مطعم الأسبوع: «لو شيف».. قصة حب بين المطبخ اللبناني ورواده

أول مطعم يبتكر «الصحن اليومي» في بيروت

من المأكولات التي يقدمها مطعم «لو شيف» في بيروت
من المأكولات التي يقدمها مطعم «لو شيف» في بيروت
TT

مطعم الأسبوع: «لو شيف».. قصة حب بين المطبخ اللبناني ورواده

من المأكولات التي يقدمها مطعم «لو شيف» في بيروت
من المأكولات التي يقدمها مطعم «لو شيف» في بيروت

منذ عام 1967 افتتح مطعم «لو شيف» أبوابه في منطقة الجميزة ببيروت ليستحدث خدمة «الصحن اليومي» لزبائنه من مختلف المناطق المحيطة به.
فرنسوا باسيل، مؤسس هذا المطعم، كان يملك خبرة طويلة في فن الطبخ، وبعدما تنقل بين أكثر من فندق ومطعم في لبنان وخارجه، قرر أن يقوم بمشروع خاص به مع أشقائه وأبناء عمه، ليستطيع التعريف بموهبته أمام أكبر عدد ممكن من الناس. ويقول نجله «الشيف» شربل الذي يدير المطعم حاليا بمعاونة شقيقه بول وابنة عمه كلير في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان صاحب (نَفَس) لا يتكرر في عالم الطبخ، فهو إضافة إلى الخبرة التي يتمتع بها كان يتلذذ بتحضير الأطباق اللبنانية في خلطة لا تعتمد فقط على مكوناتها، بل أيضا على عشقه وشغفه بهذا العمل».
«المغربية»، الـ«كبة أرنبية»، «البامية مع الأرز»، «المجدرة» و«المدردرة»، وأكثر من 100 صنف من الأكلات اللبنانية والغربية تشكل لائحة الطعام الأساسية في مطعم «لو شيف» العريق. «نحن مشهورون بهذه الأطباق، ولا سيما بالـ(ملوخية) و(السمكة الحارة)، يقول الشيف شربل.. «وهذه الأطباق باتت لا تصنع على الطريقة القديمة إلا عندنا لأننا ما زلنا نحافظ على وصفات الوالد التي أوصانا بالقيام بها دائما على طريقته لتبقى مميزة وصاحبة نكهة مختلفة عن غيرها».
زبائن هذا المطعم الذي يقع في شارع الجميزة وعلى الطريق العام، يأتون من مختلف مناطق لبنان، فهناك من يتكبد مشوارا طويلا من مدينة زحلة البقاعية ليتذوق طبق الـ«داود باشا» أو «فتة الحمص» المشهور بها «لو شيف». أما السياح الأجانب فهم أول ما تطأ أقدامهم بيروت، يقصدون هذا المطعم الذي أصبح رمزا من رموز بيروت القديمة.

* زبائن المطعم
* يقول شربل: «لقد استقبلنا أهم الشخصيات في لبنان، من نواب ورؤساء جمهورية وفاعليات اقتصادية، إضافة إلى فنانين عرب وأجانب ولبنانيين، يعدون مطعمنا الأفضل في المنطقة ويحبون الجلوس على طاولاته وكراسيه الموزعة على مساحة ضيقة بالكاد تتسع لـ30 شخصا». ويتابع: «هذا هو جونا، وهذه هي أطباقنا اللذيذة، كما أن أسعارنا مدروسة تنافس جميع المطاعم المحيطة بنا».
بالفعل، تعد أسعار «الصحن اليومي» في هذا المطعم مقبولة جدا، إذ هي لا تتعدى الـ10آلاف ليرة (ما يوازي 7 دولارات تقريبا)، إذ إن هناك أطباقا أخرى أقل كلفة كالـ«معكرونة باللحمة»، و«اللوبية بالزيت» والـ«مجدرة».
لماذا هذه الأسعار المتدنية نسبة لأسعار مطاعم المنطقة التي تقدم الخدمة نفسها؟ يرد الشيف شربل: «لأننا على ثقة بأن مبدأ (بع كثيرا بأسعار قليلة) تزيد حركة الطلبات، وأن الأسعار المرتفعة من شأنها أن توفر الربح لصاحبها، ولكنها في الوقت نفسه لن تستقطب سوى نسبة أقل من الزبائن».
لماذا أطلق اسم «لو شيف» على المطعم؟ لأنه وحسب ما ذكر لنا أصحابه أراده مؤسسه أن يشير إليه مباشرة، فهو معروف بهذا الاسم منذ صغره، ففي البداية اقترح عليه شقيقه أن يسميه «الأمانة»، إلا أن صاحبه فرنسوا باسيل، أصر على أن يحمل لقبه المعروف به بين أصدقائه وأقربائه.
6 أطباق يومية يوفرها مطعم «لو شيف» لزبائنه، فهو ضد تقييده بطبق واحد أو اثنين كما يفعل باقي المطاعم، كما أنه لا يعد لائحة مسبقة بها، بل يحضرها كل يوم بيومه وحسب مزاج الشيف ورغبته الذي يقول لنا في هذا الصدد: «ما زلنا نقوم بعملنا على الطريقة القديمة، فلا لوائح مسبقة لـ(الصحن اليومي) ولا كومبيوتر لتدوين مداخلنا، ولا طلبيات مدونة على الورق، فما زلنا نصرخ للعامل في المطبخ عن الأوردر المطلوب (2 فتة حمص وواحد بطاطا مقلية وصحن راس عصفور)، هكذا عودنا والدنا، وما زلنا نحافظ على طريقته إلا في حال تعدت الطلبية الأشخاص السبعة. كل شيء يسير (عالبركة) في مطعم (لو شيف) في الجميزة». أما القلق الذي يساور الأبناء اليوم فهو عمن سيستلم هذا المشروع في المستقبل من بعدهم، وخصوصا أن الأحفاد لا يهتمون بهذه المهنة لا من قريب ولا من بعيد.. «وهو أمر يقلقنا بالفعل لأننا لا نريد أن ينسى الزبائن يوما ما اسم والدنا أو أن نصبح بمثابة الذكرى»، يقول بول باسيل الذي يقوم شخصيا بتحضير الأطباق في المطبخ على طريقة والده، وهو الابن الثاني للمؤسس فرنسوا باسيل.
أما النصائح التي زودنا بها «الشيف» بول في مجال الطهي، فهي الاستفادة من كل موسم بموسمه من الخضار، بحيث يجب أن تحضر ربة المنزل مثلا أطباق «اللوبية» أو «البامية» أو «البازلاء» وغيرها فقط في مواسمها دون اللجوء إلى الخضار المعلبة أو المثلجة منها، فهذه الأخيرة حسب رأيه لن تحمل بالتأكيد نفس الطعم ولذته.
أما الملوخية فيجب أن تطهى بالـ«كسبرة» الخضراء الطازجة، والمغربية يجب أن تطهى على نار هادئة حتى لا تلتصق في الوعاء أو تصبح كالعجين، والكبة أرنبية لا تحضر إلا مع عصير الـ«بوصفير» (شجرة شبيهة بثمرة الليمون والبرتقال)، أما «السمكة الحارة» التي يحضرها فهي لا تشبه أيا من تلك التي يحضرونها في مطاعم أخرى، كون والده جعلها تتألف من وصفتين: الطرابلسية (مع الطحينة) وأخرى البيروتية (مع صلصة البندورة) والفلفل.
أن تزور مطعم «لو شيف» في منطقة الجميزة هو متعة بحد ذاتها، فتناول الطعام فيه يشعرك وكأنك في منزلك كون الأجواء فيه شعبية وحميمية على السواء. أما الخيارات المتاحة لك في موضوع الأطباق التي يحضرها يوميا، فهي تشعرك بالدلال وبأنك «الزبون الملك»؛ إذ إن هدف أصحابه أن تكون راضيا وتتناول لقمتك بشهية وفرح.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.