المعتقلون السوريون المسيحيون بين استبداد القوات الحكومية وإرهاب المتطرفين

رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان: 450 معتقلا بينهم 28 امرأة وفصائل شيعية شاركت في الخطف

 مقاتلون غير متطرفين يحمون كنيسة بمدينة حلب ليلة عيد الميلاد قبل أيام (أ.ف.ب)
مقاتلون غير متطرفين يحمون كنيسة بمدينة حلب ليلة عيد الميلاد قبل أيام (أ.ف.ب)
TT

المعتقلون السوريون المسيحيون بين استبداد القوات الحكومية وإرهاب المتطرفين

 مقاتلون غير متطرفين يحمون كنيسة بمدينة حلب ليلة عيد الميلاد قبل أيام (أ.ف.ب)
مقاتلون غير متطرفين يحمون كنيسة بمدينة حلب ليلة عيد الميلاد قبل أيام (أ.ف.ب)

نشرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرا قالت فيه إن أكثر من 215 ألف معتقل لدى السلطات السورية، تمتلك الشبكة قوائم بـ112 ألفا منها موثقة، ومن بين المعتقلين 450 شخصا من الديانة المسيحية، بينهم 28 امرأة. وبحسب التقرير فإن هذه الإحصائية هي الحد الأدنى من المعتقلين، لأن معرفة عقيدة الضحية القتيل أو المعتقل ليست بالأمر السهل.
كما رصدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حالات خطف من قبل ميليشيات محلية وميليشيات شيعية خارجية، حصلت بهدف الابتزاز المادي وطلب فدية مالية ضخمة مقابل الإفراج.
ويستعرض التقرير كثيرا من حالات الاعتقالات التي حدثت لدى مداهمة مراكز تجمعات سياسية واعتقال أفرادها وتخريب ونهب محتوياتها. كما حدث في مقر المنظمة الآثورية الديمقراطية ومكتب إحدى الجمعيات الإغاثية التابعة لحزب الاتحاد السرياني في القامشلي.
وسجل التقرير الإفراج عن قرابة 185 شخصا من معتقلات النظام، بينهم 19 امرأة، ولا تزال البقية (265) محتجزة حتى لحظة إعداد التقرير، أكثر من نصفهم في عداد المفقودين قسريا.
ويشير التقرير إلى أن عمليات الاعتقال التعسفي تحدث من دون أي مذكرة قانونية أو اطلاع المعتقل أو أهله على أسباب أو مكان الاحتجاز، وقد شملت مختلف المحافظات السورية، وبشكل خاص الحسكة والقامشلي، وحلب، ودمشق، وحماه، وحمص. وطالت هذه الاعتقالات سياسيين ونشطاء سلميين وقادة رأي في قوى الحراك السياسي والمدني.
ووثق التقرير قيام التنظيمات المتشددة بانتهاكات بحق سكان المناطق والقرى التي يتبع أهلها الديانة المسيحية، التي وقعت تحت سيطرتها، حيث تعرض البعض منهم للاعتقال والتعذيب على خلفية طائفية، بهدف التهجير، مما أجبرهم على النزوح إلى مناطق أخرى، كما حصل عندما سيطر تنظيم داعش على محافظة الرقة وأجزاء واسعة من محافظة دير الزور والحسكة وريف حلب.
كما سجل التقرير ما يزيد على 10 حالات اعتقال لأشخاص من الديانة المسيحية، في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة، في كل من محافظة إدلب ومحافظة حلب.
أما الجهات الشيعية التي تقوم بالخطف، يقول فضل عبد الغني رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: «أغلب حالات الخطف التي افتعلتها الميليشيات الشيعة، كلواء أبو الفضل العباس و(حزب الله) كانت بهدف الانتقام الطائفي وغالبية الضحايا تعرضوا لتعذيب وحشي، ثم قُتلوا». ويضيف أن أعداد الناجين بينهم كانوا قلة: «نذكر إحدى الحالات التي حصلت في جديدة الفضل، حيث قامت إحدى الميليشيات الشيعية المشاركة للقوات الحكومية، وبعد مجزرة بجديدة الفضل، باعتقال شقيقين مسيحيين من عائلة بطرس وقتل أحد الشقيقين بعد تعذيبه وإطلاق سراح الآخر بعد دفع عائلته لمبلغ 15 مليون ليرة سوريا في 21 أبريل (نيسان) 2013».
عن مبررات الخطف عموما، يقول عبد الغني: «بالنسبة للمعارضة المسلحة وثقنا بعض حوادث الخطف التي كانت بغرض الابتزاز المادي وطلب الفدية، وغالبا ما تكون مبالغ طائلة في البداية ثم وأثناء التفاوض مع عائلة الضحية، يتم تخفيض قيمة المبلغ المطلوب. بمعنى أن الإنسان يتحول إلى سلعة. وفي بعض حوادث الخطف كانت التهمة العمالة والتعاون مع السلطات السورية، وهناك حوادث الهدف منها عمليات التبادل».
أما بالنسبة للخطف على الأساس الطائفي فغالبا ما تقوم به المجموعات المتشددة. ويؤكد التقرير على أن الحكومة السورية مارست، ولا تزال، جرائم الخطف والتعذيب، ضمن هجوم واسع النطاق، وبشكل منهجي، وهو ما يشكل جرائم ضد الإنسانية، بحسب المادة السابعة من قانون روما الأساسي، كما يُعد جريمة حرب بموجب المادة الثامنة من قانون روما الأساسي.
ويضيف أن التنظيمات المتطرفة شنت هجمات واسعة على خلفية دينية بهدف التهجير، ويشكل هذا جريمة حرب. كما ارتكبت جريمة الإخفاء القسري بحق عدد من أبناء تلك المناطق.
ووفقا للتقرير، فإن بعض فصائل المعارضة المسلحة مارست عمليات خطف وابتزاز، ويجب على المعارضة السورية تحمل مسؤولياتها في متابعة هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، باعتبار أنها تخضع لسيطرتها.
طالب التقرير مجلس الأمن باتخاذ أي فعل أو ردع للنظام الحاكم في سوريا من خلال تطبيق القرارات الصادرة عنه كالقرار 2042 الصادر بتاريخ ١٤ مايو (أيار) 2012. والقرار 2043 بتاريخ 21 مايو 2012، والقرار 2139 الصادر بتاريخ 22 فبراير (شباط) 2014، والقاضي بوضع حد للاختفاء القسري.
وحث التقرير على ضرورة وضع قضية المعتقلين وقضية التعذيب، ضمن أول سلم الأولويات لأي عملية سياسية أو تفاوضية، وممارسة ضغوط مباشرة على الحكومة السورية للإفراج عن جميع المحتجزين السياسيين وغير الجنائيين.
وفي معرض رده على الصعوبات التي واجهت الشبكة في عملية التوثيق، يجيب بقوله إن الصعوبات تنبع من خوف الأهالي والأصدقاء بالدرجة الأولى من الحديث عن المعتقلين. وتسود ثقافة في المجتمع السوري بأن ذلك سوف يسبب لهم الضرر الكبير فيفضلون التكتم والسكوت، ونحن نحاول دوما الوصول إلى أحد أقرباء الضحية وهذا يشكل تحديا هائلا.
أما بالنسبة للمقابلات مع الضحايا الناجين من الاعتقال، فغالبا ما يرفض الناجي من الاعتقال اللقاءات الشخصية، بسبب الخوف والوضع الأمني المحاط به، فأغلب الضحايا موجودون في مناطق يسيطر عليها النظام، لذلك نقوم بإجراء توثيق الشهادات معهم، إما عبر الهاتف أو «سكايب»، وفي حال وجود الناجي خارج سوريا، فإننا نقوم بإجراء مقابلات شخصية مع الضحايا أنفسهم.
وغالبا ما يتردد الضحية في الإفصاح عن جميع الانتهاكات التي تعرض لها أثناء احتجازه، خاصة إذا كان الانتهاك يتعلق بالعنف الجنسي، بسبب الشعور بأنه ربما سيحط من كرامة الشخص أمام المجتمع، والكثير من الناجين أبدوا لنا عدم رغبتهم في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالعنف الجنسي، وهناك بعض الناجين رفضوا ذكر ما تعرضوا له من تعذيب بسبب خوفهم من عودة السلطات السورية والانتقام من عائلاتهم.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.