي صلة له بهجمات باريس.
من جهته، قال جان لوي بروغيير، وهو محقق سابق في مكافحة الإرهاب قاد تحقيقا أدى إلى إلقاء بيغال في السجن في عام 2001: «إنه رجل خطير للغاية». وأضاف بأن بيغال قام بوضوح بتحويل فكر الشخصين اللذين التقى بهما في السجن إلى الفكر المتطرف، ولكنه أضاف بأنه كان من الصعب على أجهزة الاستخبارات تتبع الأنماط المتغيرة للتحالفات التي تتوحد لشن هجمات.
وأضاف: «إنها ظاهرة تأخذ في التحور والتطور ونحن نواصل مكافحتها».
ولد بيغال الذي يبلغ من العمر 49 عاما في بلدة صغيرة في الجزائر وانتقل إلى فرنسا عندما كان عمره 21 عاما، وحصل في النهاية على الجنسية وكوّن أسرة مع زوجة فرنسية. كان يبيع الملابس وكان يعمل في مصنع للأغذية. وفي عام 1997، انتقل لفترة وجيزة مع أسرته إلى بريطانيا، حيث كان يتردد على مسجد يديره الداعية المتطرف المعروف باسم أبو قتادة.
واتهمت السلطات أبو قتادة، الذي كان اسمه الحقيقي عمر محمود محمد عثمان، بأنه قيادي بارز في تنظيم القاعدة، وتربطه علاقات وثيقة بأسامة بن لادن. ويبدو أن بيغال، بحسب السلطات، قد تحول إلى الفكر المتطرف في المسجد البريطاني وانتقل إلى أفغانستان في عام 2000. وجرى اعتقاله في العام التالي بتهمة وجود صلة له بمؤامرة ضد السفارة الأميركية في باريس وألقي في السجن لمدة 10 أعوام. وظل يردد لمدة طويلة أنه بريء وأنه تعرض للتعذيب أثناء التحقيق.
وفي عام 2005، التقى كوليبالي وأحد المنفذين الآخرين لهجمات باريس، وهو شريف كواشي، في سجن فلوري ميروجيس الذي يقع في جنوب باريس، والمشهور بحالته السيئة. كانت الشرطة قد سألت كوليبالي في وقت لاحق إذا كان يعرف أي من «القادة المخضرمين في عالم التطرف».
فأجاب كوليبالي: «نعم، أعرف أحدهم، اسمه جمال بيغال».
بعد أن تم الإفراج عن هؤلاء الأشخاص، ظلوا على اتصال وثيق. ويقول مسؤولون إن كوليبالي كان كثيرا ما يطلب النصح والإرشاد وكذلك كانت تفعل زوجته، حياة بومدين، الموجودة حاليا في سوريا.
تشير تفريغات لمكالمات هاتفية تم اعتراضها إلى العلاقات الودية بين الأشخاص الثلاثة، حيث كان بيغال يتحدث مع كواشي مازحا عن مهاراته في طهي المعكرونة وكان يقول مازحا بأن كوليبالي ينبغي أن يكون «مازوخي إذا كان يرغب في التسكع مع شريف كواشي ليلة الجمعة».
سأل كوليبالي بيغال إذا كانت هناك ظروف يكون من الجائز شرعا الموت مع وجود ديون، في تلميح دون أن يقول ذلك صراحة، إلا أنه يشير إلى الاستشهاد.
فأجاب بيغال: «إن الله سيقضي عنك دَينك».
كما أنه دفع كوليبالي للتبرع بالمال لمؤسسة للأيتام الفلسطينيين.
وقال بيغال: «أطفال فلسطين هم مجاهدو الغد، يا صديقي. فهم الذين يقفون في وجه إسرائيل» .
في الغرف الفندقية المكتظة في جنوب فرنسا حيث كان بيغال يعيش في عام 2010 وكان خاضعا لإفراج مشروط من السجن، قبل اعتقاله مرة أخرى، عثرت الشرطة على قمطة قذائف صاروخية وخرائط لأفغانستان وباكستان، ومنشورات حول الهجمات الانتحارية، وشريط أغاني لها عناوين منها «أنا إرهابي» و«انسفوهم» و«لا حل إلا السلاح» و«آه يا شهيد».
وعندما سألته الشرطة عنها، قال بيغال: «إنها أغاني».
وفي وثائق صودرت من جهاز الكومبيوتر الخاص به، قال إنه ليس لديه صلة بالإرهاب. ولكنه اشتكى بمرارة من سجون غوانتانامو وأبو غريب وباغرام، وقال إنها مؤشرات على «إبادة شعوب على يد شعوب متحضرة».
كما اشتكى من معاناة الفلسطينيين على أيدي الإسرائيليين والمجازر التي تعرض لها مسلمو البوسنة في حروب البلقان خلال تسعينات القرن الماضي.
وكتب: «هذه الحرب الشاملة ضد الإرهاب، لم تؤدي إلا إلى ظلام المشهد العالمي». كانت القناعات الشرسة الواضحة في كتاباته توضح سطوته المحتملة على الأشخاص الذين يستقطبهم.
من جهته، قال جان شارل بريسارد، وهو خبير في الإرهاب مقيم في باريس: «كان يتمتع بالقدرة على الوصول بشكل حقيقي لإرهابيين محتملين في جميع أنحاء أوروبا، وخصوصا في فرنسا. تعتمد هذه الشبكات إلى حد كبير على التوجيه».
ويواصل مسؤولو مكافحة الإرهاب مساعيهم لمحاولة فهم الصلة بين تنظيمي «القاعدة» و«داعش» خلال الهجمات. وما زال مدى ضلوع التنظيمين الإرهابيين في التخطيط للهجمات غير واضح. ويقول بعض الخبراء إن الصداقة بين كوليبالي وكواشي أكثر أهمية لتنسيق الهجمات عن أي قوة بعيدة.
ولكن أثيرت شكوك بشأن وجود تلاقح واضح وغير عادي بين التنظيمين. قال مسؤولون في الاستخبارات إن زوجة كوليبالي دخلت، قبل يوم من هجومه على متجر الأطعمة اليهودية، أراضي سوريا يسيطر عليها تنظيم داعش برفقة مهدي بلحسين، الشقيق الأصغر للرجل الذي سجل الأفلام الدعائية التي أصدرها الجناح الإعلامي لتنظيم القاعدة. ويعتقد مسؤولون أن بلحسين جزء من شبكة الخدمات اللوجيستية المرتبطة بتنظيم القاعدة. ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن كوليبالي حصل كذلك على أسلحة من أجل الهجوم من موردين متصلين بتنظيم القاعدة.
ويعتقد مسؤولون أن واحدا على الأقل من الأخوين كواشي اللذان قتلا 12 شخصا في مقر المجلة الساخرة حصل على تدريبات في اليمن، التي يوجد بها تنظيم القاعدة في الجزيرة.
من جانبه، قال مسؤول أوروبي لمكافحة الإرهاب، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشته لتفاصيل تحقيق حساس: «تثير الهجمات التي وقعت في باريس وكذلك العمليات الأخيرة في بلجيكا تساؤلات بشأن وجود تغيير محتمل في استراتيجيات تنظيمي (القاعدة) و(داعش) فيما يخص العمليات العالمية».
وأضاف المسؤول: «ربما كانت باريس بداية لتعاون جديد بين تنظيمي داعش والقاعدة».
ما زال خبراء مكافحة الإرهاب يحاولون فهم ما سيقوم به تنظيم داعش بعد ذلك خلال توسيعه لطموحاتها خارج الأراضي التي يسيطر عليها في سوريا والعراق.
من ناحيته، قال محمد محمود ولد محمدو، نائب مدير مركز سياسة الأمن في جنيف: «ينظر تنظيم داعش إلى بن لادن باعتباره شخصية تاريخية ونموذجا يحتذى به. ولذلك، من المحتمل أن نشهد في الواقع استراتيجية مشتركة جديدة بشأن القيام بعمليات أكبر حجما، رغم الاشتباكات التي وقت بين التنظيمين من قبل. فالأمر الأساسي حاليا هو الغموض الكبير بشأن كيفية الانتقال للعمل في المرحلة المقبلة وتوسيع العمليات والعمل بشكل أكبر عبر الحدود الوطنية».
*خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)
مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)
TT

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)
مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي لمنظمة «مراسلون بلا حدود» صدر اليوم (الخميس)، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وبحسب هذه المنظمة غير الحكومية المعنية بحرية الصحافة، كان الجيش الإسرائيلي مسؤولاً عن مقتل 18 صحافياً هذا العام، 16 في غزة واثنان في لبنان.

وقالت «مراسلون بلا حدود»، في تقريرها السنوي الذي يغطي بيانات حتى الأول من ديسمبر (كانون الأول)، إن «فلسطين هي البلد الأكثر خطورة على الصحافيين، حيث سجّلت حصيلة قتلى أعلى من أي دولة أخرى خلال السنوات الخمس الماضية».

وأقامت المنظمة 4 شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بـ«جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد صحافيين».

وأضافت «مراسلون بلا حدود» أن «أكثر من 145» صحافياً قُتلوا على أيدي القوات الإسرائيلية في غزة منذ بدء الحرب في القطاع في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عقب هجوم «حماس» على إسرائيل، منهم 35 كانوا يعملون وقت مقتلهم.

ووصفت المنظمة عدد عمليات القتل بأنها «حمام دم لم يسبق له مثيل».

وفي تقرير منفصل نُشر الثلاثاء، أفاد الاتحاد الدولي للصحافيين بأن 104 صحافيين قتلوا في أنحاء العالم عام 2024، أكثر من نصفهم في غزة.

وتختلف الحصيلتان اللتان وفّرتهما المنظمتان بسبب اختلاف النهجين المستخدمين في تعداد الضحايا.

فالعدد الذي قدّمته «مراسلون بلا حدود» لا يشمل إلا الصحافيين الذين «ثبت أن مقتلهم مرتبط بشكل مباشر بنشاطهم المهني».

نفي إسرائيلي

وتنفي إسرائيل تعمّد إيذاء الصحافيين، لكنها تقر في الوقت نفسه بأن بعضهم قُتل بغارات جوية شُنّت على أهداف عسكرية.

وقال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية ديفيد منسر، في مؤتمر صحافي، الأربعاء: «نحن نرفض هذه الأرقام. لا نعتقد أنها صحيحة».

وأضاف: «نحن نعلم أن معظم الصحافيين في غزة يعملون على الأرجح تحت رعاية (حماس)، وأنه حتى يتم القضاء على الحركة، لن يُسمح لهم بنقل المعلومات بحرية».

من جهتها، قالت آن بوكاندي، مديرة تحرير «مراسلون بلا حدود» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الصحافة مهددة بالانقراض في قطاع غزة».

وأشارت إلى «تعتيم ذي أبعاد متعددة». فبالإضافة إلى «الانتهاكات المرتكبة بشكل مباشر ضد الصحافيين»، ما زال «الوصول إلى غزة ممنوعاً منذ أكثر من عام»، كما أن «مناطق بكاملها أصبح الوصول إليها غير متاح» وبالتالي «لا يعرف ما يحدث هناك».

من جهته، ندّد أنتوني بيلانجر، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، بـ«المذبحة التي تحدث في فلسطين أمام أعين العالم». وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن «العديد من الصحافيين يُستهدفون» عمداً.

وبعد غزة، كانت باكستان أكثر البلدان فتكاً بالصحافيين في عام 2024، حيث سُجل مقتل 7 صحافيين، تليها بنغلاديش والمكسيك بـ5 لكل منهما.

وفي عام 2023، بلغ عدد الصحافيين الذين قُتلوا في كل أنحاء العالم 45 صحافياً في الفترة نفسها من يناير (كانون الثاني) إلى ديسمبر.

وحتى الأول من ديسمبر، كان هناك 550 صحافياً مسجوناً في كل أنحاء العالم مقارنة بـ513 في العام الماضي، وفقاً لأرقام «مراسلون بلا حدود».

أمّا الدول الثلاث التي لديها أكبر عدد من الصحافيين المحتجزين فهي الصين (124 من بينهم 11 في هونغ كونغ) وبورما (61) وإسرائيل (41).

بالإضافة إلى ذلك، يوجد حالياً 55 صحافياً محتجزاً بوصفهم رهائن، اثنان منهم اختُطفا في عام 2024، نحو نصفهم (25) لدى تنظيم «داعش».

كذلك، تم الإبلاغ عن 95 صحافياً مفقوداً، من بينهم 4 تم الإبلاغ عنهم في عام 2024.