عاد القيادي في تنظيم داعش، تركي البنعلي، إلى الواجهة عندما أعلنت مملكة البحرين يوم السبت الماضي تجريده من الجنسية البحرينية هو واثنين من أشقائه، بعد أن ظهر في أكثر من تسجيل يطلب المبايعة لأبو بكر البغدادي، كما تولى مناصب عليا في التنظيم المحارب دوليا، حيث ترأس جهاز الحسبة في تنظيم داعش.
ولد تركي البنعلي بحسب مواقع نشرت سيرته في الخامس من سبتمبر (أيلول) من عام 1984، تشرب التعليم الديني ودرس على يد عدد من علماء الدين من البحرين شرقا وحتى المغرب غربا، ومن لبنان شمالا وحتى اليمن جنوبا، وتعدد أسماء المشايخ والعلماء الذين درس عليهم علوم الدين من فقه وعقيدة وغيرها من فروع العلوم الدينية المختلفة معظمهم أسماء بارزة كمنظري الجماعات المتطرفة.
يصفه أحد المقربين من العائلة - فضل عدم ذكر اسمه - بأنه كان دمث الأخلاق، وأنه كان مهتما بالقراءة وعلوم الشريعة منذ سنواته الأولى وكان يتقمص دور الداعية وهو لم يتجاوز سن العشرين.
ظهرت عليه بوادر التشدد منذ فترة مبكرة؛ ففي عام 2005 تم القبض عليه في دولة الإمارات وأوقف ثم رحل إلى مملكة البحرين بعد منعه من دخول الإمارات.
عودة إلى الشخصية المقربة من عائلة البنعلي، والذي يقول: «تطور وضع تركي وبدأت عليه ملامح التطرف وارتبط فكريا بتنظيم القاعدة وبدأ يتأثر بشخصياتها وقياداتها وبدأ يتموضع بشكل قوي في أوساط الشباب المتدين في البحرين».
مملكة البحرين كانت صارمة في تعاملها مع المنتسبين للجماعات المتطرفة، ففي الـ31 من يناير (كانون الثاني) الماضي احتل تركي البنعلي المرتبة 17، ضمن قائمة ضمت 72 بحرينيا اتخذت الحكومة قرارا بإسقاط جنسياتهم.
قالت الحكومة البحرينية حينها على لسان عيسى عبد الرحمن، وزير شؤون الإعلام، إنها اتخذت سلسلة من الإجراءات لاستمرار مساعيها للتصدي للإرهاب بكل أشكاله وصوره، وضمنها إجراءات أمنية وقانونية، وكذلك مشاركتها الفعلية مع قوات التحالف.
وقالت الحكومة حينها، إن المنزوعة جنسياتهم خليط من تيارات متعددة تمارس العنف والإرهاب وتدعو له ومن بينهم منتمون للجماعات المتطرفة، وضمت القائمة بالطبع المنتمين إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة.
تركي الشاب الثلاثيني الذي يوصف بالنزق وعدم تحمل الخلاف لأنه عادة ما يلجأ إلى الاتهام بالكفر والردة لكل من خالفه حتى وإن تتلمذ على يديه كأبو محمد المقدسي أو عاصم البرقاوي، فبعد أن وقف للمقدسي الند للند في مفاوضات إطلاق عامل الإغاثة الأميركي بيتر كاسيغ، هاجم المقدسي «داعش»، حينها اتهمه تركي البنعلي بالردة والكفر.
كذلك حدث مع هاني السباعي الذي قدم له كتابه «السلسبيل في قلة سالكي السبيل»، والذي كان يتحدث عن الغربة والغرباء، المقدسي والسباعي لا يقلان تشددا عنه، لكنهما صرحا بنقد «داعش» وأبو بكر البغدادي خليفته المزعوم فحكم عليهما بالردة والكفر.
من المحرق إلى الموصل
من محافظة المحرق التي تشتهر بسوقها الشعبية وبمحلات بيع الحلوى البحرينية التي يعدها أهل البحرين أحد مكونات تراثهم الذي يفاخرون به، حيث تنشط عائلات الشويطر في صناعتها، وتحديدا من مسجد العمال خرج تركي البنعلي محملا بفتاوى التكفير، فقد كان يلقى من على منبر هذا المسجد خطبه ومحاضراته إلى منابر مساجد مدينة الموصل ودعواته بالمبايعة الجماعية لخليفة «داعش».
أبو سفيان السلمي كما يحب أن يلقب نفسه كما تتعدد ألقابه ومن بينهم أبو همام الأثري، وأبو حذيفة البحريني، نشط منظر «داعش» الشرعي في الخطب والمحاضرات، كما أنه له إنتاج فكري في تأليف الكتيبات والرسائل، ولعل أبرز إنتاجه الفكري «الأقوال المهدية إلى العمليات الاستشهادية»، والذي بالتأكيد يتسق ومنهج تنظيم داعش، ويتحدث المؤلف عن حكم العمليات الاستشهادية والرد على المخالفين في ذلك.
كما له تأليف في تقصير الثياب للرجال إلى نصف الساق بعنوان «تنصيف التنصيف» وآخر في إعفاء اللحية بعنوان «الحلية في إعفاء اللحية»، ويغلب على خطبه ودروسه السجع المتكلف الذي يسوق عليه حججه وفتاواه.
قبل أن ينفر تركي البنعلي إلى القتال في سوريا لينظم إلى «داعش» لاحقا، عمل مدرسا في مدرسة عمر بن عبد العزيز في مدينة الحالة، وسرعان ما تمت إقالته لأجل منهجه ودعوته، كما كان إماما لمسجد في سوق المحرق ثم انتقل إلى مسجد العمال بعدها أقيل من الإمامة بسبب فتوى أحمد شاكر في حكم من ناصر الكفار على المسلمين، حيث قام بتعليقها في ركن الفتاوى بمسجد العمال في المحرق.
التحق تركي البنعلي بالجماعات المتطرفة في سوريا في مطلع عام 2014 حينها طفا على السطح وجود شباب بحرينيين في الجماعات المتطرفة التي تقاتل في سوريا، وتم تداول بعض الأخبار عن مقتل بحرينيين في المعارك الدائرة في سوريا، ليظهر البنعلي في يوليو (تموز) من عام 2014 وهو يخطب في العشرات من جنود «داعش» ويلقنهم عبارات البيعة لخليفة «داعش» أبو بكر البغدادي.
وفي ذات السياق، يقال إن الكتيب أو المطوية التي وزعت في المواقع التي سيطرت عليها «داعش» في العراق وسوريا، كانت من صياغة وتأليف تركي البنعلي يطلب السكان المحليين البيعة للبغدادي وكانت بعنوان «مدوا الأيادي لبيعة البغدادي»، وداعم إلى مبايعة زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، حيث تضمنت المطوية شروحات البنعلي حول أسباب أحقية البغدادي بمبايعته خليفة لهم.
يقول صديق العائلة: «قبل خروج تركي إلى الالتحاق بتنظيم داعش سبق ذلك انشطار حزبي في أوساط الشباب الذي كان تركي يحظى بمكانة مرموقة بينهم، فمنهم من انحاز إلى الظواهري وجبهة النصرة بعد الرسالة الشهيرة التي تناقلتها وسائل الإعلام لأيمن الظواهري والتي كان يطلب فيها بالبيعة للجولاني».
ويتابع: «يقول انحاز تركي ومجموعة كبيرة معه إلى (داعش) وبدأ يتشكل القطب الأهم، وتولى تركي أمر التجنيد في البحرين». ويضيف: «كل البحرينيين المنظمين إلى (داعش) تم تجنيدهم على يد تركي».
صعد نجم تركي البنعلي بقوة في سماء «داعش»، فقد ترأس جهاز الحسبة في تنظيم داعش بعد بسط نفوذه على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، وقيل إن التنظيم وجّه البنعلي أو أبو سفيان السلمي كما يلقب في كثير من الأحيان لتجنيد العلماء، إلا أن الأكيد أن البنعلي يحتل مرتبة متقدمة في التنظيم، حيث كان مفاوضا عن «داعش» حول الرهينة الأميركية كاسيغ.
بحرينيا، تقول أنظمة الجنسية، إن الإضرار بمصالحها العليا كان السبب في نزع الجنسية عن البنعلي وعن الذين وردت أسماؤهم في قائمة الـ72، لكنها قالت تؤكد حفظ الحقوق الإنسانية لمن أسقطت جنسيته، وأن مبدأ حق التقاضي متاح له، وبإمكانه التقدم بشكوى إلى السلطة القضائية للتظلم من القرار الذي صدر بشأنه من خلال محاكمة نزيهة وعادلة ومستقلة.
يقول صديق عائلة تركي البنعلي: «خرج إلى (داعش) بشكل متأخر نوعا ما، وكانت تدور حوله تساؤلات لماذا خرج كل رفاقه وبقي هو في البحرين» يقول: «ذهب إلى تونس ومنها إلى تركيا ثم سوريا، ثم ظهر بعد ذلك قياديا في تنظيم داعش.