السعودية: قطاع السياحة قوة اقتصادية وفق استراتيجيات جديدة

ارتفاع معدل توطين الوظائف فيه إلى نحو 26 %

السعودية: قطاع السياحة قوة اقتصادية وفق استراتيجيات جديدة
TT

السعودية: قطاع السياحة قوة اقتصادية وفق استراتيجيات جديدة

السعودية: قطاع السياحة قوة اقتصادية وفق استراتيجيات جديدة

تدخل السياحة منعطفا تاريخيا في الاقتصاد المحلي السعودي، وستؤثر على المدى البعيد بحسب اقتصاديين، في إجمالي الناتج المحلي لتصل إلى أكثر من 20 في المائة من الناتج، وذلك بعد أن نجحت الهيئة العامة للسياحة والآثار في تغيير المفهوم العام لهذا القطاع من عمل عشوائي أحادي، يستفيد من عوائده المالية شركات وجهات غير قادرة على تطوير القطاع.
وأرجع المختصون هذا التحول القوي في قطاع السياحة، وقدرته على أخذ حيز كبير من القيمة الاقتصادية، إلى عدة عوامل في مقدمتها الاستراتيجية التي تبنتها الهيئة العامة للسياحة والآثار منذ تأسيسها في وضع خطة وطنية لعشرين سنة انطلقت في 2001 وحتى 2020 والمعتمدة على تحويل السياحة كأداة اقتصادية تسهم في إيجاد فرص العمل والتوطين، مع تنمية المنشآت الصغير والمتوسطة، وبلوغها في السنوات القادمة إلى نحو 9 في المائة من الناتج المحلي.
وقدر الاقتصاديون أن يرتفع حجم الإنفاق في قطاع السياحة إلى أكثر من 150 مليار ريال في السنوات القادمة، خاصة أن الأرقام الصادرة من الهيئة العمة للسياحة والآثار تشير إلى أن عام 2010 بلغ فيه حجم الإنفاق نحو 57.8 مليار ريال، مع نمو متوقع في عدد الرحلات السياحية إلى 80 في المائة، على ما هو مسجل بنحو 61 في المائة.
ويعول المختصون، على دور الهيئة في عمليات التوظيف وأن تكون الجهة الأكثر حضورا في السنوات القادمة من خلال تنوع الوظائف وارتفاع الأجور وتعدد الفرص المتاحة، خاصة أن الهيئة العامة للسياحة نجحت في زيادة عدد العاملين في الوظائف المباشرة لقطاع السياحة من 255 ألفا في مطلع الألفية الجديدة، إلى قرابة 492 ألفا مع نهاية 2010، يقابله ارتفاع معدل توطين الوظائف إلى نحو 26 في المائة، الأمر الذي انعكس على المؤسسات التعليمية التي شهدت طفرة من خلال وجود 26 مؤسسة تعليمية وتدريبية في قطاع السياحة.
وفي حين لا توجد أرقام حول حجم الاستثمارات في الفترة الحالية وخلال فترة الاستراتيجية العامة التي تبنتها الهيئة، إلا أن الهيئة العامة للسياحة والآثار قدرت أن قطاع الفندقة والوحدات السكنية يحتاج في الفترة المقبلة إلى نحو 95.2 مليار ريال حتى عام 2020، وذلك لتلبية الطلب المتزايد، وما يعكس حاجة السوق المحلية لمشاريع استثمارية مختلفة في قطاع السياحة وتنعكس بشكل مباشر على المستفيد، وهو ما ذهب إليه الدكتور لؤي الطيار الخبير في الشأن الاقتصادي.
وقال الدكتور لؤي إن السعودية تشهد جملة من مشاريع في البنية التحتية، ومشاريع عملاقة كبيرة تنعكس على الاقتصاد بشكل عام وقطاع السياحة بشكل خاص، ومن ضمن هذه المشاريع توسعة المسجد الحرام، والمشاريع المقامة في المدينة المنورة، وهذه المشاريع ستزيد من الطاقة الاستيعابية للحجاج والمعتمرين، وسيسهم ذلك في نمو السياحة الدينية وزيارة المواقع التاريخية، ومن خلالها يتم استحداث وظائف ومشاريع مساندة لكافة المواقع.
وتمتلك السعودية الكثير من المقومات السياحية بوجود المدن الساحلية على الخليج العربي، والبحر الأحمر، وهي وجهات تستقطب الزوار في مواسم الشتاء لجوها المعتدل، إضافة إلى المصايف في جنوب البلاد، وهذا التنوع في السياحة يعد إضافة وقيمة اقتصادية تزيد من قوة القطاع السياحي، إضافة إلى المواقع الأثرية في عدد من المدن والقرى السعودية، وهي عامل مهم على استقطاب السياح من الداخل والخارج، ونجحت الهيئة أخيرا في وضع عدد من المواقع التاريخية ضمن قائمة التراث العالمي، والتي كان آخرها المنطقة التاريخية في جدة غرب السعودية التي اعتمدت من قبل منظمة اليونيسكو.
هذه المعطيات دفعت الهيئة العامة للسياحة والآثار على توقيع جملة من الاتفاقيات مع الصناديق التمويلية الحكومية، منها البنك السعودي للتسليف والادخار، وصندوق التنمية الصناعية السعودي (برنامج كفالة)، وصندوق التنمية الزراعية، وصندوق المئوية، وصندوق تنمية الموارد البشرية، لتمويل المشاريع السياحية المتوسطة والصغيرة، وهذه الاتفاقيات تدعم قطاع السياحة وتساعد في تطوير الكثير من المواقع.
وفي خطوة لدعم القطاع، طرحت الهيئة 20 حقيبة استثمارية أخيرا في مجال السياحة والتراث، كما أسهمت في تمويل 195 مشروعا بأكثر من 196 مليون ريال، من خلال صناديق مختلفة، تساعد على تحفيز المشروعات السياحية الصغيرة والمتوسطة الذي تنفذها الهيئة بالتعاون مع الصناديق والبنوك الحكومية.
ويقول خالد العمودي المستثمر في قطاع السياحة، إن الهيئة لعبت منذ انطلاقها دورا هاما في تطوير القطاع، وأسهمت من خلال برامجها المتنوعة في دعم المستثمرين المحليين، كما قامت بإيجاد فرص متنوعة للراغبين في الاستثمار، مع تقديم الدعم اللوجستي والمادي للمؤسسات الصغيرة.
وأضاف العمودي أن على السائح المحلي دورا مهما في دعم هذا القطاع والاستفادة من كل ما يقدم والتوسع في المشاريع، وذلك من خلال تحويل وجهته إلى الداخل، لافتا إلى أن «السياحة» تقوم بجولات دورية على كافة المواقع وتتلقى الشكاوى في حال وجود أي مخالفة، وهذا التحرك يقطع على بعض المواقع التي تستفيد من الموسم في رفع أجورها عما هو عليه في بقية العام. وأشار العمودي إلى أن التسهيلات التي تقدمها الهيئة للمستثمرين كثيرة ومن ذلك التأجير طويل الأجل في الأماكن السياحية العامة لتشجيع الاستثمار فيها، وهو عامل مهم في استقطاب المستثمر من الداخل والخارج للدخول في استثمارات سياحية كبرى تسهم في تقدم هذا القطاع الذي يعول عليه في الاقتصاد المحلي وإيجاد وظائف متنوعة للشباب السعودي.



غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
TT

غوتيريش يحث من «كوب 29» العالم على سد فجوة تمويل بـ359 مليار دولار

زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)
زعماء العالم يلتقطون صورة جماعية في مؤتمر «كوب 29» (إ.ب.أ)

بينما حثَّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من باكو حيث يُعقد مؤتمر «كوب 29»، القادة الدوليين على سد فجوة تمويل التكيف، البالغة 359 مليار دولار مع تفاقم الآثار المناخية التي تهدد الاستقرار العالمي والمجتمعات الضعيفة، كان لافتاً الانتقاد اللاذع الذي وجهه إلهام علييف رئيس أذربيجان، البلد المستضيف للمؤتمر، إذ انتقد علييف المنتقدين الغربيين لصناعة النفط والغاز في أذربيجان، واصفاً بلاده بأنها ضحية «حملة مدبرة جيداً من الافتراء والابتزاز».

وقد جددت مناقشات اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في العاصمة الأذربيجانية، باكو، تطلعات دول العالم إلى التوصل لاتفاقات جادة؛ للتخفيف من عواقب التغير المناخي، التي باتت واضحة من خلال الفيضانات، والعواصف، وحرائق الغابات، وموجات الحرارة الشديدة، وسط تحذيرات متزايدة بشأن تفاقم أزمة المناخ العالمية، مع الدعوة لإيجاد أرضية نقاش مشتركة.

وصول الضيوف إلى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في استاد باكو (رويترز)

وعلى الرغم من مشاركة قادة وممثلين من نحو 200 دولة، فإن بعض القادة الدوليين قرروا عدم حضور المؤتمر، بمَن في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي من المقرر أن تتولى بلاده رئاسة مؤتمر الأطراف في عام 2025. وفي الوقت نفسه، ألغى المستشار الألماني أولاف شولتس رحلته إلى باكو؛ بسبب انهيار تحالفه الحاكم الأسبوع الماضي.

وأعلنت أكبر بنوك التنمية المتعددة الأطراف في العالم هدفاً جديداً لجمع تمويلات للمناخ بشكل سنوي للدول النامية، بواقع 120 مليار دولار بحلول نهاية العقد.

احتواء الكارثة المناخية

في كلمته الافتتاحية، وجّه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تحذيراً شديد اللهجة إلى قادة العالم، مؤكداً أن البشرية في سباق مع الزمن لاحتواء الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية.

وعبّر غوتيريش عن قلقه من احتمال تجاوز هذا الهدف خلال العام الحالي، واصفاً عام 2024 بأنه «درس في تدمير المناخ». وأشار إلى أن تلك الكوارث المناخية، التي تضر بشكل خاص الدول الفقيرة، هي «قصة ظلم عالمي»، مطالباً الدول الثرية بالوفاء بتعهداتها.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمته (إ.ب.أ)

وأعرب عن الحاجة الملحة لسد الفجوة المتزايدة في تمويل التكيف مع المناخ، التي قد تصل إلى 359 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

رئيس الإمارات يدعو لتعاون دولي مستدام

من جهته، أكد رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التزام بلاده بتسريع العمل المناخي، وبناء اقتصاد مستدام، مشيراً إلى أن الإمارات، التي استضافت مؤتمر «كوب 28» العام الماضي، قدَّمت «اتفاق الإمارات» بوصفه خريطة طريق لتحقيق انتقال عادل في قطاع الطاقة، موضحاً في الوقت نفسه أن التعاون الدولي البنَّاء يوفر فرصة جديدة للنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام، عادّاً أن «العمل المناخي ليس عبئاً، بل فرصة للتقدم».

اتهام أذربيجان

وفي خطاب لافت، انتقد رئيس أذربيجان، إلهام علييف، وسائل الإعلام الغربية وبعض المنظمات البيئية التي وصفها بأنها «مزيفة»، متهماً إياها بشنِّ حملة تشويه ضد بلاده. ورد علييف على الاتهامات بأن أذربيجان «دولة نفطية» بتأكيده أن النفط والغاز «هبة من الله»، مؤكداً أن «الأسواق العالمية بحاجة إلى هذه الموارد، تماماً كما تحتاج إلى الذهب والشمس والرياح». جاء هذا التصريح في ظل تصاعد الدعوات للابتعاد عن استخدام الوقود التقليدي.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يتحدث في حفل افتتاح المؤتمر (رويترز)

وقال: «لسوء الحظ، أصبحت المعايير المزدوجة، والعادة في إلقاء المحاضرات على البلدان الأخرى، والنفاق السياسي، نوعاً من أسلوب العمل لبعض السياسيين والمنظمات غير الحكومية التي تسيطر عليها الدولة ووسائل الإعلام المزيفة في بعض الدول الغربية».

واستهدف علييف، بشكل خاص، الدول الأوروبية التي وقَّعت على الفور صفقات لتوسيع مشترياتها من الغاز الأذربيجاني في أعقاب الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا، وقال: «لم تكن فكرتنا. لقد كان اقتراحاً من المفوضية الأوروبية».

وأشار إلى اجتماعه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في يوليو (تموز) 2022، عندما وقّع الاتحاد الأوروبي صفقة مع أذربيجان لمضاعفة إمدادات الغاز من البلاد. وقال: «إنهم كانوا بحاجة إلى غازنا؛ بسبب الوضع الجيوسياسي المتغير، وطلبوا منا المساعدة».

ويعتمد اقتصاد أذربيجان بشكل كبير على إنتاج النفط والغاز. وفي عام 2022، شكّل هذا الإنتاج نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد و92.5 في المائة من عائدات التصدير، وفقاً لإدارة التجارة الدولية الأميركية.

وقال علييف: «بصفتنا رئيس مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، فسنكون بالطبع من المدافعين الأقوياء عن التحول الأخضر، ونحن نفعل ذلك. ولكن في الوقت نفسه، يجب أن نكون واقعيين».

واختتم حديثه بانتقاد جماعات المجتمع المدني التي دعت إلى مقاطعة مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين؛ بسبب الحكومة القمعية في أذربيجان، وبصمة الوقود التقليدي. وقال: «لدي أخبار سيئة لهم. لدينا 72 ألف مشارك من 196 دولة. ومن بينهم 80 رئيساً ونائب رئيس ورئيس وزراء. لذا اجتمع العالم في باكو، ونقول للعالم: مرحباً بكم في أذربيجان».

بريطانيا... وتعهدات مناخية طموحة

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إن بريطانيا ستخفِّض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة بحلول عام 2035. إذ تعهدت البلاد بهدف مناخي أكثر طموحاً في قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29).

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يصعد إلى المنصة لإلقاء كلمة خلال مؤتمر «كوب 29» (رويترز)

وقال ستارمر، في مؤتمر صحافي، خلال مؤتمر المناخ في باكو بأذربيجان: «في مؤتمر المناخ هذا، سُررت بإعلان أننا نبني على سمعتنا بوصفنا قائداً مناخياً، مع هدف المملكة المتحدة لعام 2035، «NDC (المساهمات المحددة وطنياً)»؛ لخفض جميع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بنسبة 81 في المائة على الأقل عن مستويات عام 1990».

وقال ستارمر إن الجمهور البريطاني لن يثقل كاهله بسبب الهدف الجديد، الذي يستبعد انبعاثات الطيران والشحن الدوليَّين. وأضاف: «ما لن نفعله هو أن نبدأ في إخبار الناس بكيفية عيش حياتهم. لن نبدأ في إملاء ما يجب أن يفعلوه على الناس».

ويتماشى الهدف الجديد مع توصية من لجنة من مستشاري المناخ الذين قالوا الشهر الماضي إن الهدف يجب أن يتجاوز الخفض الحالي بنسبة 78 في المائة للانبعاثات، قياساً على مستويات عام 1990.

ازدياد اللاجئين بسبب الكوارث المناخية

وعلى هامش القمة، حذَّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من ازدياد أعداد اللاجئين المتأثرين بتداعيات المناخ، في ظل تصاعد الصدمات المناخية وتكرارها.

وأشار المفوض الأممي، فيليبو غراندي، إلى أن اللاجئين غالباً ما يفرون إلى دول مجاورة تواجه هي أيضاً تحديات مناخية. وذكر التقرير أن 75 في المائة من اللاجئين الذين نزحوا بحلول نهاية العام الماضي يعيشون في مناطق تتعرض لكوارث مناخية متزايدة.

أزمة المناخ تتجاوز البيئة

من جهته، قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، سيمون ستيل، إن أزمة المناخ لم تعد مجرد قضية بيئية، بل أصبحت ذات تبعات اقتصادية، إذ ُيقدَّر أن الكوارث المناخية قد تكلف بعض الدول حتى 5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

وأضاف: «مع ازدياد التكاليف على الأسر والشركات نتيجة لتغيرات المناخ، يحذِّر الخبراء من أن ارتفاع التضخم قد يستمر ما لم تتخذ الدول إجراءات مناخية أكثر جرأة».

وتابع ستيل: «إن التأثيرات المناخية المتفاقمة ستؤدي إلى زيادة التضخم ما لم تتمكَّن كل دولة من اتخاذ إجراءات مناخية أكثر جرأة». وقال: «دعونا نتعلم الدروس من الجائحة: عندما عانى المليارات لأننا لم نتخذ إجراءات جماعية بالسرعة الكافية. عندما تضررت سلاسل الإمداد. دعونا لا نرتكب هذا الخطأ مرة أخرى. تمويل العمل المناخي هو تأمين عالمي ضد التضخم».