كانت رئاسة الجمهورية التركية، موجودة ضمن «الخطة العشرية» التي رسمها الزعيم التركي رجب طيب إردوغان لنفسه، إثر وصوله إلى السلطة في العام 2002 وبما أن صلاحيات الرئيس التركي المنتخب من البرلمان محدودة، لصالح صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء المنتخب من الشعب، فإن مخطط إردوغان كان تغيير النظام السياسي التركي لتحويله إلى نظام رئاسي، أو شبه رئاسي. غير أن حسابات إردوغان لم تتطابق مع الواقع، حيث منعته المعارضة من إعداد دستور جديد يلحظ هذه التعديلات، بما أن الحزب الحاكم لا يمتلك أغلبية الثلثين في البرلمان، التي تخوله تعديل الدستور، ولا الأغلبية الكافية لتحويل مشروع التعديل إلى الاستفتاء.
فإردوغان كان يحتاج إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض بمقاعده الـ135 لتعديل الدستور، كما يحتاج إلى مقاعد الأكراد الـ16 لتأمين 330 صوتا كافية لتحويل المشروع إلى الاستفتاء العام الشعبي، لكنه يمتلك في البرلمان الحالي 326 مقعدا من أصل 550. وكان إردوغان استبق الانتخابات البرلمانية بتمرير استفتاء دستوري يجعل انتخاب الرئيس يتم مباشرة من الشعب، وهي خطوة أولى على طريق النظام الرئاسي، على اعتبار أن الرئيس المنتخب من الشعب لا بد من أن يمتلك مشروعية أكبر وصلاحيات أكبر من الرئيس المنتخب من قبل البرلمان.
ويقول مسؤول تركي سابق لـ«الشرق الأوسط» بأن إردوغان كان يعمل في رئاسة الوزراء، وعينه على رئاسة الجمهورية، وربما لهذا يناديه خصومه بـ«السلطان». فإردوغان رسم كل شيء، لصالح وصوله إلى الرئاسة. ففي البداية رفع ولاية الرئيس من 5 إلى 7 سنوات، ثم سعى إلى تعديل الدستور لتحويل النظام رئاسيا، وهو مشروع لم يتخل عنه، وإن كان أرجأه إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في العام 2015.
وأعد إردوغان كل شيء فيما خص رئاسة الجمهورية على مقاسه، فهو أوصى على طائرة خاصة للرئاسة قبل 4 سنوات، وتعمد أن يكون موعد تسليمها في موعد تسلمه منصب الرئيس. وقالت صحيفة «سوزجو» المعارضة إنه تم تحديث طائرة من طراز Airbus A330 جذريا بناء على طلب إردوغان لاستخدامها بعد تسلم منصب رئيس الجمهورية، لافتة إلى أن إردوغان أصدر أوامره بتجهيز هذه الطائرة في عام 2010 أي قبل انتخابات الرئاسة بـ4 أعوام. وذكرت الصحيفة أن الطائرة أضيف إليها غرفة عمل وغرفة نوم، وزودت بنظام مضاد للصواريخ، وأن إردوغان لم يكتفِ بالطائرة (Airbus A319CJ) التي اشتراها من إيطاليا عام 2005 عندما كان رئيسا للوزراء.
ورغم أن مصنع إيرباص في مدينة «تولوز» الفرنسية أجرى أول تجربة تحليق جوي للطائرة في 11 يوليو (تموز) 2011 فإن التسليم أرجئ إلى العام 2014 فقد أُرسلت الطائرة إلى شركة غور ديزاين في ولاية تكساس الأميركية لتنفيذ الديكورات الداخلية، التي طلبها إردوغان، حيث زُوّدت الطائرة بقاعة اجتماعات وصالة استجمام وغرفة عمل وغرفة نوم و90 مقعدا، لافتة إلى أن الطائرة لو كانت تُستخدم لأغراض تجارية لاستوعبت 253 شخصا، إلا أن هذا العدد انخفض إلى 90 بسبب التعديلات، التي حولتها إلى واحدة من أفخم الطائرات.
ومن مزايا الطائرة أنها يمكنها الإقلاع من أنقرة والهبوط في واشنطن دون توقف، كما لديها إمكانية إجراء الاتصالات من الطائرة غير مراقبة، وتحتوي على نظام مضاد للصواريخ، كما تحوي خزانات إضافية للوقود لتكون قادرة على الطيران دون توقّف مسافة 15 ألفا و400 كم، بحيث يمكنها التحليق من أنقرة إلى أي مكان في العالم باستثناء جزيرة تاهيتي وسط الجزر الجنوبية في المحيط الهادي.
ولم تتوقف الأمور عند الطائرة، فقد باشر إردوغان بناء قصر رئاسي جديد يسمى «القصر الأبيض» ليكون بديلا عن قصر «تشانكايا» الذي سكن فيه مؤسس الدولة التركية كمال أتاتورك الذي يختلف مع إردوغان جذريا لجهة علمانيته، وتدين الأخير.
ويحتدم الجدل في الشارع التركي حول بناء القصر، بدءا من طريقة وهندسة بنائه وموقعه وانتهاء بارتفاع التكاليف المالية الباهظة المخصصة لبنائه. وتداولت الصحف التركية أنباء مفادها أن تكلفة بناء القصر الجمهوري الذي بني في غابات أتاتورك القريبة من العاصمة أنقرة تصل إلى 700 مليون دولار (مليار ونصف مليار ليرة تركية). وقال الكاتب التركي أمرة آيدين أونات في مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن هذا المبلغ يكفي لإرسال 3 أقمار اصطناعية إلى المريخ.
وتبين أن الموارد المقدمة لتمويل أعمال بناء قصر الجمهورية الجديد، التي استخدمتها وزارة التنمية من الميزانية المخصصة لمصروفات الدولة في السنوات الـ3 الأخيرة بهدف تسريع استثمارات الدولة، تجاوزت مليارا ونصف مليار ليرة. وقدّم طورغوت ديباك، النائب في البرلمان لمحافظة قيريق قلعة عن حزب الشعب الجمهوري، المعارض، استجوابا إلى البرلمان بصدد هذا الموضوع، قال فيه «إن وزارة التنمية أصبحت عنصر ثراء لقصر رئاسة الجمهورية! والسبب في عدم ردها على سؤال حول المصاريف الإجمالية المقدمة للمشاريع التي تمت في السنوات الـ10 الأخيرة، وما هي تلك المشاريع؟ هو الحيلولة دون الكشف عن المقدار الكبير من الأموال التي تم ضخها لدعم أعمال بناء قصر رئاسة الجمهورية الجديد».
أما جديد الأخبار، فهو ما كشفت عنه مصادر تركية معارضة من أن إردوغان زاد مخصصات رئاسة الجمهورية في الموازنة الجديدة للعام 2015 ضعفين. لكن رئاسة الجمهورية أعلنت عن زيادة ميزانيتها ومخصصاتها للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة مقارنة مع ميزانية العام الجاري.
وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أن ميزانية الرئاسة في عام 2014 بلغت نحو 266 مليونا و500 ألف ليرة تركية، وأن المخطط يشير إلى رفع الميزانية للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة، لتصل إلى 397 مليون ليرة (نحو 200 مليون دولار). ونفت الرئاسة التركية ما تردد في بعض وسائل الإعلام التركية عن زيادة ميزانية الرئاسة بنحو الضعفين، مؤكدة أن تلك الأنباء عارية عن الصحة تماما.
الرئاسة التركية ترفع موازنتها في عهد إردوغان وجدل حول كلفة القصر الرئاسي
مسؤول تركي سابق لـ («الشرق الأوسط») : رسم كل شيء لصالح وصوله إلى المنصب
الرئاسة التركية ترفع موازنتها في عهد إردوغان وجدل حول كلفة القصر الرئاسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة