الحب والمنفى في قصص قصيرة ينتظمها خط بياني واحد

رحمن خضير في مجموعته «أوراق من يوميات حوذي»

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة
TT

الحب والمنفى في قصص قصيرة ينتظمها خط بياني واحد

غلاف المجموعة
غلاف المجموعة

«أوراق من يوميات حوذي» هي مجموعة قصصية لرحمن خضير، ولكن بعد قراءتها يمكننا القول إنها توحي برواية جميلة مقسمة إلى عدة محطات أو عدة قصص من حياة بطل واحد! وكأن هناك خطا بيانيا واحدا ينطلق من القصة الأولى حتى القصة الأخيرة.. خطا واحدا يطرح وجع الوطن ومرارة الغربة وخوف الشعوب ورفضها ذلك الغريب القادم إلى بلادهم هربا من الموت سعيا وراء استمرارية الحياة.. هذا الرفض الذي جسده بيت لسعدي يوسف استشهد به كاتبنا في قصته:
أمام الوجوه الشريدة
لا يفتح الناس أبوابهم
يعكس الكاتب في قصصه صراع المغترب للحصول على لقمة العيش، فيعمل البطل في قصة أستاذا، وفي ثانية رساما كاريكاتوريا، وفي أخرى سائق تاكسي. كما نلمس صراعا آخر أكثر إيلاما، وهو الصراع النفسي الذي يعانيه المغترب؛ فالعراقي في قصة الحوذي يحمل صور الحرب في عينيه إلى بلاد الاغتراب.. يعيش لحظاتها يتألم وكأنه يعاقب نفسه على الرحيل وهجرة الوطن المعذب، فحين رأى الألعاب النارية على نهر أوتاوا لم يتمتع بالمشهد، بل تذكر مباشرة الأضواء النارية القاتلة التي تقتحم ليل محبوبته بغداد:
«مشهدان يبرزان أمام عيني في لحظة واحدة: أوتاوة وهي تغرق في أضواء من الفرح.. وبغداد التي تغرق أيضا في أضواء الموت».
وللمرأة دور مركزي في مجموعة رحمن خضير القصصية.. يستحضرها الكاتب في قصصه كل مرة بشكل مختلف، فنشعر بحاجة البطل الدائمة لحنانها، وكأنه منذ ودع أمه وبدأ رحلته مع الغربة وهو يرتكب خطيئة الشوق والهجرة الطويلة: «فتحت باب بيتنا الموصد، بحذر، كي لا تستيقظ أمي من قيلولتها، كانت تغط في نوم عميق، يتفصد عرق من طهارة وجهها، يفوح برائحة الأمومة.. تمنيت أن أعترف لها بأني مزمع على ارتكاب خطيئة هجرة طويلة..».
بات يفتقد دفأها، وكان من الطبيعي أن يبحث عن امرأة تعيده ولو للحظات إلى دفء الأم وحنانها ودفء الأرض.. حبيبته بغداد.
تأتي المرأة في قصة بشكل امرأة غريبة، وتظهر في قصة ثانية في لوحة، وفي أخرى تلميذة، وفي غيرها زوجة أو امرأة متعة.
في قصة «اللوحة» يرى في شعر أنثاه التي رسمها ليل بغداد، وبجسدها سموم الرياح اللافحة التي تهب في الجنوب العراقي صيفا:
«جسد ثري بلون الطين والماء الخابط وسموم الرياح اللافحة التي تهب في جنوبنا العراقي صيفا.. خصلات شعرها المدلهمة كليل بغداد».
ويمكننا القول إن الكاتب نجح في قصصه بنقل قضايا إنسانية كبيرة وبأسلوب سلس خال من التعقيد.. فعلى سبيل المثال نجد في المشهد الأخير من قصة «أسوار» كيف انقلب أبناء البلد على هذا العراقي الغريب وحملوه مسؤولية الطوفان على قاعدة المثل القائل: «أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب».
الكاتب جسّد هذه الحقيقة الإنسانية وعالجها بدقة، وكأن الإنسان بطبعه يحتاج لأن يحمل أحدهم مسؤولية كوارثه ولا يشعر بالراحة دون تفسير للأشياء وإن كان التفسير غير منطقي. وبما أن أبناء البلد لا يمكنهم أن ينسبوا سبب الكارثة الوطنية لأنفسهم، فقد وجدوا الغريب أفضل من يمكن تعليق خيباتهم الإنسانية عليه، وإن كان العقل يعرف ضمنا أن السبب ينبع من الطبيعة وليس من الإنسان! وبأنه وببساطة «الطوفان».
ولكنهم كتموا صوت العقل وأرادوا أن يسكبوا على الغريب سموم غضبهم..
يرسم لنا الكاتب من خلال هذا المشهد صراع الإنسان بين العقل الممثل بالفقيه التيجاني الذي حاول التهدئة، والمشاعر الممثلة بالحشود الغاضبة. والمفاجأة تكون في نهاية القصة حين يرضخ العقل للمشاعر فيصرخ الفقيه التيجاني:
«اذهب أيها البراني بعيدا عن أسوار مدينتنا.. لقد جلبت لنا الدمار، ولكننا أبقيناك حيا طليقا». يعكس القاص أيضا مبدأ العشيرة في التضامن، فتعيش فاطمة الحبيبة صراعا من نوع آخر، صراعا بين الحب والانتماء للجماعة:
«حتى فاطمة كانت غاضبة، لكنها لم ترفع حجرا لرجمي، وكأن عينيها تستحلفانني بأن أرحل».
أما في قصة «اللوحة» فيرسم أنثاه.. يتحسسها غير آبه بالزيت الذي لم يجف على اللوحة، ولا باحتمال إفسادها بعد إمضاء ليلة طويلة في رسمها. كان يرغب بها.. يتمنى رفقتها لتخرجه من وحدته، فأخرجها من لوحته وعشقها! كانت فرصة البطل «للهروب من لحظته المعجونة بالإحباط والخوف والمذلة». وكأن الكاتب أراد أن يقدم لنا حلولا لأوجاعنا النفسية من خلال اللجوء إلى الفن والحب. أما الفن فكان ممثلا في هذه القصة بالرسم، فجعل الحب والرسم السلاح المنتصر بوجه الإحباط والخوف.
وكذلك نلتمس طبيعة البطل الغجرية في الحب، وكأن أنصاف الأحاسيس لا تشفي.. فإن عشقنا فلنعشق حد الجنون كي نشفى تماما من مرارة الواقع. فقد سكب الحياة في لوحته لتتراءى منها أنثى يتحاور معها ويعيش لحظات حميمة، ثم يغضب منها ويختلفان، فيمزقها ويرميها، وكأنه أراد أن ينهي علاقته بها، فذرف دمعة واحدة ساخنة ليرحل عنها إلى عشق آخر هادئ.. إلى أنثى أخرى صامتة دافئة هي قهوته.
وفي قصة «المقامة الكاريكاتيرية» يعرض القاص عاهة التكبر والتعالي المتفشية في مجتمعاتنا العربية من خلال رسم كاريكاتوري لجاك شيراك:
«صممت شكلا للرئيس الفرنسي (جاك شيراك) جعلت أنفه أعلى من (برج إيفل) في باريس. وشموخ الأنف ذو دلالة على الكبرياء والغرور، مع أن شيراك أكثر تواضعا من أي شرطي في عالمنا العربي من محيطه إلى خليجه..».
أما أسلوب وصفه للمشاهد في قصصه، فيجعلنا نشعر أننا أمام رسام بارع يحسن التطرق إلى التفاصيل وإخراج صوره دون أن يشعر القارئ بالملل، ويجمعها كلها بإطار لحظة تنفجر بالمشاعر الإنسانية. وربما أجاد وصف الوجوه والمشاهد بدقة لكونه رساما كاريكاتوريا!
وقد أحسن أيضا التنقل بين مشهد وآخر.
وفي النهاية نود الإشارة إلى أن معظم كتاب القصص يلجأون إلى اللغة الشعرية التي تغطي أحيانا على المضمون، أما كاتبنا فلم يلجأ لهذا الأسلوب، واعتمد أسلوبا وصفيا تميز بالسهولة والانسيابية.. فجاءت لغته بسيطة بساطة الشخصيات التي تناولها، وفي الوقت نفسه حافظ الكاتب على عمق الحبكة القصصية.
واعتمد الكاتب أسلوب التساؤلات خلال سرده القصص، مثيرا في القارئ التأمل، وحاثّا إياه على التفكير في حياته، والتفاعل مع أحاسيس شخصياته.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.