«تاو» مطعم صيني بدل لباسه الشرق آسيوي

من مبنى دمشقي أثري إلى عنوان لمحبي «الفيوجن»

مطعم «تاو» الدمشقي سحر المكان من الداخل
مطعم «تاو» الدمشقي سحر المكان من الداخل
TT

«تاو» مطعم صيني بدل لباسه الشرق آسيوي

مطعم «تاو» الدمشقي سحر المكان من الداخل
مطعم «تاو» الدمشقي سحر المكان من الداخل

في يوم دمشقي شتوي ماطر، بارد مع لفحات ثلجية قادمة من جبل الشيخ تمشي من ساحة باب توما الدمشقية تاركا خلفك أعمدة عمرها آلاف السنين وبوابة ضخمة وجدران سميكة، تتجه جنوبا مستقلا طريق الحجر الذي يوصلك لشارع القشلة.. الطريق يرتفع بك رويدا رويدا بسبب طبيعته الجغرافية تنظر يمينا وشمالا، تشاهد أبنية رسم الزمن علاماته عليها بكل وضوح وكأنها تحاكي التاريخ البعيد، تمشي عشرات الأمتار، كنائس قديمة، وفنادق تراثية، ومحلات تبيع كل شيء، تشاهد أناسا واقفين يستمتعون بمطر تشرين عله يغسل القلوب والنفوس التي أنهكتها الحرب المدمرة التي تعيشها البلاد منذ 3 سنوات ونصف.
في منتصف طريق القشلة الحجري يجذبك مبنى مطعم «تاو» بسحر خاص لا يمكنك مقاومته، تلج الباب الرئيسي الضخم عبر دهليز واسع بجدران خشبية رائعة يفرش لك سجاد أحمر، في الداخل تشعر بعبق رائحة البخور تعم كل جزء منه، إنه يصدر من أعمدة المطعم المشغولة من خشب الجوز؛ حيث البخور يعشش في كل زاوية.
«تاو» يعني باللغة الصينية الطريق إلى الخلود والكمال، ولكن المطعم سوري والمطبخ فيه دمشقي حلبي، هكذا أراده صاحبه رجل الأعمال السوري (هاني العشي). تاو: كل شيء بالمطعم يحاول أن يكون كاملا بكل التفاصيل المعمارية التراثية وبأطباق الطعام التي يقدمها.
لا أدري كيف استطاع العشي أن يزاوج ما بين حضارات شرق آسيا وحضارات سوريا، ففي داخل المطعم تماثيل ضخمة جلبها من تايلاند والصين لرموز ومفردات من التاريخ الصيني وأخرى لمفردات الحضارات السورية المتعاقبة من الآرامية، وحتى العربية والتراث الدمشقي؛ حيث الثريات النحاسية والقماشية والأسقف الخشبية التراثية والرسومات والخطوط على الجدران بتفاصيل دقيقة متقنة جميعها مشغولة بأيد حرفية دمشقية وبإشراف المهندس فادي مسعود، ولكن يبقى الطعام هنا سوريا والمطبخ دمشقيا وحلبيا؛ حيث استقدم العشي واحدا من أشهر طهاة حلب (طوني نصر الله) الذي كان يعمل في مطعم «دار زمريا» العريق في مدينة حلب القديمة؛ حيث دمرته الحرب المشتعلة في حارات وأزقة وأسواق حلب القديمة.
ويقول مدير المطعم بشير العسافين، إن «المبنى تأسس قبل مائة سنة وبناه كاهن كان يعيش في باب توما من آل الهبرة؛ حيث قرر بناء كنيسة تأخذ اسمه وباشر البناء، ولكنه توفي في عام 1918 ليتوقف المشروع قبل أن يكتمل مع وفاته وليتحول ما أنجز منه فيما بعد إلى مكان لأنشطة كنسية اجتماعية كناد شبابي وغير ذلك، ولكن بعد ذلك توقفت النشاطات فيه في منتصف القرن الماضي، فاستخدم كورشة نجارة حتى سنوات ماضية قليلة؛ حيث اشتراه العشي قبل 10 سنوات وباشر بتحويله لمطعم، انتهى من ترميم البناء قبل نحو 3 سنوات ليفتتح المكان في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2011».
ويقدم المطعم مأكولات الفيوجن من مطابخ أقصى آسيا كماليزيا، والهند، والصين، والسوشي الياباني، يتسع المطعم لنحو 250 شخصا، والجميل هنا أنه يمكن للزائر أن يجلس في 3 مستويات: هناك البهو الرئيسي الأكبر، والديوان (كما في البيوت الدمشقية التقليدية) أو المصطبة حيث أعلى قليلا، وشرفة تطل على البهو والديوان، وجميعها يمكن للزائر أن يجلس فيها ويستمتع بسحر المكان، وأن يتناول غداءه أو عشاءه في أي قسم مرتفع أو منخفض من المطعم، ولزيادة الحميمية في المكان حرص القائمون عليه على تنويع نظام الجلوس فهناك الكراسي الكلاسيكية حول الطاولات، وهناك جلسات الدواوين الواسعة المفتوحة لمن يريد أن يطيل من جلسته في المطعم.
الطعام في «تاو»:
- المميز حاليا في مطعم «تاو» طبق اللحمة بالصينية وهو مشغول ببصمات طاه حلبي ماهر محترف مع لمسات للمطبخ الشامي فيه، فاللحم هو لحم الضأن البلدي والبهارات متنوعة مع مذاق رائع، وورق العنب مع الشرحات (يبرق).
- المشاوي المتنوعة ومن ألذها كباب الباذنجان، والخشخاش، والكرزي، ومعجوقة بالجبنة، وحلبي، وكبة قصابية، وكبة على السيخ، وكبة لبنية. والشرحات: منها مطفاية، وملفوفة. دجاج مع الطرخوم بالفخارة، ودجاج بروفنسال بالفخارة. هناك المأكولات بالزيت، ومنها: مسقعة باذنجان، فاصوليا بالزيت، سلق بالزيت، ضلوع سلق مع طرطور.
- السلطات والمقبلات الباردة والساخنة والشوربات المتنوعة.
- الحلويات متنوعة، ومنها: كريب سوزيت، وبوشوكو كنافة، وباناكوتا مع موز وبوظة.
مطعم «تاو» يفتح يوميا من 12 ظهرا حتى الواحدة والنصف صباحا.
العنوان: دمشق القديمة - باب توما - طريق القشلة الحجري.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.