مشاورات بين أطراف النزاع في جنوب السودان قبل جولة المفاوضات بإثيوبيا

تكاليف جولات التفاوض بلغت 17 مليون دولار

مشاورات بين أطراف النزاع في جنوب السودان  قبل جولة المفاوضات بإثيوبيا
TT

مشاورات بين أطراف النزاع في جنوب السودان قبل جولة المفاوضات بإثيوبيا

مشاورات بين أطراف النزاع في جنوب السودان  قبل جولة المفاوضات بإثيوبيا

بدأ وفدا حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية المعارضة، بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار، اجتماعات تشاورية مع وساطة الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق أفريقيا (الإيقاد) قبل المفاوضات المباشرة في مدينة بحر دار، الواقعة على بعد 587 كلم من أديس أبابا.
وعاد التوتر بين الطرفين بعد أن انتهت الجولة الأخيرة في أغسطس (آب) الماضي بتوقيع جوبا على خارطة الطريق لتشكيل الحكومة الانتقالية، ومسودة تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية التي رفضتها حركة التمرد، كما هدد الوفد الحكومي بالانسحاب من الجولة إذا حاول الوسطاء تغيير الاتفاق السياسي حول الفترة الانتقالية، وشدد على أن الإجراء يتطلب دعوة رؤساء الإيقاد لعقد قمة طارئة، فيما طالب وفد التمرد دول الإيقاد بالضغط على جوبا بالسماح للام أكول، رئيس حركة التغيير الديمقراطي، باللحاق بالمفاوضات بعد أن جرى منعه من السفر الأسبوع الماضي.
وقال ياي جوزيف، القيادي في حزب الحركة الشعبية الحاكم في جنوب السودان لـ«الشرق الأوسط» إن محادثات السلام بين وفد الحكومة والحركة الشعبية المعارضة، بقيادة رياك مشار، بدأت عبر جلسات تشاورية بين الوفدين في مدينة بحر دار قبل الدخول في المفاوضات، التي يتوقع أن تبدأ خلال يومين، وأضاف أن كل الوفود وصلت إلى مقر المحادثات، مشيرا إلى أن المفاوضات ستبحث التوصيات التي قدمتها قمة رؤساء الإيقاد الأخيرة، والتي انعقدت في أديس أبابا في 27 من أغسطس (آب) الماضي حول تشكيل الحكومة الانتقالية، وقال إن القمة أمهلت الطرفين مدة 45 يوما لإنهاء النزاع وتوقيع اتفاق سلام نهائي، ووقف الحرب وبدء الفترة الانتقالية، وتابع موضحا «المهلة بدأت منذ أمس، وستنتهي في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والقضايا التي يفترض أن تبدأ بها هذه الجولة تتمثل في الترتيبات السياسية بتشكيل حكومة الفترة الانتقالية، من حيث حجمها وسلطاتها وصلاحياتها والأطراف المشاركة فيها، إلى جانب الترتيبات الأمنية بوقف إطلاق النار بعد الاتفاق السياسي إضافة إلى فتح الممرات الإنسانية لتقديم الإغاثة للمتضررين في ولايات الوحدة، أعالي النيل وجونقلي، باعتبارها من أكثر المناطق تضررا في هذه الحرب التي اندلعت في منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي».
وأكد جوزيف أن هناك معلومات يجري تداولها تقول إن وسطاء الإيقاد يحاولون تغيير الاتفاق الذي جرى توقيعه الشهر الماضي حول خارطة الطريق بتشكيل الحكومة الانتقالية، والتي حددت أن الرئيس الحالي سلفا كير ميارديت سيظل في موقعه طوال الفترة الانتقالية التي تدوم لعامين ونصف، وقال إن رئيس وزراء من حركة التمرد لا يتمتع بصلاحيات، ولا يمكنه ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة، وأضاف «إذا حاولت الإيقاد تغيير الاتفاق الذي وقع عليه كير ورؤساء الإيقاد فإن الوفد الحكومي سيعارض إي اتجاه لتغيير الاتفاق».
وأكد جوزيف أن وفده لا يمانع مناقشة قضايا الفترة الانتقالية دون المساس بوضعية الرئيس سلفا كير وصلاحياته، مضيفا أن «أي تغيير في الاتفاق الأخير يجب أن يجري عبر قمة طارئة لرؤساء الإيقاد، لكننا نرفض أي تعديلات في الاتفاقية خارج هذا الإطار»، وشدد على أن «الوفد الحكومي قد ينسحب من هذه الجولة ويجمد أي مشاركة مع الإيقاد كآلية لفض النزاعات»، قائلا «إن أي تفاوض لا يؤدي إلى وقف الحرب لا معنى له، ويجب على حركة التمرد التوقيع على مسودة تنفيذ وقف العدائيات، وفتح الممرات لتوصيل الإغاثة في المناطق المتأثرة بالحرب في أسرع فرصة».
وكانت مصادر في الإيقاد قد كشفت لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق أن تكاليف جولات التفاوض بين أطراف الصراع في جنوب السودان قد بلغت 17 مليون دولار، وقالت إن الوسطاء والشركاء الدوليين حثوا الأطراف على ضرورة التوصل سريعا إلى اتفاق نهائي.
من جانبه، قال الدكتور ضيو مطوك، سكرتير العلاقات الخارجية في حركة التمرد وعضو وفدها في المفاوضات، إن الاتفاق الذي جرى توقيعه من قبل الحكومة أمام قمة الإيقاد الأخيرة غير ملزم لحركته ولا يعنيها في شيء، وأضاف أن كل الأطراف تعلم بموقف حركته، وأن الاتفاق لا يمثل بالنسبة للمعارضة أساسا للتفاوض، موضحا أن الإصرار على الاتفاق الأخير يعني أن الحكومة ستفاوض نفسها وليس الحركة الشعبية في المعارضة، وتابع «هذا الاتفاق لن يجلب السلام في جنوب السودان وسيقود إلى مزيد من تعقيد الأوضاع، ولذلك لن نوقع عليه».
وعد مطوك أن إصرار الوسطاء على الوثيقة التي وقعت عليها الحكومة وحدها يدخل ضمن تجزئة عملية السلام، وقال بهذا الخصوص «يجب أن تكون عملية السلام حزمة واحدة وبطريقة يكسب فيها الجميع، لا طرف واحد تكون له الغلبة»، لكنه عاد وقال «القضايا التي طرحتها الوثيقة الأخيرة حول الفترة الانتقالية يمكن مناقشتها عبر اللجان التي كانت تعمل قبل التوقيع على الوثيقة، والحكومة كانت جزءا من تلك اللجان أو عبر المفاوضات المباشرة بين وفدي الحكومة والحركة حول صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء».
ودعا مطوك وسطاء الإيقاد للتدخل والضغط على حكومة جنوب السودان لكي تسمح لأكول بالوصول إلى مقر المحادثات، بعد أن منعته من مغادرة جوبا السبت الماضي، وأضاف أن الحكومة ترفض لقيادات أحزاب المعارضة المشاركة في محادثات «أصحاب المصلحة»، مع الأطراف الأخرى، بما فيها الأحزاب الموالية للحكومة، وقال بهذا الخصوص «حكومة سلفا كير منعت الزعيم السياسي بيتر عبد الرحمن سولي من المشاركة في المحادثات، كما منعت أمس لام أكول من الصعود إلى الطائرة للحاق بالمفاوضات»، مشيرا إلى أن لام أكول يمثل أكبر حزب معارض في جنوب السودان ومن داخل البرلمان، وقال «حتى الآن لم نقرر عدم المشاركة في هذه الجولة بسبب منع لام أكول والآخرين من اللحاق بالمحادثات».



إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)
من لقاء سابق بين إردوغان والبرهان في أنقرة (الرئاسة التركية)

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا حول اتفاق الأخيرة مع إقليم أرض الصومال على استخدام ساحلها على البحر الأحمر.

وقال إردوغان، في اتصال هاتفي، الجمعة، مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، إن «بإمكان تركيا التوسط لحل الخلاف بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة». وبحسب بيان للرئاسة التركية، تناول إردوغان مع البرهان، خلال الاتصال الهاتفي، العلاقات بين تركيا والسودان، وقضايا إقليمية وعالمية، وأكد أن تحقيق السلام والاستقرار في السودان والحفاظ على وحدة أراضيه وسيادته ومنع تحوله إلى ساحة للتدخلات الخارجية، من المبادئ الأساسية لتركيا.

ولفت إردوغان، بحسب البيان، إلى أن تركيا توسطت لحل الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، وأن الاتفاق بين البلدين سيساهم في السلام بالمنطقة.

اتهامات متبادلة

ودأب قادة الجيش السوداني على اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم قوات «الدعم السريع» وتزويدها بالأسلحة والمعدات. وتقدم مندوب السودان في الأمم المتحدة الحارث إدريس الحارث، بشكوى رسمية ضدها، واتهمها بالتخطيط لإشعال الحرب ودعم «قوات الدعم السريع» بمساعدة من تشاد، طالباً إدانتها، بيد أن أبوظبي فندت تلك الاتهامات ووصفتها بأنها "ادعاءات لا أساس لها من الصحة، وتفتقر للأدلة الموثوقة.

وفي المقابل وجهت دولة الإمارات رسالة إلى مجلس الأمن في 21 أبريل (نيسان)، شددت خلالها على أن نشر المعلومات المضللة والروايات الزائفة، يرمي إلى التهرب من المسؤولية، وتقويض الجهود الدولية الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في السودان بعد عام من الصراع بين الجيش و«قوات الدعم السريع». وأكدت أنها «ستظل ملتزمة بدعم الحل السلمي للصراع في السودان، ودعم أي عملية تهدف إلى وضع السودان على المسار السياسي للتوصل إلى تسوية دائمة، وتحقيق توافق وطني لتشكيل حكومة بقيادة مدنية».

الشيخ محمد بن زايد وعبد الفتاح البرهان في أبو ظبي 14 فبراير (أ.ف.ب)

وفي يوليو (تموز) الماضي، بحث رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في اتصال هاتفي، مع رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، «سبل دعم السودان للخروج من الأزمة التي يمر بها»، وأكد حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد وإنهاء الأزمة في السودان.

تعهدات تركية للبرهان

ووفقاً لنشرة صحافية صادرة عن مجلس السيادة السوداني، فإن الرئيس إردوغان تعهد للبرهان باستمرار تدفق المساعدات الإنسانية التركية للسودان، وباستئناف عمل الخطوط الجوية التركية قريباً، وباستعداد بلاده لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتعاون في الزراعة والتعدين.

وذكر السيادي أن البرهان أشاد بمواقف تركيا «الداعمة للسودان»، وجهودها من أجل السلام والاستقرار في المنطقة والإقليم، ودورها في معالجة الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، ودورها في الملف السوري، مبدياً ترحيبه بأي دور تركي لوقف الحرب «التي تسببت فيها ميليشيا الدعم السريع المتمردة». ودعا البرهان لتعزيز الاستثمارات التركية في مختلف المجالات، مؤكداً ثقته في مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته الداعمة للشعب السوداني وخياراته.

ويرى مراقبون أن الاتصال الهاتفي بين إردوغان والبرهان في هذا التوقيت يأتي في ظل متغيرات وترتيبات جديدة في المنطقة تشمل السودان، بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلفت أكثر من 20 ألف قتيل، وما يزيد على 14 مليون نازح ولاجئ، وفق تقديرات الأمم المتحدة والسلطات المحلية.

حضور تركي في القرن الأفريقي

وقطعت تركيا، الأربعاء الماضي، خطوة كبيرة على طريق حل النزاع بين الصومال وإثيوبيا، بعد جولات من المباحثات بين الطرفين في إطار ما عرف بـ«عملية أنقرة»، يراها مراقبون ترسيخاً للحضور التركي القوي في منطقة القرن الأفريقي.

إردوغان يتوسط الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة مساء الأربعاء الماضي (الرئاسة التركية)

وأعلن الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الصومالي، آبي أحمد، في مؤتمر صحافي مع إردوغان مساء الأربعاء، أعقب 8 ساعات من المفاوضات الماراثونية سبقتها جولتان من المفاوضات في أنقرة في الأشهر الماضية، أنهما قررا بدء المفاوضات الفنية بحسن نية بحلول نهاية فبراير (شباط) 2025 على أبعد تقدير، والتوصل إلى نتيجة منها والتوقيع على اتفاق في غضون 4 أشهر، بحسب ما ورد في «إعلان أنقرة». وقبل الطرفان العمل معاً على حل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي تسببت في زيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وقال إردوغان إن البلدين الجارين توصلا، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة، إلى اتفاق «تاريخي» ينهي التوترات بينهما.

وبحسب نص إعلان أنقرة، الذي نشرته تركيا، اتفق البلدان على «التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك، والعمل باتجاه إقرار إبرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولاً إلى البحر «موثوقاً به وآمناً ومستداماً تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر، قائلاً: «أعتقد أنه من خلال الاجتماع الذي عقدناه سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر لإثيوبيا».

إردوغان مع الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي عقب توقيع إعلان أنقرة (الرئاسة التركية)

وتدخلت تركيا في النزاع بطلب من إثيوبيا، التي وقعت في الأول من يناير (كانون الثاني) الماضي اتفاقية مع منطقة «أرض الصومال»، التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991، لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، وتشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، واستغلال 20 كيلومتراً من ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً مقابل الاعتراف باستقلالها عن الصومال، مع منحها حصة من شركة الخطوط الجوية الإثيوبية.

ترحيب دولي

ورحب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال لقائه إردوغان في أنقرة، ليل الخميس – الجمعة، بنجاح تركيا في التوصل إلى اتفاق بين الصومال وإثيوبيا. كما رحب الاتحاد الأوروبي بالاتفاق، وأشاد بدور الوساطة الذي لعبته تركيا بهذا الخصوص.

وترتبط تركيا بعلاقات قوية بإثيوبيا، كما أصبحت حليفاً وثيقاً للحكومة الصومالية في السنوات القليلة الماضية. وافتتحت عام 2017 أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في مقديشو، وتقدم تدريباً للجيش والشرطة الصوماليين.

وبدأت في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة في الصومال تمثل كل منها مساحة 5 آلاف كيلومتر مربع، بموجب مذكرة تفاهم وقعت بين البلدين في مارس (آذار) الماضي، لتطوير التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي.

وجاء توقيع المذكرة بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تقدم تركيا بمقتضاها دعماً أمنياً بحرياً للصومال، لمساعدته في الدفاع عن مياهه الإقليمية لمدة 10 سنوات.