للحصول على ابتكارات علمية جديدة انشر الأبحاث المرفوضة

التحيز في النشر يثير القلق

للحصول على ابتكارات علمية جديدة انشر الأبحاث المرفوضة
TT

للحصول على ابتكارات علمية جديدة انشر الأبحاث المرفوضة

للحصول على ابتكارات علمية جديدة انشر الأبحاث المرفوضة

أنفقت الحكومة الفيدرالية في عام 2013 أكثر من 30 مليار دولار على دعم الأبحاث العلمية الأساسية، وتساعد هذه الأموال على تكوين معرفة والتحفيز على زيادة الإنتاجية والنشاط التجاري. ولكن هل سيكون لهذا الأمر عائد أفضل على استثماراتنا؟
تكمن المشكلة في أن الأبحاث التي تجري باستخدام أموال الحكومة الفيدرالية يوجهها – ويشوه صورتها – نموذج النشر الأكاديمي؛ حيث يتسبب التنافس الشديد على الحصول على مساحة في المجلات المتميزة في ضغوط قوية باتجاه تأثيرات جديدة وهامة من الناحية الإحصائية. ونتيجة لذلك، فإن الدراسات التي لا تؤدي إلى ما هو مخطط لها أو لا تصل إلى أدلة على التأثيرات المزعومة في الأبحاث السابقة غالبا ما تحرم من النشر، رغم أن النتائج التي تم التوصل إليها قد تكون هامة وغنية بالمعلومات.
على سبيل المثال، رفضت واحدة من أبرز مجلات علم النفس النظر في دراسات فشلت في السير على درب أحد المؤلفات المختلف عليها التي تزعم اكتشاف أدلة على الإدراك الفائق للحواس، بالإضافة إلى ذلك، فإن النتائج التي يتم نشرها في هذه المجلات تصل بالكاد إلى درجة الأهمية الإحصائية المطلوبة للنشر، وهو نمط يشير إلى أن نشر النتائج يتم بشكل انتقائي. فليس من المستغرب ألا يتمكن علماء آخرون في كثير من الأحيان من إعادة إنتاج النتائج التي تم نشرها، وهو ما يقوض الثقة في الأبحاث ويهدر كثيرا من الوقت والمال. كذلك تتسبب هذه الممارسات في تكوين قاعدة معرفية هشة للعلم، الأمر الذي يدفع العلماء إلى الإحجام عن البناء بشكل فعّال على الأبحاث السابقة.
وأثار هذا النمط من التحيز في النشر ومحاولات المحاكاة الفاشلة، الذي يلفت الانتباه في كثير من المجالات بداية من علم النفس وحتى الطب، قلقا بالغا داخل الأوساط العلمية، وتوجد حاليا دلائل تشير إلى وصول هذه المخاوف إلى واضعي السياسات. وطلبت إدارة أوباما الحصول على تعليقات من الرأي العام بشأن كيفية استفادة الحكومة الفيدرالية «من دورها بصفتها واحدة من كبرى الجهات الممولة للأبحاث العلمية للتعامل بأقصى فعالية ممكنة مع أزمة التكرار في العلوم»، وهي مسألة ينبغي دراستها بعناية نظرا لوجود أدلة تشير إلى عدم جدوى السياسات الحالية.
ويتمثل أحد الحلول في مطالبة الباحثين بتبادل البيانات، وخصوصا الواردة في الدراسات التي أجريت بدعم حكومي. على سبيل المثال، يطلب المعهد الوطني للصحة ومؤسسة العلوم الوطنية الأميركية بالفعل من الحاصلين على منح دراسية تبادل البيانات الواردة في أبحاثهم. ويشجع هذا النوع من الشروط على ضمان الشفافية، ولكنه، حتى لو تم اعتماده على نطاق واسع، قد لا يقلل على نحو ملحوظ من التحيز في نشر الدراسات.
ويؤيد آخرون تسجيل التجارب قبل القيام بجمع البيانات، وبدأ بعض علماء الاجتماع مثلا، وعلى نحو تطوعي، بتسجيل خطط تحليل التجارب بشكل مسبق بهدف تخفيف حدة المخاوف بشأن النشر الانتقائي. ولسوء الحظ، قد يتسبب الإقبال على النتائج الهامة من الناحية الإحصائية إلى تحيز في النشر، على سبيل المثال، يتطلب القانون الفيدرالي وسياسات المجلات الآن تسجيل التجارب السريرية، ولكن وجد أن نشر نتائج التجارب يتم على نحو انتقائي، ليحيد بشكل متكرر عن الأصول المعمول بها وللتأكيد على نتائج هامة. ويمكن زيادة إمكانية الوصول إلى بيانات التجارب، ولكن من غير المرجح أيضا أن تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تغيير نمط نشر الدراسات في المجلات الأكثر تأثيرا.
وبدلا من ذلك، اقترحت أنا وزملائي نموذجا للنشر يعتبر مختلفا على نحو جذري، وهو يتمثل في مطالبة محرري المجلات والأقران العلميين بمراجعة تصميمات الدراسات والخطط التحليلية والالتزام بنشر النتائج إذا كانت الدراسة قد تمت وأعلن عنها بطريقة مهنية (وهو ما سيتم ضمانه عن طريق القيام بجولة ثانية من مراجعة الأقران).
ويؤدي هذا الإجراء إلى تشجيع المؤلفين والمراجعين على وضع أقوى الأشكال الممكنة، بما في ذلك تلك التي تحاكي دراسات نشرت من قبل، ويلغي الحوافز المفسدة التي تمنح مقابل إيجاد أو التأكيد على نتائج هامة بعد إثبات الحقيقة. وتم بالفعل اعتماد أسلوب علمي جديد يسمى «التقارير المسجلة» باستخدام هذا النهج في كثير من المجلات المتخصصة في العلوم الاجتماعية والطبيعية.
في ورقة بيضاء جديدة، اقترح أن تقدم جمعية العلوم السياسية الأميركية خيارات للمقالات على شكل تقرير مسجل، وبدأ باحثون في تخصصات أكاديمية وجمعيات علمية أخرى في القيام بالأمر نفسه.
وللأسف، سيكون من الصعب التغلب على جمود النظام الحالي، وهنا تكمن أهمية تغيير الحوافز التي أوجدتها السياسة العلمية الفيدرالية.
سيغير العلماء من أساليبهم بسرعة أكبر إذا شجع التمويل الفيدرالي النشر في المجلات التي تستخدم التقارير المسجلة أو غيرها من الأساليب التي تستهدف الحد من التحيز في النشر. وعلى العكس، فإن المجلات قد تغير سياساتها إذا كان ذلك سيساعدها على جذب أبحاث من كبار العلماء، ولكن أفضل طريقة لتشجيع الابتكار العلمي هي إعادة التفكير في كيفية تنظيم المؤسسة العلمية نفسها.

* بريندان نيهان أستاذ مساعد في قسم الحوكمة في كلية «دارتموث»
* خدمة «واشنطن بوست»
_ خاص بـ {الشرق الأوسط}



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.