بغداد مدينة مقطعة الأوصال وتحكمها الميليشيات

ضابط في الشرطة العراقية: لا سيطرة قانونية على المسلحين

عنصران في ميليشيا شيعية يفتشان سيارة أجرة في منطقة الغدير ببغداد (أ.ب)
عنصران في ميليشيا شيعية يفتشان سيارة أجرة في منطقة الغدير ببغداد (أ.ب)
TT

بغداد مدينة مقطعة الأوصال وتحكمها الميليشيات

عنصران في ميليشيا شيعية يفتشان سيارة أجرة في منطقة الغدير ببغداد (أ.ب)
عنصران في ميليشيا شيعية يفتشان سيارة أجرة في منطقة الغدير ببغداد (أ.ب)

مدينة خربة.. شوارعها تشبه لعبة المتاهة. تلك هي المدينة التي يطلقون عليها تسمية بغداد، بينما هي لا تشبه بغداد التي نعرفها أو تعرفونها، أو يعرفها الجميع. كل شيء فيها لا يشبه أي شيء في أية مدينة، بل إنها لا تشبه نفسها، وناسها ليسوا بذات البغداديين الذين كانوا يسكنونها ويبثون الحياة فيها، الناس هنا متشبثون بالحياة أكثر مما هم يشعرون بالسعادة والاستقرار، يحاولون أن يبرهنوا لأنفسهم أولا بأن حياتهم طبيعية، يخرجون صباحا إلى عملهم تحت درجات حرارة لا تطاق، ويصطحبون عوائلهم مساء إلى المقاهي والمطاعم ليوثثوا الشوارع بوجوه مبتسمة لكنها تخفي أسئلة حائرة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، يتزوجون ويقيمون حفلات الأعراس ليعودوا إلى بيوتهم لينشغلوا بالبحث عن مصدر يمنحهم طاقة كهربائية تعمر ظلمة الغرف بالضوء وبصورة وصوت التلفزيون، بينما أصوات إنذار سيارات الشرطة والأجهزة الأمنية، ومواكب المسؤولين، وما أكثرهم، تشكل الموسيقى الخلفية لمشهد عام يزداد قتامة كلما زرنا العاصمة العراقية.
الوصول بين منطقة وأخرى، مهما كانت قريبة ببغداد، يعد مغامرة لا بد من أن يمارسها المقيم أو الزائر، نقاط التفتيش - التي تشكل أهم العوائق لانسيابية حركة السير - تنتشر في كل مكان، وبين نقطة تفتيش وأخرى هناك ثالثة أو رابعة وعاشرة، ومع كل نقطة تفتيش هناك خطوط طويلة من طوابير السيارات المنتظرة»، لا مفر من الانتظار.. يوضح سائق سيارة الأجرة، مستطردا: «لا نستطيع النفاذ من أي طريق جانبي فالفواصل والجدران الخرسانية تقطع الشوارع والمدينة كلها.. نحن في متاهة حقيقية»، وعندما يحاول نزار، وهو سائق سيارة أجرة لم يبلغ الثلاثين من عمره بعد، ويحمل شهادة بكالوريوس في علوم الحاسبات، أن يتسلل إلى طريق جانبي من شارع الكرادة داخل إلى شارع أبي نواس للتخلص من عنق زجاجة نقطة التفتيش، نجد أنفسنا أمام جدار من قطع الخرسانة لتجبرنا في الاستدارة إلى طريق جانبي آخر، ومن ثم العودة إلى نقطة الصفر، إلى الشارع الرئيسي للكرادة داخل. بعض الشوارع الجانبية لم تغلق بقطع خرسانية بل وضع سكان الشارع أو البلدية هيكل ثلاجة قديمة، أو إطارات مستعملة، أو صناديق خالية لتزيد هذه الأشكال من الشعور بخراب المدينة، التي لم تكن هكذا على الإطلاق قبل عام 2003» على حد إيضاح السائق نزار الذي سألني بلغة ساخرة ومرة: «هل زرت اليابان يوما»، قلت، لا وأتمنى ذلك، لماذا؟ قال: «أريد أن أعرف هل حدث بمدينة هيروشيما بعد ضربها بالقنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية ما حدث ببغداد بعد 2003».
عند نقطة التفتيش يسأل العنصر الأمني، جندي أو شرطي أو أحد أفراد عمليات بغداد. قوات مشتركة من الجيش والشرطة) فيما إذا كان أحدنا يحمل أي قطعة سلاح، والإجابة تأتي بالنفي طبعا من قبلنا، لكن سيارتين من سيارات الدفع الرباعي محملة بأشخاص يحملون أسلحة رشاشة متوسطة وفوهاتها تبرز من النوافذ تمران قبلنا دون تأخير، وقبل أن أسال نزار عنهما يعلق» هؤلاء الميلشيات، مسموح ومصرح لهم رسميا بحمل السلاح والمرور من خلال سيطرات التفتيش والتجول ببغداد».
وببغداد عندما تسمع مفردة ميلشيات فهذا يعني أن هناك أكثر من ميليشيا، يوضح ضابط في الشرطة العراقية برتبة عقيد لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ثلاث ميلشيات رئيسية، هي: عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري، ومنظمة بدر، كما أن هناك ميلشيات شيعية أخرى صغيرة هنا وهناك، والبعض منهم حمل السلاح ضمن حملة التطوع التي دعت إليها المرجعية الشيعية في النجف لصد خطر (داعش) لكنهم لم يحاربوا (داعش) بل بقوا في مدنهم وشكلوا جماعات مسلحة».
ويضيف ضابط الشرطة الذي رفض نشر اسمه، قائلا: «هناك تعليمات من مكتب القائد العام للقوات المسلحة تقضي بعدم التعرض لهذه الميلشيات كونها تساهم بحفظ الأمن، لهذا فإن أفراد سيطرات التفتيش سواء كانوا من الشرطة أو الجيش في استياء دائم كون قياداتهم همشتهم، همشت الوجود الأمني الرسمي أمام وجود المسلحين من الميلشيات»، مشيرا إلى أن «أفراد الشرطة عند نقاط التفتيش لا يجرؤون على سؤال هؤلاء المسلحين عن هوياتهم أو أوراقهم الثبوتية لأنه حدث وأن اختطفت إحدى الميلشيات شرطيا من نقطة تفتيش وسط بغداد وأمام أعين الجميع لأنه تجرأ وسال مجموعة منهم عن أوراقهم الثبوتية ليسمح لهم بالمرور».
وجود الميلشيات الشيعية المسلحة ليس مخفيا ببغداد، بل هم يستعرضون أنفسهم بطرق شتى، يتجولون بسياراتهم ذات الدفع الرباعي مرتدين أزياء مختلفة سواء عسكرية أو مدنية أو كلاهما، أي سروال عسكري وقميص ملون وهم يحملون أسلحتهم، يتعمدون الدخول في الأماكن العامة لأغراض الاستعراض، في الأسواق أو المراكز التجارية أو الفنادق الكبرى، وحسب عقيد الشرطة أنه «لا يستطيع أي شخص اعتيادي ولا نحن تمييز أفراد هذه الميليشيا عن الأخرى، بينما هم يعرفون بعضهم ضمن رموز سرية أو أن هناك طرقا معينة يستطيعون من خلالها تمييز بعضهم البعض».
يضيف قائلا: «البغداديون يخشون الميلشيات أكثر من أي جهة أخرى كونهم لا ينضبطون بقوانين أو قادة ولا يخضعون لسيطرة جهة معلومة، ويمكن أن تقوم أية جهة مسلحة أو عصابة عادية بالادعاء بأنهم من الميلشيات وينفذوا جرائم عادية مثل القتل والخطف والابتزاز، وبالفعل حدثت كثير من عمليات الخطف والابتزاز والقتل، ووجدت جثث المقتولين في أماكن مختلفة من بغداد، وهناك جريمة مقتل 27 فتاة ببناية في منطقة زيونة ببغداد من قبل إحدى الميلشيات بادعاء الحفاظ على شرف العراقيات قبل أكثر من شهر لا تزال تشغل الرأي العام دون الإعلان عن نتائج التحقيق أو تسمية الجناة»، مشيرا إلى أن «تكون بغداد محكومة من قبل الميلشيات المسلحة فهذا أخطر ما يكون».
وتمنى العقيد في الشرطة العراقية أن يستطيع رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي تنفيذ أولوياته التي أعلنها ببرنامجه الوطني، وهي حصر السلاح بيد الحكومة حصرا، كون تنفيذ هذا الموضوع حاليا صعب للغاية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».