أعاد الزعيم المسيحي ميشال عون، ومن حيث لا يدري، القرار بشأن ملف الرئاسة اللبنانية إلى الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، بطرحه حصر المنافسة في المعركة الرئاسية بينه وبين رئيس حزب القوات سمير جعجع، مما يعني حث جنبلاط على سحب ترشيح النائب هنري حلو، والتصويت لأحد مرشحي 8 و14 آذار، باعتبار أنه يمتلك الكتلة النيابية التي تؤمن الأكثرية المطلوبة لانتخاب رئيس.
وكان عون وفريقه السياسي استهجنوا إعلان جنبلاط بوقت سابق ترشيح حلو اقتناعا منهم بأن القرار بموضوع الرئاسة والمرشحين الرئاسيين يجب أن يعود للمسيحيين، إلا أن المبادرة التي أعلن عنها رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في حديث تلفزيوني، معربا عن جهوزيته للمشاركة بالجلسة المقبلة لانتخاب رئيس في 10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل «إذا تعهدت الكتل بالالتزام بالتصويت لي أو لسمير جعجع حصرا، وعدم تقديم أي مرشح ثالث»، أعادت الكرة إلى ملعب جنبلاط الذي تلقفها سريعا، معربا عن احترامه رأي عون، قائلا: «لكن من حقنا المنافسة الديمقراطية».
وشدّد مفوض الإعلام في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس على حق كل الكتل النيابية بأن يكون لديها مرشح للرئاسة، معتبرا أن تحديد عدد المرشحين باثنين «أشبه بالدخول في أنصاف تسويات، في وقت أن المطلوب تسوية مكتملة». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «العماد عون تقدم خطوة إلى الأمام وقدّم رؤية للخروج من المأزق الرئاسي، وهي نقطة تسجل له إيجابا، لكن الوصول لاختراق كامل بالملف يتطلب اعتماد مقاربة جديدة من كل القوى السياسية لتغليب منطق التسوية».
وأكّد الريس أن كتلة النائب جنبلاط «لن تشكل حجر عثرة بوجه أي تسوية تتفق عليها كتلتا 8 و14 آذار»، مشددا على أن تحميل «اللقاء الديمقراطي» المسؤولية كاملة «مجافاة للوقائع».
وكان البرلمان اللبناني أخفق في انتخاب رئيس جديد للبلاد منذ انتهاء ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان في مايو (أيار) الماضي نتيجة حتمية لتوازن الرعب القائم بين طرفي الصراع في لبنان، حيث يمتلك فريق 8 آذار 57 نائبا، وفريق 14 آذار 54 نائبا، في حين أن هناك كتلة وسطية مؤلفة 11 نائبا ينضوون بإطار كتلة النائب جنبلاط و6 مستقلين.
وبما أن الدستور اللبناني ينص على وجوب حصول المرشح على 65 صوتا على الأقل في دورات الاقتراع الثانية وما بعد، فإن اشتراط حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة لانتخاب الرئيس جعل الطرفين قادرين على التعطيل، من دون قدرة أي منهما على تأمين أصوات 65 نائبا لصالحه.
وكان عون قد أقر بأن طرحه «غير ديمقراطي» لجهة الدعوة لحصر المنافسة بمرشحين، قائلا: «ليست عملية ديمقراطية حصر الترشيح بين اثنين، ولكن جعجع يتحداني باستمرار، وإذا بقي المرشح هنري حلو على ترشيحه فليصوتوا بينه وبين جعجع».
وأوضح القيادي في تيار عون، والوزير السابق ماريو عون، أن المبادرة التي طرحها عون «مشروطة باتفاق تسوية سابقة مع كل الكتل النيابية برعاية البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لضمان احترام كل الفرقاء الاتفاق، وعدم حصول أي اتفاقات أخرى من تحت الطاولة للتصويت لمرشح ثالث»، مشددا على أن سببها الرئيسي كان «الرد على تحدي جعجع ودحض اتهامنا بالتعطيل، والأهم التمسك بالمبدأ القائل برفض انتخاب رئيس ضعيف للجمهورية».
وأشار عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن العماد عون حين طرح مبادرته «لم يكن يحمل أي أفكار مبيتة لجهة إعادة الدور إلى بيضة القبان النائب وليد جنبلاط أو غيره».
لافتا إلى أنه «وبدل تسوية رئاسية تقول بالاتفاق على مرشح واحد، ما يطرحه عون هو الوصول لتسوية تقول بمرشحين يتنافسان تحت قبة البرلمان».
ورغم استبعاد حزب القوات أن يكون طرح العماد عون جديا، كما عبّر مستشار جعجع، وهبي قاطيشا، فإنه يبدو أنه قد يسير بالمبادرة في حال قبل بها باقي الفرقاء. وقال قاطيشا لـ«الشرق الأوسط»: «نتوقع أن يكون ما صدر عن عون مجرد مسعى للهروب إلى الأمام، خاصة أن الطرح الذي خرج به إلغائي، وهو ما عودنا عليه».
واعتبر قاطيشا أن مبادرة عون «تضرب الأسس الدستورية، إلا أننا سنواصل مشاركتنا بكل الجلسات التي تتم الدعوة إليها لانتخاب رئيس رغم اقتناعنا أن ما يتم تداوله لا يُعد خرق بجدار الأزمة».
بدوره، علّق عضو كتلة القوات النائب فادي كرم في تغريدة عبر «تويتر»، على طرح عون، معتبرا أنه «وإن أتى متأخرا، وينقصه شيء من الديمقراطية، ولكنه منطقي جدا ويتلاءم مع طبيعة النظام اللبناني، فيستأهل التفكير به من الجميع».
ودعا المرشح الرئاسي النائب هنري حلو عون لـ«تفسير خلفيات طرحه»، قائلا في حديث صحافي: «نحن نؤمن بالديمقراطية في لبنان، حيث لكل شخص ماروني الحق بالترشح إلى رئاسة الجمهورية دون أي شرط، وبالتالي التصويت في مجلس النواب يؤدي إلى فوز هذا أو ذاك فقط».
أما نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري فأعلن رفضه مبادرة عون سائلا: «أي مادة في الدستور تُشير إلى أن المعركة الرئاسية يجب أن تنحصر بين شخصين؟ ومن قال إن رئاسة الجمهورية هي حصرا بينه وبين جعجع؟».
وقال في حديث صحافي: «هناك لعبة ديمقراطية يجب الالتزام بها، لا يجوز لأحد أن يضع شروطا على غيره أو أن يمنع غيره من الترشّح. لينزل عون إلى المجلس النيابي فإما أن تنتخبه الكتل النيابية وإما لا»، متوقعا: «إنجاز الاستحقاق الرئاسي ليس قريبا».