كوباني تستنزف «داعش» وضربات التحالف تجفف مستودعات ذخيرته

بعد 80 يوما من القتال.. التنظيم يتبع استراتيجية تفخيخ كل شيء حتى أباريق الشاي

كوباني تستنزف «داعش» وضربات التحالف تجفف مستودعات ذخيرته
TT

كوباني تستنزف «داعش» وضربات التحالف تجفف مستودعات ذخيرته

كوباني تستنزف «داعش» وضربات التحالف تجفف مستودعات ذخيرته

تحولت مدينة كوباني إلى ساحة استنزاف عسكري لتنظيم داعش الذي اضطر، بعد 80 يوما على إطلاق هجومه في محاولة للسيطرة عليها، إلى استبدال ذخائره التي غنمها في السابق من مستودعات الجيشين السوري والعراقي، بذخائر محلية الصنع، فيما قوضت ضربات التحالف العربي والدولي حركته، ما ألزمه بتحديد أعداد مقاتليه الذين يدفع بهم إلى كوباني (عين العرب)، فيما باتت إمكانية نقل آليات ثقيلة إلى المدينة «شبه معدومة».
وطرأت تغييرات كثيرة على العملية العسكرية التي أطلقها «داعش» للسيطرة على كوباني الواقعة في ريف حلب الشرقي، والحدودية مع تركيا، أهمها دخول عاملين خارجيين ساهما في مساعدة قوات حماية الشعب الكردي والجيش السوري الحر الذين يقاتلون في المدينة، هي ضربات التحالف الدولي لتمركزات داعش ومستودعات سلاحه، إضافة إلى ضرب أرتاله وخطوط إمداده، فضلا عن دخول عامل آخر هو انخراط قوات البيشمركة العراقية في النزاع إلى جانب المقاتلين الأكراد في كوباني. وفي ظل القتال المتواصل، بات مقاتلو «داعش» شبه محاصرين في المدينة.
ويسلك مقاتلو «داعش» خطوط إمداد بشري وعسكري تتنوع على 4 محاور، هي منطقة سيطرته في جرابلس في ريف حلب الشمالي الواقعة غرب كوباني، ومدينتي منبج والباب في ريف حلب الشرقي، التي يسلك المقاتلون منها طريق أوتوستراد حلب – الجزيرة الدولي، ويعد خط الإمداد الرئيسي للتنظيم إلى كوباني. إضافة إلى خط الإمداد من مدينة الرقة وأريافها، وخط الإمداد من تل أبيض. وقد استعادت القوات الكردية السيطرة على خط أوتوستراد حلب – الجزيرة قبل 15 يوما، فيما ترك استهداف خطوط الإمداد أثرا سلبيا على مقاتلي التنظيم، إذ «بات عاجزا عن إخلاء جرحاه، ما دفعه إلى استخدام تكتيك التسلل إلى داخل الحدود التركية لمعالجتهم».
وتمتد خطوط الإمداد على عشرات الكيلومترات، ما يمنع القوات الكردية من استهدافها وعرقلتها، لكن طائرات التحالف، تكفلت بالمهمة.
ويوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أن خطوط الإمداد «تقلصت إلى حد كبير»، مشيرا إلى أن حرية التحرك «باتت مقوضة نتيجة ضربات التحالف والطلعات الجوية لطائراته». كما يشير إلى أن ذلك «مكن الأكراد من استهداف داعش خارج حدود المدينة على مسافات تتخطى الـ30 كيلومترا، عن طريق الكمائن والإغارة على نقاط استراتيجية، ما خلق إرباكا لقوات داعش. وساهم دخول قوات البيشمركة على المعادلة في استهداف النقاط البعيدة وتأمين الغطاء الناري التمهيدي لأي هجوم للأكراد على نقاط داعش خارج المدينة».
بدوره، يشرح مسؤول العلاقات العامة في وحدات حماية الشعب الكردي في كوباني ناصر حاج منصور لـ«الشرق الأوسط» العراقيل التي باتت تواجه «داعش»، حين يسعى للدفع بالتعزيزات إلى كوباني. يقول: «الدعم عن طريق المواكب السيارة، تقلص إلى حدود الانعدام، ما دفع التنظيم إلى اتباع استراتيجية جديدة، هي التحرك ليلا عن طريق سيارات صغيرة، تصل إلى مسافات تبعد 50 كيلومترا عن كوباني بشكل متفرق، قبل أن يتنقل المقاتلون الجدد عبر الدراجات النارية للوصول إلى كوباني»، مشيرا إلى أن هذا التقويض لمواكبهم «ألغى إمكانية وصول 200 مقاتل دفعة واحدة مثلا، كما خفّف إمكانية وصول مدرعات أو آليات ثقيلة، أو أسلحة ثقيلة، رغم أن بعضها لا يزال قادرا على الوصول إلى القرى التي يسيطر عليها داعش في ريف كوباني، لكن بكميات قليلة جدا».
وإلى جانب العراقيل في إيصال تعزيزات المقاتلين، أثر استهداف طرق الإمداد ومستودعات الذخائر على وصول الأسلحة النوعية والذخائر. وقبل ضربات التحالف: «استخدم داعش في الهجوم على كوباني كل الأسلحة الثقيلة التي استولى عليها في الموصل والمناطق الأخرى في سوريا، واستجلب قواته من الرقة وتل أبيض ومنبج وجرابلس إلى كوباني»، كما قالت الرئيسة المشتركة لكوباني آسيا العبد الله.
لكن ضربات التحالف، بدلت كثيرا في المشهد. يقول رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن «نوعية الذخائر المستخدمة في كوباني تبدلت كثيرا»، إذ «بات يعتمد التنظيم على القذائف والصواريخ المصنعة محليا، بعدما تدنت أعداد ذخائره المصنعة في شركات الأسلحة الدولية، واستولى عليها من مستودعات القوات العراقية والسورية، إلى مستويات قياسية». ويشرح: «أقسى ضربة تلقاها التنظيم، كانت استهداف قوات التحالف لمستودعات الذخيرة في الفرقة 17 في الرقة بنحو 30 ضربة، وهو ما قلّص الذخائر الأصلية الموجودة بحوزته إلى مستويات قياسية». وإضافة إلى ذلك، يضيف عبد الرحمن: «تحولت كوباني إلى معركة استنزاف بالنسبة للتنظيم الذي يطلق يوميا مئات القذائف على كوباني منذ 80 يوما، وهي حرب مستمرة تستنزفه بشريا وعلى صعيد الأعتدة أيضا».
ورغم ذلك: «لا يزال التهديد قائما على كوباني»، كما يقول حاج منصور، مشيرا إلى «إنهم تراجعوا قليلا، ونحن تقدمنا قليلا، لكن التقدم النسبي، بطيء». ويوضح أن التنظيم «يتبع استراتيجية تفخيخ كل شيء في كوباني، حتى الأدوات المنزلية وأباريق الشاي، والأبنية المهدمة وذلك بهدف تأخير تقدمنا، وعرقلة الهجمات، وإيقاع أكبر عدد من الخسائر بصفوفنا».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».