مكاتب متنقلة.. تسمح للموظفين بالعمل قرب منازلهم

وحدة «العمل على عجلات» تصميم عصري حديث يقلل مشكلات المدن الكبرى

مكاتب متنقلة.. تسمح للموظفين بالعمل قرب منازلهم
TT

مكاتب متنقلة.. تسمح للموظفين بالعمل قرب منازلهم

مكاتب متنقلة.. تسمح للموظفين بالعمل قرب منازلهم

كل دقيقة تضاف إلى رحلة المواصلات اليومية تزيدنا تعاسة، في الوقت الذي لم تحظ غالبيتنا بعد بفرصة العمل من المنزل، لكن ماذا لو أن مكاتبنا تمكنت هي من الانتقال إلينا؟
في إطار مشروع يبحث مستقبل التنقل، كشفت شركة «آي دي إي أو» للتصميم كيف أن المساحات المكتبية يمكن أن تصبح قادرة على الانتقال في المستقبل غير البعيد، وذلك في زمن بدأت فيه المركبات ذات القيادة الذاتية في الظهور على الطرق. عن ذلك تحدث داني ستيليون، أحد الشركاء في «آي دي إي أو»، الذي تولى قيادة المشروع، وقال: «عندما نفكر في المركبات ذات القدرة على الحركة الذاتية، فإننا نشرع في التفكير كذلك في أن هذا سيمكننا من البدء في نقل حيز العمل».

* مكاتب متنقلة
وطرح المصممون تخيلا لوحدات «العمل على عجلات» (Work on Wheels pods) تعتمد على الطاقة الكهربية، ويمكن شحنها ليلا داخل مستودعات، ثم نقلها نهارا لمساحات عمل غير مستخدمة بكثافة، أي إلى مكان به أرض فضاء وقدرة على الاستفادة من التجهيزات الأساسية، مع ضمان قرب جغرافي معقول من منازل الموظفين.
وشرح ستيليون التصميم قائلا: «كنا نفكر في كيفية إضفاء مزيد من المرونة على المدينة، والمعاونة في تحديد كيف يمكن للإنسان استغلال البنية التحتية في أغراض أكثر تنوعا».
عندما تتوقف بطولات دوري كرة القدم يمكن وضع الوحدات في الملاعب الرياضية، ويمكن كذلك نقلها إلى أي أماكن أخرى لا يتم استخدامها كثيرا خلال النهار، بما في ذلك الأماكن ذات المناظر الطبيعية الخلابة مثل المتنزهات.
وأوضح ستيليون أنه «في واحدة من رسوماتنا تظهر هذه الوحدات على رصيف بحري، حيث يجري استغلال المساحة بأكملها طوال النهار لأغراض إنتاجية. وعندما تحين الساعة السادسة يمكن نقل الوحدات بعيدا مع بدء الناس في الخروج للتنزه مساء».
وقد يسهم هذا الاستغلال المبدع للمساحات في استيعاب أعداد متزايدة من المؤسسات التجارية داخل المدن التي تعاني أزمة حادة في المساحات الإدارية والمكتبية، مثل سان فرانسيسكو التي أدى إلى تزايد الطلب فيها على ارتفاع الإيجارات التجارية بنسبة 81 في المائة خلال السنوات الأربع الأخيرة، ويمكن لسلطات المدن أيضا الحصول على عائدات ضريبية جديدة على أراضٍ لم تكن مستغلة من قبل. وجدير بالذكر أن المدن الأميركية اليوم تعج بـ600 مليون ساحة مخصصة للسيارات، على سبيل المثال، التي ستصبح شاغرة بصورة متزايدة مع انخفاض معدلات القيادة.

* أعمال عصرية
أيضا، تأتي فكرة المكتب المتنقل استجابة للتغييرات التي طرأت على أسلوب عملنا، فمع إجراء مزيد من الأعمال بصورة رقمية، تصبح الاجتماعات وجها لوجه أقل شيوعا. لذا يمكن الاعتماد على الوحدات المتنقلة فقط خلال الأيام التي يتعين على زملاء العمل خلالها الوجود في الحجرة ذاتها.
وبالنسبة إلى الشركات الناشئة التي قد تجد صعوبة في التكهن بمتطلباته من حيث المساحات، يمكن للوحدات المتنقلة الاستجابة للاحتياجات المتغيرة من يوم إلى آخر. وسيسمح نظام حجز للشركات بتحديد وتعديل متطلباتها يوميا.
وبالنسبة إلى الموظفين فإن وجود وحدة عمل متنقلة بالجوار تعني إمكانية اللجوء إلى السير أو إلى دراجة للوصول إلى العمل بدلا من قضاء ساعات طويلة مؤلمة في قلب زحمة المواصلات. ومن شأن هذه الوحدات أيضا التخفيف من أزمة المواصلات بالنسبة إلى الآخرين الذين يستقلون وسائل النقل والذين سيبقى لزاما عليهم القيادة من وإلى مقر العمل. بالطبع لا تزال وحدة «العمل على عجلات» مجرد تصور حتى الآن. ورغم أن «آي دي إي أو» تتوقع إقرار مثل هذه الأنظمة بعد 15 عاما من الآن، ليس من الواضح بعد مدى سرعة بدء السلطات المحلية والوطنية في الاستجابة بالسماح بهذه الوحدات المتنقلة في شوارع المدن، خصوصا الوحدات ذاتية الحركة.
ويأمل المصممون في أن تسهم هذه الفكرة في إثارة نقاشات جديدة حول حدود الممكن على هذا الصعيد، بالنسبة إلى مكان العمل والتنقل والحركة بوجه عام.
وعن ذلك، قال ستيليون: «رغبنا في استكشاف ما الذي يعنيه العيش في عالم يقوم على التنقل والحركة. ورغم أنه دار كثير من الجدل وجرى تقديم كثير من الأبحاث التقنية حول الجوانب العملية لبعض التقنيات الناشئة اليوم، فإنه حتى ترى بالفعل كيف يمكن للناس القيام بالعمل الجماعي داخل مواقع غير تقليدية، أو التقاط السلع الموزعة على نحو ديناميكي، أحيانا يكون من الصعب تعزيز النقاشات في هذا المجال».
وأضاف: «أشعر باهتمام بالغ بجماليات المستقبل. وقد ترعرعت على عشق أعمال سيد ميد، عالم المستقبليات، وقوة أعماله التي تثير حماسك حيال فترة مستقبلية بعينها. أعتقد أن هناك أمرا قويا حقا يتعلق بهذا الجانب. ويمكنك طرح فكرة ما، وإذا نجحت وكان لها صدى قد يحتشد حولها الناس، من منظور التصميم أو منظور هندسي، ويعملون على تحويلها إلى واقع».

* خدمة «واشطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً