في أول رفض علني له لنصائح رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، أعرب رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي عن ثقته بتشكيل الحكومة العراقية المقبلة طبقا للمهلة الدستورية التي تنتهي في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل. وكان المالكي دعا، خلال كلمته الأسبوعية، أول من أمس، سلفه العبادي إلى عدم الإذعان للشروط التي باتت تضعها بعض الكتل السياسية (في إشارة إلى الكتلتين الكردية والسنية في البرلمان)، داعيا إياه إلى تشكيل حكومة أغلبية سياسية، الأمر الذي يخالف ما دعت إليه المرجعية الشيعية العليا في النجف، آية الله علي السيستاني، التي كانت العامل الرئيس للإطاحة بالمالكي.
العبادي، في بيان له أمس، أكد التزامه بتوصيات المرجعية الدينية في تشكيل حكومة ذات قبول وطني واسع. وأضاف العبادي طبقا للبيان: «إننا ملتزمون بتوصيات المرجعية الدينية العليا بضرورة أن تكون هذه الحكومة ذات قبول وطني واسع وتتمتع بالكفاءة والنزاهة من أجل السير بالبلاد إلى بر الأمان وحل الإشكالات الكثيرة التي يعاني منها في مجالات الأمن والسياسية والاقتصاد ومكافحة الفساد الإداري والمالي».
وبشأن المفاوضات الخاصة بتشكيل الحكومة، قال العبادي إن «المفاوضات لتشكيل الحكومة تجري بوضع مطمئن، حيث إن هناك أوراق عمل ورؤى وبرامج قدمت من قبل الكتل السياسية، وهي موضع نقاش لدينا، ونأمل بالتوصل لاتفاق بشأن هذه الأوراق والكابينة الوزارية بأسرع وقت ممكن».
ودعا رئيس الوزراء المكلف الكتل السياسية إلى «تجاوز الخلافات والسير قدما في عملية تشكيل الحكومة، وبدء صفحة جديدة من أجل العراق وأبناء الشعب العراقي»، مجددا التأكيد على أهمية «اختيار الشخصية التي تتمتع بالكفاءة والنزاهة». وكانت الكتل السياسية الرئيسة الثلاث (التحالف الوطني الشيعي وتحالف القوى العراقية السنية والتحالف الكردستاني) أكملت أوراقها التفاوضية الخاصة بتشكيل الحكومة المقبلة.
وفي وقت يسعى فيه التحالف الوطني إلى منح العبادي الفرصة الكاملة لتشكيل الحكومة بأسرع وقت، من أجل استثمار الدعم الداخلي والإقليمي والدولي، فإن كلا من الأكراد والسنّة العرب لا يريدون تكرار التجربة السابقة مع المالكي، الذي أعطى وعودا لم يكن بمستطاعه الإيفاء بها، طبقا لما أعلنه عضو البرلمان العراقي السابق والمفكر المعروف حسن العلوي.
ورسم العلوي في حديث لـ«الشرق الأوسط» صورة قاتمة بشأن إمكانية تشكيلها في وقتها المحدد في إطار المهلة الدستورية. وقال العلوي إن «العمل جار الآن ومن قبل كل الكتل والأطراف السياسية ليس من أجل بناء دولة حيث لا توجد رؤية واضحة لذلك، بل إننا إذا أردنا أن نشبه وضع العراق اليوم فإنه أشبه بعمارة غير مكسوة، بل عارية تماما، والجميع لا يملك الإرادة لكسوها، حيث إن كل الحكومات التي جاءت ما بعد عام 2003 جعلت العراق في وضع اللادولة».
وأشار إلى أن «هناك مناخا إقليميا، ولا سيما دول الجوار العراقي، يتمنى أن يبقى العراق على هذه الصيغة، لأن العراق كدولة لا يفيدهم، بل يمثل خطرا عليهم».
وضرب العلوي أمثلة لوضع اللادولة الذي تنفذه القوى السياسية الرئيسة، ومنها «بقاء العراق بلا رئيس جمهورية لمدة سنتين (فترة غياب الرئيس العراقي السابق جلال طالباني للعلاج)، بالإضافة إلى بقاء الحكومة ولدورة برلمانية كاملة من أربع سنوات بلا وزارات أمنية، مثل الدفاع والداخلية والأمن الوطني، وهناك 150 وزارة ومؤسسة وهيئة ومديرية عامة تُدار بالوكالة طوال الأربع وبعضها طوال السنوات الثماني الماضية». وأشار إلى أن «ملامح اللادولة بدأت منذ كتابة الدستور العراقي، الذي تم سلقه في أربعة أسابيع، بينما استمرت كتابة الدستور في العهد الملكي أربع سنوات كاملة (من عام 1921 إلى 1925) وهو ما يعني أن كل ما يعملون عليه اليوم هو بعيد عن سياقات عمل الدولة، وهو ما سنطبق على الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها، حيث من الصعب الانتهاء منها وفق المهلة الدستورية»، وردا على سؤال بشأن الالتزام بالمهلة الدستورية، قال العلوي إن «الدستور العراقي لم يحدد هذه القصة، ومن يكلف بعد فشل المرشح الأول، وبالتالي لا نستبعد إعادة ترشيح الشخص نفسه ثانية، مثلما حصل مع المالكي عام 2010، حيث بقيت قصة تشكيل الحكومة لمدة عشرة شهور تحت بدعة الجلسة المفتوحة، وبالتالي من غير الصعب عندهم تكييف الدستور مثلما يريدون».
وحول أهم العقبات التي يرى أنها تقف عائقا أمام صعوبة تشكيل الحكومة في وقتها المحدد، قال العلوي إن «أهم عائق هي الوعود التي كان أعطاها المالكي للأكراد والسنة ولم يتمكن من الالتزام بها، وهو ما جعل الطرفين الكردي والسني يبحث عن ضمانات تحريرية مكتوبة، وهو أمر يصعب على أي رئيس وزراء الالتزام به في إطار النظام السياسي العراقي الذي هو تعددي، وهو ما يجعل رئيس الوزراء ليس هو القادر وحده على تنفيذ ما يعد به»، موضحا أن «العبادي سيخطئ في حال وافق على وعود تحريرية، لأنه سيصطدم بشركائه داخل الائتلاف الشيعي، كالصدريين والمجلس الأعلى، وكل هذه الأمور وغيرها تجعل من عملية تشكيل حكومة مقبولة أمرا صعبا». ودعا العبادي إلى «عدم اللجوء إلى طريقة تشكيل اللجان من قبل كل كتلة على حدة، لغرض تشكيل الحكومة، بل المطلوب تشكيل لجنة وطنيا عليا من كل الكتل، حيث إن اللجان الحالية هي لجان معيقة لتشكيل الحكومة وليس العكس».
ورأى العلوي أن «الطريقة التي أزيح بها المالكي الآن تشبه الطريقة التي أزيح بها الجعفري، والتي جاءت بالمالكي، وبالتالي فإن المالكي يحصد اليوم ما زرعه عام 2006»، متابعا أن «حزب الدعوة هو عبارة عن ثلاثة أجنحة، وهي الجناح الإيراني والجناح السوري والجناح البريطاني، وفي وقت يعد المالكي من الجناح السوري، فإن كلا من الجعفري والعبادي من الجناح البريطاني، وهو ما يعني أن الحكومة الحالية التي يجري تشكيلها لا تخلو من لمسة بريطانية، حيث حصل ما يشبه انقلابا على الجناح السوري، ولعل التأييد العربي ينطلق من ذلك، فضلا عن كونه نكاية بالمالكي».
وبخصوص موقف السيستاني، الذي بدا صارما لجهة تغيير المالكي، رغم وجود انتقادات بشأن المدى الذي يمكن أن يصل إليه تدخل المرجعية، قال العلوي إن «السيستاني مرجعية جديدة تواجه لأول مرة الشيعة وهم في سدة السلطة، وهو ما يعني أن السيستاني فوجئ بذلك، وبذلك أصبح لزاما عليه التدخل، لأن أمامه التزاما شرعيا حيال الحاكم الشيعي، بينما لم يكن لديه التزام لدى الحاكم السابق السني، وبالتالي لا يجد أن لديه مسؤولية شرعية أو أخلاقية حيال ما يجري، وبالتالي فإن من واجبه التدخل لحماية مصالح أتباعه بوصفه زعيم الطائفة».
العبادي يرفض ضمنا نصائح المالكي.. ويعد بتشكيل حكومته طبقا للمدة الدستورية
نائب رئيس الوزراء السابق لـ«الشرق الأوسط»: أعتب على القيادة الكردية * هيغل: {داعش} يمثل تهديدا
العبادي يرفض ضمنا نصائح المالكي.. ويعد بتشكيل حكومته طبقا للمدة الدستورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة