خلال المعرض السنوي للساعات الفاخرة المقام في جنيف هذا الأسبوع، كان فنسنت ماليسين سعيدا بالتعقيدات الموجودة في إحدى الساعات من إنتاج شركة «فاشيرون كونستانتين»، التي تعتبر واحدة من أشهر شركات صناعة الساعات السويسرية.
يبدأ سعرها من 288 ألف يورو. ولكن عندما ترغب في التأكد من أن هذا السعر، الذي يساوي 334 ألف دولار بأسعار الصرف الحالية، سيظل قائما عند عرض الساعة العام المقبل، تكون إجابة ماليسين، وهو مدير تسويق هذه العلامة التجارية، هي الإشارة بيديه بشكل يوحي بمعنى «من يدري؟».
وبحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» فعلى هذا المنوال تتشكل مخاوف شركات صناعة الساعات السويسرية، التي يعاني الكثير منها من القرار الذي اتخذه البنك المركزي السويسري الأسبوع الماضي بإلغاء سقف سعر صرف الفرنك مقابل اليورو. أدت هذه الخطوة إلى ارتفاع كبير في قيمة الفرنك السويسري، وهو ما جعل صادرات سلع مثل الساعات أكثر تكلفة وأدت إلى الضغط على الشركات لتقوم إما بزيادة أسعارها أو الحصول على معدل أرباح أقل.
تسببت صدمة العملة في حيرة الشركات السويسرية خصوصا لأن الدولة تعتبر رائدة في تصدير الساعات الفاخرة، وبدأ القطاع يشعر بالفعل بآثار تباطؤ المبيعات للمشترين الأثرياء في الصين وروسيا، فضلا عن المنافسة الآتية من أنواع جديدة من الساعات الذكية.
كما أن الدولة، التي يبلغ تعداد سكانها 8 ملايين نسمة، تعتبر منافسا كبيرا في مجالات مثل المستحضرات الدوائية والآلات والمواد الكيميائية. ومع توقع انخفاض قيمة الصادرات، قام مصرف اتحاد البنوك السويسرية (UBS) الأسبوع الماضي بخفض توقعاته بشأن نمو سويسرا هذا العام ليصل إلى 0.5 في المائة من 1.8 في المائة.
فرض البنك الوطني السويسري (المركزي) منذ أكثر من 3 سنوات ربط سعر الفرنك مقابل سعر اليورو، ويعود ذلك غالبا لحماية الجهات المصدرة السويسرية في مواجهة ضعف اليورو. ولكن التحول المفاجئ في السياسة النقدية التي كانت تهدف إلى منع ارتفاع قيمة الفرنك لأكثر من 1.20 يورو، هو ما أدى إلى ارتفاع في قيمة العملة بنسبة تزيد على 30 في المائة. وظلت قيمتها مرتفعة هذا الأسبوع، فجرى تداول الفرنك بقيمة يورو واحد تقريبا.
انضم نيك حايك، الرئيس التنفيذي لـ«مجموعة سواتش»، أكبر شركة تصنيع ساعات في العالم، إلى قافلة الشكاوى الجماعية للمتذمرين من هذا التحول الكامل في سياسة البنك المركزي، فوصف حايك الأسبوع الماضي هذا القرار بأنه «تسونامي يجتاح صناعة التصدير والسياحة، ويجتاح البلاد بأكملها في النهاية».
وتخطت الآثار الناتجة عن هذا القرار إلى ما أبعد من سويسرا، فأغلقت بعض شركات السمسرة في العملات في لندن ونيويورك غير القادرة على تغطية التذبذب غير المسبوق في الفرنك، على انهيار أو على قرب انهيار. وفي بولندا، تدرس السلطات كيفية دعم المقترضين الذين أخذوا قروض رهن عقاري مقومة بالفرنك، نظرا لاعتقادهم بأن الاستثمار السويسري لا يضمن فقط الحصول على أسعار جيدة بل يضمن الاستقرار كذلك.
وكانت صناعة الساعات السويسرية هي أشد القطاعات تأثرا بتقلبات الفرنك السويسري، حيث يتم تصدير أكثر من 90 في المائة من ساعاتها مع احتفاظها بقاعدة تكاليف محلية إلى حد كبير نظرا لاعتمادها على جاذبية شعار «صنع في سويسرا». كانت سويسرا قد شددت أخيرا من قواعد حماية العلامات لضمان توليد ما لا يقل عن 60 في المائة من قيمة المنتجات السويسرية من داخل البلاد.
داخل القطاعات الأكثر تضررا في هذه الصناعة، قد تتكلف الساعات ذات الحركات المعقدة للغاية، التي تحتاج لسنوات لتطويرها وتجميعها، أكثر من مليوني دولار، حتى دون وجود ماس. في ساعة «باتيك فيليب»، التي تم طرحها في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للاحتفال بذكرى مرور 175 عاما على العلامة التجارية وهي تتمتع بدقة آلية رنين داخلي قوي وتقويم دائم، استغرق الأمر 7 سنوات لتطوير هذه الساعة، وتكلفت 2.6 مليون دولار. ومن الناحية الأقل سعرا، هناك نموذج جديد لساعة «كارتييه» التي تظهر فيها الأجزاء المتحركة بشكل مكشوف وتوضع في علبة 47 ملم مصنوعة من الذهب الأبيض عيار 18، يبدأ سعرها من 150 ألف دولار.
حتى قبل ارتفاع قيمة الفرنك، كانت شركات صناعة الساعات تواجه تحديات أخرى. استنادا إلى تقديرات أولية، ارتفعت المبيعات العالمية للساعات السويسرية بنسبة نحو 2 في المائة العام الماضي، مقارنة بنسبة 22 في المائة في عام 2010.
جاءت النسبة العظمى من هذا التباطؤ في الصين، التي تمثل نحو ثلثي نمو المبيعات خلال العقد الماضي. كان السبب فيه شن حملة على تقديم الهدايا، كجزء من حملة حكومة بكين لمكافحة الفساد، تزامنا مع الاضطرابات الأخيرة التي وقعت في هونغ كونغ، التي تعتبر مركزا رئيسيا لتجارة الساعات السويسرية.
في الوقت نفسه، تسببت العقوبات السياسية التي فرضت أخيرا على روسيا في ضعف عملتها الروبل والقوة الشرائية للمواطنين الروس. كما انخفضت، في الأشهر الأخيرة، أسهم شركة «سواتش» بسبب مخاوف ترقب المنافسة من شركة «أبل» وغيرها من منتجي الساعات الذكية.
في الأسبوع الماضي، أعلنت «ريتشمونت»، الشركة المصنعة لعلامات تجارية مثل ساعات «كارتييه» و«فاشيرون كونستانتين» و«بياجيه»، أن المبيعات ارتفعت بنسبة نحو 4 في المائة لتصل إلى 3.05 مليار يورو في الربع الأخير. ولكن هذا الإعلان تضرر من صدمة العملة السويسرية، التي أدت لانخفاض قيمة سهم «ريتشمونت» بنسبة 16 في المائة في ذلك اليوم، و7 في المائة أخرى يوم الجمعة. كما تراجعت أسهم شركة «سواتش» كذلك، رغم أن الشركتين عوضتا هذا الأسبوع جزءا صغيرا من خسائرهما في سوق الأسهم.
حتى لو كان المزاج أقل تفاؤلا في معرض الساعات المقام في جنيف هذا العام عما كان عليه الوضع خلال السنوات الماضية، فإن المديرين التنفيذيين يصرون على أنه من المبكر جدا حساب تأثير الفرنك بوضعه الأكثر قوة على الأرباح.
واتسمت لهجة البعض بالتحدي، فقال ألان برنار، رئيس شركة «أميركاز فور فان كليف آند أربلز» إن الشركة «ليست لديها نيات لتغيير أي شيء» فيما يخص أسعار الساعات. وأضاف مازحا: «على الأقل عندما نكتفي من الحديث عن الساعات، سيكون لدينا شيء آخر لنتحدث عنه».
وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، فقد أشارت شركات صناعة ساعات أخرى إلى أن المشترين الأثرياء الذين يقبلون على الساعات الفاخرة نادرا ما يركزون على الأسعار.
قال ريتشارد ميل، مؤسس ورئيس مجلس إدارة العلامة التجارية لساعات «ريتشارد ميل»: «عندما تضع سعر ساعة ما عند رقم 600 ألف دولار مثلا، فإن وصولك إلى سعر 650 ألف دولار أو 680 ألف دولار لا يمثل اختلافا كبيرا في الواقع. لن أتسبب في صداع لنفسي بشكل لا داعي له».
من أجل تعويض انخفاض الهوامش، توقع جان كلود بيفر، رئيس شعبة صناعة الساعات في مجموعة «إل في إم إتش مويت هينيسي لوي فيوتون» في مقابلة عبر الهاتف، أن ترفع شركات صناعة الساعات أسعارها في المتوسط بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة «ولكن لا يوجد ما يضاهي ارتفاع الفرنك أمام اليورو». كما يمكن أن تتسبب اضطرابات العملة في مزيد من عمليات الاندماج في قطاع تهيمن عليه بالفعل 3 مجموعات. فقد قامت مجموعة «إل في إم إتش» في عام 2008 بالاستحواذ على شركة «هوبلوت»، بوصفه جزءا من جهودها الرامية لتنويع منتجاتها وكذلك من أجل تحدي الشركتين العملاقتين في صناعة الساعات، وهما «سواتش» و«ريتشمونت».
قال بيفر: «ينبغي علينا أن نبحر الآن وسط هذا النوع من العواصف التي خرجت منها الشركات الأقوى والأكبر وهى أشد جلدا وبأسا، والتي خرجت منها الشركات الضعيفة وهي أشد وهنا وضعفا». أعلنت شركة «ريتشمونت» مثلا الأسبوع الماضي أنه يوجد لديها أكثر من 5 مليارات دولار أموالا نقدية.
أشارت بعض شركات تصنيع الساعات الأصغر حجما إلى أن قرار البنك المركزي كان له تأثير فوري. وقام بعض تجار التجزئة بإلغاء أوامر شراء في غضون ساعات، بحسب إدوارد ميلان، الرئيس التنفيذي لشركة «إتش موسر» وهي شركة عائلية تبيع 95 في المائة من ساعاتها خارج سويسرا، في خطاب مفتوح وجهه إلى توماس جوردان، رئيس البنك الوطني السويسري.
وأضاف عن طريق الهاتف: «ما تواجهه شركة أكبر حجما قد يقتصر على مشكلة اضطرارها للتعامل مع مساهمين غير راضين، أما ما تتعرض له شركة مثل شركتنا فهو صدمة كبرى هي أقرب إلى صراع من أجل البقاء. لقد فقدنا، في غضون ثانية واحدة، عامين من الجهود المبذولة بهدف تحسين هوامشنا».
«تسونامي» الفرنك يضرب شركات صناعة الساعات السويسرية
ارتفاعه بعد فك ارتباطه باليورو جعل صادراتها أعلى تكلفة
«تسونامي» الفرنك يضرب شركات صناعة الساعات السويسرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة