من التاريخ: صراعات الدولة العباسيةhttps://aawsat.com/home/article/219951/%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9
أضعف الخوارج الدولة الأموية وساهموا بشكل أو بآخر في إضعاف السلطة المركزية في دمشق فكانت حروب مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين معهم سبباً في تشتيت جبهته والتي كان من المفترض أن توجه نحو أخطار قادمة، وهو ما تم بالفعل وأزيلت الدولة الأموية عن الحكم بعد 91 عاماً تخللتها الثورات والانتفاضات للخوارج. وعندما جاءت الدولة العباسية في عام 132 من الهجرة، فإنها لم تكن أسعد حالاً من الدولة الأموية سابقتها فيما يتعلق بالخوارج، فلقد ظل الخوارج على موقفهم الرافض لهذه الدولة أو أي كيان سياسي مرتبط بالسلطة المركزية لأسباب تتعلق بتشددهم وتطرفهم في كل شيء بما في ذلك إدارة الدولة والحكم ومفهوم الشرعية، ولكن العنصر الهام الذي لعب لصالح الدولة العباسية كان إضعاف الأمويين للخوارج وثوراتهم من ناحية، وتفتتهم وتشرذمهم من ناحية أخرى، بالتالي فإن خطر الخوارج منذ أن اعتلى «أبو العباس السفاح» سدة الحكم لم يتحول إلى تهديد مباشر كما كان الحال مع الدولة الأموية، ومن اللافت للنظر أيضا أن خطرهم ظل بعيداً نسبياً عن مركز هذه الخلافة بشكل أو بآخر، ومما ساهم في تخفيف حدة خطورتهم على الدولة الجديدة تفتتهم الفكري وتفرقهم إلى جماعات مختلفة بأشكال وأفكار مختلفة من التطرف وهو ما أضعف فرصهم في التمركز والتوحد ضد الدولة الناشئة، كما أن بعضهم بدأ يميل أكثر للتشدد دون التطرف، ومن هنا كان العباسيون أيسر حالاً عن الأمويين في مهمة مواجهة الخوارج. وقد بدأت محاولاتهم للاستقلال عن الدولة العباسية في جنوب شرقي الجزيرة العربية في عهد السفاح وأبي جعفر المنصور، أوائل الخلفاء العباسيين، وقد أمروا عليهم الجلندي بن مسعود الأزدي، ولم يكن السفاح أو المنصور من بعده ليتركوا خطر هذه الحركة يستفحل، فقاموا على الفور بتجريد جيش إلى هذه المنطقة وهزموهم، ولكنهم ثاروا مرة أخرى بعدما أمروا عليهم إماماً جديداً ولكن شوكتهم كانت قد قلت وقد تركهم العباسيون بعد ما شعروا بعدم خطورتهم. ولقد ثار الخوارج مرة أخرى في الجزيرة العربية في عهد هارون الرشيد على أيدي أحد أقوى رجالهم وأشدهم بأساً وهو الوليد بن طريف، وقد حشد الرشيد جيشاً كبيراً وأمر عليه يزيد بن مزيد من قبيلة «وائل» والتي ينسب إليها الوليد بعد ما تصدى الأخير لعدد من جيوش الرشيد، فكتب أحد الشعراء قصيدة جاء فيها (وائل بضعهم يقتل بعضاً....لا يفل الحديد إلا الحديد)، ولكن واقع الأمر أن بأس الوليد كان أكبر من أن يدفع يزيدا للدخول في حرب مفتوحة معه، فلجأ للمناورات والتي استغرقت كثيراً من الوقت، فاستشاط الرشيد غيظاً وأرسل لقائد جيوشه برسالة تحقر من شأنه جاء فيها «.. لو وجهت أحد الخدم لقام بأحسن مما تقوم به»، وهو ما دفع يزيد للتعجيل بالحرب على الوليد وجيوشه، فدخل في صدام مباشر معه في معركة حامية الوطيس انتهت بهزيمة الوليد وقتله. وبهزيمة الوليد انتهت فتنة الخوارج في الجزيرة العربية وإن كانوا قد ثاروا مرة أخرى في عهد الخليفة المهدي ولكنه هزمهم وشتت فلولهم، وبهذا النصر قضى العباسيون على الحركات الخارجية في المرحلة التالية، ولكن واقع الأمر أن التمركز الأساسي للخوارج كان في شمال أفريقيا، فلقد فر الخوارج من الهزائم المتتالية في الجزيرة العربية والعراق وفارس، ولجأوا لشمال أفريقيا، وهنا ساهم عاملان أساسيان في الانتشار النسبي لهم، الأول البُعد الجغرافي لهذه المنطقة عن مركز السلطة والفكر المعتدل في العراق وهو ما خلق لهم مساحة من السلطة والفكر، ويضاف إلى ذلك أن بعض هذه الفرق استمالت كثيراً من عناصر البربر ذوي البأس الشديد، فكان هذان العاملان حاسمان لصالح انتشار الوجود للخوارج هناك. وقد لجأت بعض الفرق إلى الاستقلال التدريجي عن السلطة العباسية المركزية، أي بنوع من الحكم الذاتي وليس الاستقلال الكامل إلا في حالات متفرقة، وكانت طرابلس الليبية أحد أهم نقاط تمحورهم، وهنا بدأت حركات الحكم الذاتي في الشمال الأفريقي على أيدي عبد الله بن مسعود، فولى الوالي العباسي عبد الرحمن بن حبيب أخيه إلياس حاكماً على طرابلس فكان أول ما فعله هو ضرب عنق عبد الله، فثارت الخوارج وأمَّرت أخيه بدلا منه واشتدت الفتنة هناك إلى أن اضطر عبد الرحمن لعزل أخيه عن طرابلس، وبدأ معهم صراعا ممتدا انتهى لصالح الدولة المركزية، فتفرق الخوارج مرة أخرى نحو الغرب، وتشير المصادر التاريخية إلى أنهم كونوا لهم دولا لعل أهمها كان الدولة «الرستمية» نسبة إلى عبد الرحمن الرستمي، وقد استمرت هذه الدولة حتى عام 269 من الهجرة. وحقيقة الأمر أن الصراع العباسي مع الخوارج كان أيسر حالاً كما رأينا، ولكن حركاتهم المختلفة كان لها دورها في إضعاف الدولة العباسية، خاصة بعد العصر العباسي الأول عندما بدأت العوامل الداخلية تفتت السلطة المركزية العباسية بسبب الخلافات القوية وضعف خلفاء هذا العصر عن سابقه وسيطرة أطراف خارجية على الخلفاء العباسيين وتلاعبهم بهم، وبضعف الدولة العباسية ضعف عنصران أساسيان، الأول السلطة المركزية الإسلامية، والثاني كان خفوت العنصر العربي من سدة الحكم المركزي للدولة الإسلامية، وهو ما كانت الدولة الأموية حريصة عليه من خلال إعلاء العنصر العربي للإبقاء على الطبيعة العربية للدولة الإسلامية، وهكذا ذهبت الدولة المركزية لصالح دول ودويلات مختلفة، وظل الخليفة العباسي رمزاً «يملك ولا يحكم»، وقد خدم تفتت الدولة المركزية لصالح الدويلات الجديدة إلى سيطرة مراكز الحكم هذه على الأراضي التابعة لها ومواجهتهم مثل هذا الفكر بشكل أكثر بأساً وقوة، كما أن الضربات المتتالية للخوارج أخرجتهم من اللعبة السياسية كعنصر فعال وبقوا في بقاع محاصرة فكرياً وعسكرياً، ومن خلال كل ما تقدم وصراع الخوارج الممتد مع الدول الإسلامية المركزية الثلاث، فإن الملاحظ أن المنهج الأساسي الذي تعاملت به هذه الدول كان المواجهة العسكرية لهذا الفكر المتطرف ولأتباعه، بما لا يفسح المجال له المجال السياسي أو العسكري للانتشار.
الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9/5089075-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D9%80%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%B5%D9%8A%D9%81-2014
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.
أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.
كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».
السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.
وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».
الحدود المشتركة مؤمّنة
للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.
اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».
أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».
غموض في الموقف
إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.
وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».
غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».
نتنياهو غير مضمون
ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.
ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».
وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».
وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».
شبح هجوم إسرائيلي
وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».
وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».
كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.
التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي
العامري يلوم واشنطن
أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».
وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».
وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».
الرد الأميركي قاطع
في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».
والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».
حقائق
قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل
خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».