مؤسسة إزالة الألغام في كردستان: مخلفات الحرب العراقية ـ الإيرانية تركت 14 ألف ضحية

«داعش» فاقم المشكلة بتفخيخ القرى والمدن التي ينسحب منها

عباس علي واحد من ضحايا الألغام في خانقين («الشرق الأوسط»)
عباس علي واحد من ضحايا الألغام في خانقين («الشرق الأوسط»)
TT

مؤسسة إزالة الألغام في كردستان: مخلفات الحرب العراقية ـ الإيرانية تركت 14 ألف ضحية

عباس علي واحد من ضحايا الألغام في خانقين («الشرق الأوسط»)
عباس علي واحد من ضحايا الألغام في خانقين («الشرق الأوسط»)

تشكل الألغام ومخلفات الحرب العراقية الإيرانية خطرا كبيرا على سكان إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، خاصة سكان القرى والمناطق التي كانت على مدار ثماني سنوات جبهات قتال ساخنة بين البلدين. وخلفت هذه الألغام منذ نهاية تلك الحرب أكثر من 14 ألف ضحية، فيما تلوث مخلفات حرب العراق عام 2003 والمعركة الحالية ضد «داعش» مساحات واسعة من المناطق المتنازع عليها، وتوقع يوميا العديد من الضحايا في صفوف المدنيين وقوات البيشمركة.
عباس علي، البالغ من العمر 16 عاما، واحد من ضحايا الألغام. فقد فقد إحدى ساقيه عام 2009 عندما كان يلعب مع أولاد عمه في أحد البساتين الواقعة شمال مدينة خانقين. يقول عباس لـ«الشرق الأوسط»: «كنا نلعب بجسم غريب لا نعلم ما هو، لكن فجأة وقع انفجار كبير وفقدت الوعي، وعندما عاد إليّ الوعي كنت قد فقدت إحدى ساقيّ، أما أبناء عمي فقد فارق أحدهم الحياة فورا في موقع الحادث، وأصيب الباقون بجروح».
بحسب المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من منظمة العمل من أجل السلام، التي تواصل العمل منذ عام 2009 في مجال توعية المواطنين وسكان القرى بمخاطر الألغام وكيفية تفاديها في إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها بالتنسيق مع منظمة استشارات الألغام الدولية، فإن «الجسم الغريب الذي تسبب بفقدان عباس لإحدى ساقيه كان عبارة عن قنبلة عنقودية من مخلفات الحرب عام 2003».
ويعتبر خانقين من الأقضية المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، وهي تتبع إداريا محافظة ديالى، وشهدت عمليات عسكريه لقربها من الحدود العراقية - الإيرانية.
وقال خالد رشيد، عضو فريق التوعية في منظمة العمل من أجل السلام، الذي يعمل في المناطق التابعة لخانقين لـ«الشرق الأوسط»: «تعرضت أراضي هذا القضاء إلى دمار نتيجة العمليات العسكرية التي تركت إرثا ثقيلا من المواد الحربية غير المنفلقة كالألغام والقنابل وغيرها من المواد الخطرة على سلامة الإنسان. أما نسبة التلوث بالألغام والمتفجرات وحسب الإحصائيات الموجودة لدينا فإنها تتراوح ما بين 30 - 40 في المائة من مساحة قضاء خانقين حيث العشرات من حقول الألغام».
وأضاف رشيد «أما بالنسبة لأنواع الألغام الموجودة في المنطقة فإنها تضم الألغام المضادة للآليات وللأشخاص أيضا بمختلف أنواعها وبقايا مختلف أنواع الأسلحة العسكرية من مقذوفات المدافع المتوسطة والكبيرة، ونحن كمنظمة لدينا حاليا 3 فرق للتوعية، وتجري فرقنا زيارات ميدانية يومية للقرى والمدارس والمواقع التي من الممكن أن توجد فيها الألغام والمتفجرات بإعطاء دروس توعية من خلال وسائل الإيضاح لكل الفئات العمرية، ومن خلال تعاون السكان استطعنا الكشف عن مواد خطرة وإزالتها لإبعاد الخطر عن المدنيين، وما زلنا مستمرين في هذا المجال».
وأشار رشيد إلى تطهير مساحة شاسعة بالقرب من الحدود العراقية والإيرانية تمت الاستفادة منها لاحقا لبناء مخيمات للنازحين القادمين من محافظة ديالى وناحيتي جلولاء وسعدية.
واستطاعت المؤسسة العامة لشؤون الألغام في إقليم كردستان، الجهة الرسمية المختصة بمعالجة كل المناطق الملغومة، منذ تأسيسها أن تطهر مساحات واسعة من المناطق والقرى الحدودية من الألغام، وهي الآن تواصل عملها ليل نهار مع قوات البيشمركة في تطهير كل المناطق المحررة من تنظيم داعش الذي يفخخ كل المدن والنواحي قبل أن ينسحب منها.
وقال آكو عزيز، مدير التوعية في مؤسسة الألغام في إقليم كردستان العراق، لـ«الشرق الأوسط»: «يبلغ عدد الألغام المزروعة في أراضي الإقليم خلال الحرب العراقية الإيرانية نحو 10 ملايين لغم، تم تطهير أكثر من 150 كيلومترا مربعا منها حتى الآن، أما عدد ضحايا الألغام فيبلغ أكثر من 14 ألف ضحية». وعن خطط مؤسسة الألغام المستقبلية، قال عزيز «تعمل المؤسسة جنبا إلى جنب مع قوات البيشمركة الآن في تطهير كل المناطق التي استعادت السيطرة عليها مؤخرا من تنظيم داعش، من الألغام والعبوات الناسفة التي زرعها التنظيم قبل انسحابه منها، وذلك بهدف تقليل تأثيرات ومخاطر الألغام على حياة الموطنين وقوات البيشمركة، والحد من الحوادث في هذا المجال، وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم بسلامة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.