دروس الطهي في الصغر.. كالنقش على الحجر

فوائد تعليم الصغار تحضير الطعام في سن مبكرة

تعليم الصغار الطهي ينمي شخصياتهم ويجعلهم أكثر استقلالية في المستقبل
تعليم الصغار الطهي ينمي شخصياتهم ويجعلهم أكثر استقلالية في المستقبل
TT

دروس الطهي في الصغر.. كالنقش على الحجر

تعليم الصغار الطهي ينمي شخصياتهم ويجعلهم أكثر استقلالية في المستقبل
تعليم الصغار الطهي ينمي شخصياتهم ويجعلهم أكثر استقلالية في المستقبل

منذ أن يتعلم أطفالنا الحبو وبداية محاولات المشي فإن المطبخ يصبح وجهة أساسية لفضولهم، فهو مليء بالأواني الملونة والأدوات التي يمكن أن يعبثوا فيها، ويطرحوها أرضا، وكلما نضجوا أكثر زاد حب استطلاعهم لما تقومين به في مطبخك الذي تقضين فيه معظم الوقت. لذا هل فكرت في استغلال بعض الوقت مع أطفالك في المطبخ وتعليمهم الطهي؟
قد لا تجدين الوقت أو الجهد لتعليم أطفالك الطهي، وكلنا نعلم أن دخولهم المطبخ سوف يحدث مزيدا من الفوضى، لكن إذا علمت الفوائد التي يمكن أن تعود عليهم وعليك في ما بعد فسوف تغيرين فكرتك تماما وتتحمسين لتجربة الطهي معهم.
في أوروبا تعتبر حصص الطهي من بين الدروس الإجبارية التي تدخل في منهج التعليم، والفكرة لم تأت من عبث، إنما هي آتية من قلب الواقع الذي يشجع الأطفال على الاعتماد على النفس، وهذه الدروس تؤهلهم منذ صغرهم إلى الاستقلالية، ليكونوا مستعدين لعمر النضوج عندما ينتقلون للدراسة الجامعية التي قد تحتم عليهم العيش بعيدا عن أهلهم. وتعتبر دروس الطهي من بين الدروس المفضلة لدى الصغار في المدارس لأنها تشجعهم على تحضير الأطباق السهلة التي يمكنهم بالتالي تطبيقها في المنزل والاعتزاز بها أمام ذويهم.
فوائد الطهي مع أطفالك
فضلا عن أنك تصنعين لديهم ذكريات حميمة لا تنسى ستظل راسخة في أذهانهم مدى الحياة، فإنك بشكل غير مباشر تجعلينهم يعشقون الأكل الصحي، وتدفعينهم لنظام غذائي سليم، حيث يتولد لديهم حب الخضراوات والفواكه الطازجة، ويتعرفون على أنواعها وفوائدها، وهو الأمر الذي يؤثر حتما على نموهم السليم.
تعليم أطفالك فنون الطهي لن يؤثر فقط على صحتهم الجسمانية، وإنما يؤثر إيجابيا على صحتهم النفسية. ففي البداية سيشعر الطفل بمجرد طلبك منه المساعدة في المطبخ بأهميته كأحد أعضاء الأسرة، فهو ليس مجرد كائن صغير لا يستطيع التصرف بشكل صحيح، الجميع يأمرونه وهو ينفذ؛ بل سيشعر بثقة في نفسه، وأنك تحتاجين إليه وتعتمدين عليه، وهو الأمر الذي سوف يساعده في ما بعد على التصرف بشجاعة وبسلوك غير مضطرب في المواقف الاجتماعية المختلفة، كما أن قضاء وقته معك في المطبخ سوف يبعده عن الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تقلل كثيرا من مهارات أطفالنا، وسوف تتأكدين أنك قد أصبت عدة عصافير بحجر واحد.
كما أن تعلمه الطهي منذ الصغر سيجعله يطبخ بنفسه في المستقبل، فلن تعاني ابنتك في منزلها وهي ربة أسرة، بل ستكون طاهية ماهرة، وسوف تنقل مهارات الطهي التي تعلمتها لأبنائها، أما ابنك فسوف يتمكن من تحضير أكله بنفسه إذا ما اضطرته الظروف للعمل خارج الوطن أو بعيدا عنك وهو لم يتزوج بعد، كما أنه عند زواجه سيكون مدركا أنه يجب أن يسهم ويشارك زوجته في شؤون المطبخ ولا يكون «عالة» لا يحضر لنفسه كوب ماء، ويجنبه حياة زوجية مليئة بالمشاكل بسبب استياء زوجته من سلوكه السلبي.
كيف أبدأ بتعليم طفلي الطهي؟
يمكنك البدء بمجرد أن يستطيع طفلك التحكم في الإمساك بالأشياء، وهي تختلف من طفل لآخر، وتكون تلك الخطوة مناسبة من عمر سنتين إلى 3 سنوات، حيث يمكنك البدء بإشراك طفلك بالحديث إليه، مثلا «اليوم سوف نطهو الملوخية، نبدأ بإعداد الحساء ثم نعد التقلية ومكوناتها كذا وكذا.. أنت تعلم أنها مفيدة جدا وستجعلك تكبر بسرعة»، وقدمي له طبقا به قطع من الخضراوات والفاكهة سوف ينبهر بألوانها ويبدأ في تزيين طبقه بتلك المكونات، في ما بعد اطلبي منه تقليب السلطة، أو رش البهارات على الأطباق، وعصر الليمون على الحساء، وبالطبع لا تنسي التعليق على الأكلات التي شارك فيها بالإطراء، وهذا سوف يساعدك كثيرا في المراحل المقبلة.
بمجرد أن يتعرف طفلك على أسماء الخضراوات والفاكهة، اطلبي منه إحضارها، وأثناء ذلك اذكري له فائدتها وكم هي جميلة ورائحتها ذكية، أنت تقومين بعمل مهم جدا في تلك اللحظات. يمكنك تركه يختار الفواكه التي يضيفها على الزبادي وتقليبها تحت إشرافك. وإذا أردت تحبيب طفلك في وجبة الإفطار فاجعليه يعد الساندويتش الخاص به بنفسه، أحضري قطعة توست طري، وشريحة جبن من نوع يحبه، وقولي له اليوم سوف نعد شخصية «سبونج بوب»، وضعي أمامه حلقتي زيتون «للعينين» وشريحة طماطم «للفم» وقطعة خيار للأنف، وشرائح من الكابوتشا أو البقدونس «للشعر»، واجعليه يزين هو الساندويتش، وتأكدي أنه لن يزعجك في إفطاره مرة أخرى، وكرري ذلك مع طبق البيض وهكذا.
كل الأطفال يحبون البيتزا والكيك، أثناء تحضير البيتزا مثلا يمكنك إعطاؤه قطعة من العجين ونشابة صغيرة لكي يقوم هو بإعداد البيتزا الخاصة به، ثم اطلبي منه المساعدة في رص المكونات حتى يمكن لباقي الأسرة أن تأكل البيتزا الشهية التي أعدها معك. تأكدي أنه سوف يطلب منك إعداد البيتزا في المنزل في ما بعد، فقد مثلت له تجربة ممتعة.
إذا كان طفلك بعمر ما بين 3 - 4 سنوات فاطلبي منه تفصيص البازلاء الخضراء (البسلة)، وقطف الملوخية، ويمكنه أيضا عمل الخبز بقليل من الدقيق والماء، كما يجب أن تجعليه يتابع مراحل طهي تلك الأكلات وأنت تحملينه باعتباره رئيس الطهاة.
تمر الأيام سريعا وسوف يكبر طفلك وتكبر المهام التي توكلينها له، ومن الخامسة وحتى العاشرة سوف يقوم بما سبق بمهارة شديدة، كما ستجدين لديه حب الابتكار في الأكلات ومحاولة التنويع فيها. وفي تلك المرحلة يمكنه هرس البطاطس مثلا لإعداد «البطاطس البوريه»، واجعليه معك يقوم بوضع طبقة من اللحم المفروم بالعصاج، ثم وضع طبقة أخرى من البطاطس المهروسة، ثم اجعليه ينثر جبن الموتزاريلا عليها، وضعي أنت البيض لأنه ليس من المستحب أن يتعامل الطفل مع البيض غير المطهي حتى لا يصاب بميكروب السالمونيلا.
مع بلوغه 8 سنوات يمكنك الاعتماد عليه في تحضير وجبة العشاء وإعداد طبق البيض الأومليت أو البيض على الطريقة الإسبانية، كما يمكنه إعداد الكريب الحلو والحادق، أو سلق المعكرونة، وكلها وصفات سهلة، وسوف يشعر معها بأنه أصبح ماهرا.
وسوف تفاجئين بأنه يأتي إليك بوصفات وجدها أثناء بحثه عبر الإنترنت بدلا من الألعاب العنيفة، وسوف تفاجئين بأنه يريد تنفيذ وصفة ما، وأنه يلهمك في إعداد قائمة الطعام لهذا الأسبوع، وسوف يغار زوجك ويشارك هو بدوره مع الأسرة في اختيار وإعداد الطعام، وسوف تصبح مباراة عائلية بامتياز وأنت المستفيدة.
ومع بلوغه العاشرة يمكنك تعليمه تسبيك صلصة الطماطم، وهي أساس لعدد كبير من الأطباق الرئيسية في المطبخ الشرقي عموما، وجعله يقطع الخضراوات والفواكه، كما يمكنه التعامل مع اللحوم والدجاج وسلقها أو قليها لكن مع تنبيه لغسل يديه جيدا حماية من الميكروبات، والآن وقد أصبح بعمر 10 سنوات ويمكنه إعداد وجبة كاملة بمفرده، وهو معتاد دونا عن أقرانه على الطعام الصحي والمحضر منزليا، والآن تخيلي كيف سيكون شعورك وأنت لديك شيف ماهر في منزلك؟



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.