قطاع تأجير المحال التجارية أكبر مصادر تضخم العقار بـ10 % سنويا

عدم وجود قانون يمنع الزيادة أدى إلى ارتفاع أسعار السلع

جانب من مدينة مكة المكرمة (تصوير: أحمد يسري)
جانب من مدينة مكة المكرمة (تصوير: أحمد يسري)
TT

قطاع تأجير المحال التجارية أكبر مصادر تضخم العقار بـ10 % سنويا

جانب من مدينة مكة المكرمة (تصوير: أحمد يسري)
جانب من مدينة مكة المكرمة (تصوير: أحمد يسري)

يعد قطاع تأجير المحال التجارية الأكثر نشاطا وتصدرا في الحركة العقارية بشكل عام، بل إنه يتربع على قائمة العقارات الأكثر ارتفاعا في الأسعار، بمتوسط نسبة سنوية قدرت بـ10 في المائة، في ظل عدم وجود قانون يسمح بتقنين أسعار تأجير المحال، وتركها لما يسمى العرض والطلب الوهمي، الذي دفع بالأسعار إلى التحليق إلى أعلى المستويات، مدفوعة بالنمو والانتعاش الذي يعيشه الاقتصاد السعودي؛ حيث أكد خبراء في الشأن العقاري أن المستأجر يضطر إلى رفع أسعار السلع حتى يستطيع سداد قيمة الإيجار؛ حيث دفعت عمليات الزيادة السنوية في قيمة الإيجار بعض المحال التجارية إلى الإغلاق لعدم قدرتها على الوفاء بمبلغ الإيجار الذي يرتفع بشكل سنوي دون أدنى مبرر.
وكشف بعض المهتمين بالشأن العقاري عن أن بعض التجار يفسدون على بعضهم البعض بإغراء أصحاب المنشأة التجارية بمبالغ أكبر لإفراغ المحل وتأجيره، كما أن سكوت التجار عن هذه الزيادات دفع أصحاب المنشآت إلى التمادي، في ظل غياب قانون يحدد نسب وقيمة الإيجارات، رغم أن بعضها أنشئ منذ أكثر من عقد.
وقال عبد الله الرباح، الذي سبق أن امتلك سوقا تموينية، إنه اضطر إلى إغلاقها بعد أن أصبح صاحب المنشأة يحاسبه على أرباحه عن طريق رفع الإيجار إلى مستويات مهولة وغير مقبولة، مبينا أن الإيجار ارتفع إلى أكثر من 60 في المائة، مقسمة على 4 سنوات، وهي نسبة كبيرة لم يستطع تحملها، وبالتالي أغلق محله، رغم أنه قبل إغلاق المحل كان يحصد مبالغ جيدة من الأرباح.
ويضيف الرباح أن الإيجار السنوي الذي كان يدفعه عند استئجاره المحل لم يتجاوز 70 ألف ريال (18.6 ألف دولار) في محل له 4 فتحات، إلا أن مالك المنشأة زاد عليه الإيجار إلى ما يزيد على النصف ليصل إلى 110 آلاف ريال (29.3 ألف دولار)، وهو المبلغ الذي لم يستطع تسديده، مبينا أن المحل مغلق منذ أكثر من سنة ولم يستأجره أحد حتى هذه اللحظة؛ حيث إنه خسر هو وصاحب العقار بدافع الجشع الذي لم تضع له الدولة حدا، عبر إصدار قرار يوقف المزايدات السنوية.
ويتبين أن الحركة الاقتصادية الكبيرة للسعودية التي تعد أكبر اقتصاد عربي، قد أثرت بشكل مباشر في قيمة تأجير المحال التجارية فيها، خصوصا في ظل الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه البلاد؛ الأمر الذي دفع مُلاك العقارات في المملكة إلى الاستفادة القصوى من محالهم التي تعد واجهة عرض تلك التجارات، برفع الأسعار لتحقيق أكبر فائدة ممكنة من الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه البلاد.
يقول عبد العزيز العقلة، مدير أحد المحال التجارية الكبرى في العاصمة، الرياض، إن من أكثر المشكلات التي يعانونها في تجارتهم هي عدم قدرتهم على توقعات تحقيق الأرباح، نتيجة ارتفاع الإيجار دون أي سبب واضح، مضيفا أنه منذ 5 سنوات والإيجار يرتفع بشكل ممنهج سنوي بنحو 10 في المائة، وزاد أنه رغم وجودهم في الموقع نفسه منذ فترة طويلة تزيد على 13 سنة، فإن الإيجار لم يرتفع منذ أن استأجروا الموقع إلا خلال السنوات الـ7 الماضية، وأن العذر الوحيد لمالك العقار هو الارتفاع الكامل في أسعار السوق العقارية، وأن بإمكانه الخروج في حال رفض الزيادة الحاصلة، مبينا أنهم مضطرون إلى رفع أسعار البضائع لسداد الإيجار، وأن المتضرر الرئيس من ذلك هو المستهلك الذي يدفعها بشكل غير مباشر.
يذكر أنه لا يوجد في السعودية نظام يفرض على ملاك المنشآت نسبا معينة من الزيادات السنوية؛ حيث إن السوق متروكة للعرض والطلب؛ مما سهل على بعض التجار رفع أسعار التأجير إلى مستويات كبيرة، دون أدنى رادع قانوني لهم، وهي خطوة عدها المراقبون رئيسة في دفع التضخم الحاصل في القطاع العقاري السعودي، كما أن لها انعكاسات مباشرة على ارتفاع أسعار السلع في السوق محليا.
وفي الموضوع ذاته، أوضح طارق العمري، وهو وسيط عقاري، أن تأجير المحال التجارية في السعودية يعد من أكثر القطاعات التي تشهد زيادة في الأسعار، إذا قورنت بالقطاعات العقارية الأخرى، وأن الوضع فيها يخضع بشكل مباشر لميزان العرض والطلب، خصوصا المحال الواقعة في أماكن الازدحام والنشاط العقاري، فتجد أن بعض ملاك العقارات يقومون برفع الإيجار على المستأجرين بشكل سنوي، دون أن يرفضه المستأجرون الذين يحصدون أرباحا عالية ولا تضرهم الزيادة التي يفرضها مالك المنشأة، وأن الزيادة السنوية المتوسطة هي 10 في المائة كأقل تقدير.
وأضاف العمري أن قبول الأغلبية الزيادة هو السبب الرئيس في دفع ملاك العقار إلى الزيادة الدورية، موضحا أن أصحاب المحال يفسد بعضهم على بعض بعرضهم استئجار بعض المحال المؤجرة بسعر أعلى، أو قبولهم الزيادة دون مناقشة صاحب المنشأة، وهو الأمر الذي حول عملية رفع الأسعار إلى عملية مزاجية من قبل مالك المنشأة العقارية.
يشار إلى أن التضخم في السوق العقارية السعودية يبلغ أوجه بعد أن أصبح العقار بمثابة السوق الآمنة والمثالية للمستثمرين، وهو الأمر الذي جعل القطاع العقاري من أكثر القطاعات تضخما وارتفاعا، ووصلت الأسعار إلى مستويات مهولة تجاوزت نطاق العرض والطلب.
وفي الاتجاه المعاكس، برر إبراهيم العلي الذي يمتلك الكثير من المنشآت العقارية التجارية، سبب رفع إيجارات المحال إلى ضغوط السوق بشكل عام، وأن من يضع الأسعار هو الطلب الكبير على المحال التجارية، خصوصا الواقعة في المناطق التجارية والاقتصادية، موضحا أن المحال الواقعة على شوارع بعرض 30 مترا فما فوق، ترتفع فيها الأسعار أكثر من غيرها، ويرتفع السعر كلما ارتفع عرض الشارع؛ الأمر الذي يبرز عمق الحركة النشطة لتلك المحال.
وأوضح العلي أن الحركة الاقتصادية في الرياض بشكل عام تختلف عنها قبل 5 سنوات، بمعنى أن هناك قوة شرائية كبيرة وحركة نشطة من تلك المحال، تفرض عليهم مجاراتها ورفع أسعار المحال، كاشفا عن أن بعض التجار يعرضون على بعض الملاك عزمهم استئجار المحل المؤجر بسعر أعلى؛ مما يجعل المالك يخير المستأجر بين رفع قيمة الإيجار أو الخروج الفوري لتسليمه لتاجر آخر.
يذكر أن تقريرا سابقا أصدرته مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، أكد أن العقار يتربع على مجال التضخم بـ73 في المائة، متفوقا على جميع القطاعات الأخرى، ويتوقع أن يكون تأجير المحال أحد أسباب هذا التضخم الذي يفتقر إلى سن القوانين الصارمة التي تضع حدا لجشع بعض المستثمرين الذين يتسابقون في رفع أسعار الإيجار دون وجود أدنى مبرر لذلك.



تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
TT

تأثيرات «كورونا» تظهر على العقارات المصرية

سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس
سوق العقارات المصرية تأثرت بالمخاوف من انشار الفيروس

بعد الانتشار المتزايد لفيروس «كورونا المستجد» في معظم أنحاء العالم، يحذّر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية التي يشهدها الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول ومن بينها إغلاق الحدود وتعليق الرحلات الجوية والبحرية، وهو ما امتد بدوره إلى قطاع العقارات في مصر، حيث تشهد السوق العقارية في البلاد حالياً تراجعاً في نسب المبيعات، بالإضافة إلى إلغاء فعاليات ومؤتمرات تسويقية عقارية.
ويؤكد مستثمرون عقاريون مصريون من بينهم المهندس ممدوح بدر الدين، رئيس مجلس إدارة شعبة الاستثمار العقاري بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «القطاعات الاقتصادية تشهد تباطؤاً وجموداً حاداً في الآونة الأخيرة، وهذا سيكون له تبعاته على سوق العقار»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أتوقع أن تخرج مصر من الأزمة سريعاً، وبأقل الخسائر نتيجة للإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أخيراً للحد من انتشار المرض».
وشهدت سوق مبيعات العقارات في مصر «تراجعاً نسبياً منذ بداية أزمة كورونا»، وفق الخبير والمسوق العقاري محمود سامي، الذي قدّر «نسبة التراجع في مستويات البيع والشراء، بنسبة تتراوح من 20 إلى 30%، في بداية الأزمة، لتصل إلى 50% مع نهاية الأسبوع الماضي، مع اتخاذ مصر وعدد من الدول العربية إجراءات احترازية جريئة للحد من انتشار المرض».
ورغم أن مؤشرات الطلب على شراء العقارات التي تقاس وفق حجم الطلب على المواقع الإلكترونية المخصصة لبيع وشراء العقارات، لم تعكس هذا التراجع في شهر فبراير (شباط) الماضي، وفقاً لمؤشر موقع «عقار ماب» المتخصص في السوق العقارية، بعدما سجل ثبات مستوى الطلب على العقارات في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير الماضيين، لكن المؤشر أوضح أنه «كان هناك تزايد في الطلب في النصف الأول من شهر فبراير، إلا أن هذا التزايد تراجع في الأسبوعين الأخيرين ليستقر المؤشر عند نفس معدل الشهر السابق»، ولا توجد إحصائيات واضحة عن شهر مارس (آذار) الجاري، والذي تفاقمت فيه أزمة «كورونا».
وعكس ما يؤكده المسوق العقاري محمود سامي، من وجود تراجع في نسب مبيعات العقارات في مصر، يقول الدكتور ماجد عبد العظيم، أستاذ الاقتصاد والخبير العقاري، أن «السوق العقارية في مصر لم تتأثر حتى الآن بأزمة (كورونا)»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد ارتباط بين فيروس (كورونا) والعقارات، فمن يريد شراء شقة سيفعل ذلك»، مشيراً إلى أن «السوق العقارية المصرية تعاني من حالة ركود بدأت منذ نحو أربعة أشهر، وتظهر ملامحها في العروض التسويقية التي تقدمها شركات العقارات، ومن بينها زيادة عمولة المسوقين العقاريين، والإعلان عن تسهيلات في السداد تصل إلى عشر سنوات من دون مقدم، والدفعة الأولى بعد التسلم»، لافتاً إلى أن «حالة الركود هذه سببها الرئيسي زيادة المعروض، وارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
ورغم أن العاملين في التسويق العقاري لا ينكرون وجود حالة ركود في السوق، فإنهم يرون أن المسألة تزايدت مع الخوف من انتشار «كورونا»، حتى حدث «انكماش في السوق العقارية»، على حد تعبير سامي الذي أوضح أن «شركات التسويق العقاري تأقلمت مع حالة الركود، ونفّذت عمليات إعادة هيكلة وتقليص لعدد الموظفين والمقرات»، مضيفاً: «ما نشهده الآن مختلف، فهناك حالة شلل لم نشهدها من قبل إلا مع ثورتي 30 يونيو (حزيران) 2013، و25 يناير 2011. وإن كان ما نشهده حالياً أكثر حدة، فهناك إلغاء لحجوزات ومواعيد معاينات للوحدات العقارية، وتأجيل لقرارات الشراء بشكل عام حتى انتهاء الأزمة واتضاح الرؤية».
ولا يقتصر تأثير انتشار «كورونا» على حركة البيع والشراء في قطاع العقارات، بل من المتوقع أن «ينعكس التأثير على اقتصاد الشركات العقارية واستثماراتها» حسب بدر الدين، الذي أشار إلى أن «قطاع النفط تأثر بصورة كبيرة خصوصاً بعد إصرار منظمة (أوبك) على عدم تقليل إنتاجها، ليهبط سعر البرميل إلى أقل من 30 دولاراً، ما سبب خسائر للمستثمرين والصناديق العالمية، وترتبت على ذلك انخفاضات في أسعار مواد البناء وبالتالي فإن أي مستثمر لديه مخزون من هذه السلع، سيحقق خسائر بلا شك».
وتماشياً مع قرارات الحكومة المصرية إلغاء التجمعات، تم تأجيل مؤتمر ومعرض «سيتي سكيب مصر للتسويق العقاري»، الذي يعده الخبراء أحد أكبر معارض التسويق العقاري في مصر، والذي كان من المقرر عقده في منتصف الشهر الجاري، لتكتفي الشركات العقارية بالعروض التسويقية التي تقدمها وتعلن عنها إلكترونياً أو تلفزيونياً.
والتأجيل يحمي شركات العقارات من خسائر متوقعة، نظراً لصعوبة حضور العملاء، مما سيؤثر بشكل سلبي على صورة القطاع العقاري، حسب بدر الدين.
ويخشى العاملون في السوق العقارية من استمرار الأزمة فترة طويلة، وهو ما سيؤدي إلى خسائر كبيرة في القطاع، قد تضطر الشركات إلى عمليات إعادة هيكلة وتخفيض عمالة -على حد تعبير سامي- الذي قال إن «الشركات تأقلمت مع انخفاض المبيعات خلال الشهور الماضية، لكن لو استمر الوضع الحالي لمدة شهر، فالمسألة ستكون صعبة وقد تؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح موظفين، حيث ستحتاج كل شركة إلى تخفيض نفقاتها بنسبة 40% على الأقل».
ورغم تأكيدات عبد العظيم أنه لا يوجد تأثير لأزمة «كورونا» على السوق العقارية حتى الآن، فإنه يقول: «إذا تفاقمت أزمة (كورونا) فستكون لها تأثيرات على جوانب الحياة كافة، ومنها العقارات»، وهو ما يؤكده بدر الدين بقوله إن «العالم كله سيشهد تراجعاً في معدلات النمو الاقتصادي».