«الغولم» أو «الغوليم» في الأسطورة اليهودية تعني المخلوق غير المكتمل، الذي صنع من خلال السحر من مادة الغبار. وهناك الكثير من الروايات المختلفة عند اليهود، التي تناولت كيف خلق «الغولم» ولماذا، ومنها أن «الغولم» صنع من الطين لحماية الطائفة اليهودية، حيث قام الحاخام المعروف بـ«مهرال براغ» (1513 - 1609) بصنع الغولم من طين نهر «فلتافا»، الذي كان بمقدوره استدعاء الأرواح من الموت، وقد كان اليهود في ذلك الوقت مضطهدين من قبل رودولف الثاني.
وقد استندت الكاتبة على أسطورة «الغوليم» لبناء عرض مسرحي ما يزال يقدم على خشبة مسرح «اليونغ فيغ» في لندن. استغرقت مدة التحضير للعرض الذي يمتد لـ90 دقيقة، 4 سنوات. ومن يشاهد العرض، يستطيع أن يدرك لماذا استغرق الأمر هذه المدة الطويلة؛ إذ يضم العرض عناصر متنوعة، بدءا من الموسيقى والرقص والغناء الحي، وصولا إلى الرسوم المتحركة (الأنيميشن)، التي كانت عنصرا بارزا جدا خلال العرض. كل هذه العناصر امتزجت على الخشبة بتناسق إيقاعي قوي يشدّ حواس المشاهد، حتى يصعب عليه الإفلات للحظة مما يدور على الخشبة.
بُني العرض حول الشخصية الرئيسة «روبرت روبرتسون»، وهو شخصية غير جذابة وغريبة الأطوار، يعيش حياة رتيبة ومملة، حيث يعمل مع زملائه في مكتب لحفظ وكتابة أرقام الصفر والواحد الإلكترونية.
تنقلب حياة روبرت رأسا على عقب حين يبيعه مخُترع ما منتَجا اسمه «الغولم». يظهر «الغولم» في العرض ضمن باقي الرسوم على الشاشة الخلفية التي استعملتها المخرجة وسيلة لرواية الأحداث المرتبطة بما يجري مباشرة على أرض المسرح.
وتبدو شخصية الغولم لطيفة ومخادعة في الوقت عينه، وقد رسمت بطريقة بدائية شبيهة بخيال الأطفال.
يتسلل الغولم بنسخه المتعددة والمتجددة التي تماثل التجديد الذي نقوم به اليوم لتحديث البرامج الإلكترونية، إلى حياة روبرت وعائلته حتى يسيطر عليها بالكامل. يعكس هذا الأمر بشكل مباشر حياة الإنسان في العصر الحديث، حيث هو موجود ضمن إطار نظام معقّد يسلبه حريته، ويورطه في الوقوع في وهم المقدرة على السيطرة على أدوات الحياة حوله، بينما الواقع هو عكس ذلك تماما. كذلك يعكس التبعية المطلقة لجميع الأدوات التكنولوجية الحديثة التي تساهم، بشكل كبير في برمجة الحياة حولنا، وتبقينا داخل إطار سيطرة هذا النظام.
إن التدرج في عرض الأحداث وتسلسلها مركب بطريقة معقدة في طريقة سرد الأحداث الذي يجري من خلال جميع العناصر الموجودة على المسرح بطريقة متكاملة ومتوازية. وعند الوصول إلى نهاية العرض، نلحظ التغير الدراماتيكي الذي يحدث في حياة الشخصيات على المسرح.
بول باريت كان المسؤول عن الفيلم، الأنيميشن والديكور، اللذين رسما أحداث العرض بشكل متوازٍ مع الممثلين الـ4 على الخشبة، وهم (إسما أبلتون، روز روبنسون، شميرا تيرنر، ويل كلوز).
عرض رائع ومتكامل بكل المقاييس؛ فالموضوع المُعالج يتطرق إلى صلب معاناة الإنسان الحديث. يعزز هذه الخلاصة أن العمل مشغول بطريقة متقنة ورائعة من حيث الإخراج، والتمثيل، والموسيقى، والغناء، والأنيميشن، والديكور.
استدعاء «غولم» أسطوري لرصد متغيرات حياة معاصرة
4 سنوات لإعداد 90 دقيقة عرض على مسرح «اليونغ فيغ» في لندن
استدعاء «غولم» أسطوري لرصد متغيرات حياة معاصرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة