عن دار الحكمة بلندن صدر كتاب «التشيع العربي والتشيع الفارسي» للباحث نبيل الحيدري، الذي قدم فيه دراسة أكاديمية مستفيضة تختزل عصور التاريخ الإسلامي بعد مسح واسع وغربلة لمراجع تنيف على 1255 مصدرا. ويهدف الكتاب إلى سبر «جذور ثقافة البغض والكراهية بهدف تصحيح الممارسات التي جاءت بتراكم البدع والهرطقة المستوردة من هنا ومن هناك، بما يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة».
بادئ ذي بدء، يُعرّف المؤلف التشيع العربي على أنه تشيع الإمام علي بن أبى طالب الذي يمثل الأساس الذي يجب أن ينبني عليه التشيع من مبادئ وقيم وعقائد وثقافة. ويعرض المؤلف الصور الناصعة لعلاقة الإمام علي بن أبى طالب الشخصية بالصحابة لا سيما الخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوه فضلا عن الزواج والمصاهرة وتسمية أبنائه بأسمائهم.
ثم ينتقل الكاتب إلى كشف التأثيرات الفارسية التي تمثلت في الدول المتعاقبة الثلاث: البويهية في بغداد، والعبيدية في مصر، والصفوية في إيران، ومن قبلها بذور الغلو المتمثلة بتأثير عبد الله بن سبأ اليماني في تحريف التعاليم الإسلامية بما يشبه ما قام به بولص في تحريف النصرانية.
ويسهب المؤلف في خطر الدولة البويهية (334 - 447هـ/ 946 - 1055) كونها المنبع الآيديولوجي الذي ترعرعت فيه أولى البدع والغلو الغريبة عن العقيدة الإسلامية متمثلا بتأليف الكتب الحديثية الأربعة: «الكافي» للكليني، و«من لا يحضره الفقيه» للصدوق القمي، و«التهذيب»، و«الاستبصار» للطوسي. واحتوت هذه الكتب على آلاف من الأحاديث لغُلاة لا علاقة لهم البتة بأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا أقوال علي بن أبي طالب ولا الحسن أو الحسين (رضي الله عنهم جميعا)، هذا إضافة إلى كتب «المفيد» في ثقافة البغضاء والتكفير بعد أن درس على يدي ثلاثة من فقهاء هم: الصدوق القمي، وابن قولويه القمي، وأبى الحسن القمي.
وبعد ذلك، يعرض المؤلف للفرق الإسلامية والفرقة الناجية في حديث ورد في سنن الترمذى وابن ماجه وابن داود والحاكم وابن كثير، والفرقة الناجية يصفها الرسول بعد أن سُئل، بقوله: «الذين هم على ما أنا عليه اليوم وأصحابي» يقصد سنته المطهرة وسيرة صحابته الكرام، خصوصا الخلفاء الراشدين الأربعة.
كما ويركز المؤلف على المرجعين الأساسيين للأمة الإسلامية: القرآن والسنة، كما في قول علي في «نهج البلاغة»: «والله ما كانت لي في الخلافة رغبة ولا في الولاية إربة ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها، فلما أفضت إليّ، نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا به فاتّبعته، وما استنّ النبي فاقتضيته».
ولقد اشترك الإمام علي في حروب الردّة أيام الخليفة الأول، كما وقف على قبره بعد وفاته قائلا: «رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدّهم يقينا..»، وقوله في فضل الشيخين: «خير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر ثم عمر» كما ينقله الطوسي والمرتضى وغيرهما، بل إنّ الإمام عليا منع الناس من الهجوم على بيت الخليفة الثالث ودافع عنه وأوقف على داره ولديه الحسن والحسين سبطي رسول الله وسيدي شباب أهل الجنة كفدائيين دفاعا عنه. ولقد زوّج ابنته أم كلثوم للخليفة عمر بن الخطاب وأنجبت له زيدا ورقية، وكان زيد يفخر دوما أنه «ابن الخليفتين»، ويقصد عمرا وعليا. كما تزوج علي من أرملة أبي بكر، أسماء بنت عميس. وأما جعفر الصادق فكان يفتخر دوما قائلا: «أولدني أبو بكر مرتين» مرة والدته: فاطمة بنت القاسم بن أبي بكر، ومرة أم أمه فاطمة: أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهكذا يكون أولاد الصادق من الأئمة: موسى الكاظم، وعلي الرضا، ومحمد الجواد، وعلي الهادي، والحسن العسكري، وما يسمونه بالمهدي المنتظر، كلهم ينتسبون إلى أبي بكر مرتين، شاء من شاء وأبى من أبى، وهذا يرد الكثير من أحاديث الكراهية.
بل إنّ الإمام الحسن صالحَ معاوية بوثيقة الصلح عام 40هـ، واستمر الحسين بالصلح مع معاوية لعشر سنوات بعد وفاة أخيه الحسن، ثم يأتي ابنه علي بن الحسين السجّاد، وهو يدعو الله تعالى لبني أمية في حفظ ثغور المسلمين قائلا كما ورد في الصحيفة السجادية: «اللهم حصّن ثغور المسلمين بعزتك، وأيّد حماتها بقوتك، وأسبغ عطاياهم من جدّتك، وكثّر عدّتهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم، ودبّر أمرهم واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، وألطف لهم في المكر». بل قد جاء في تفسير الحسن العسكري: «لقد قال الله لموسى: يا موسى أما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم كفضلي على جميع خلقي، وفضل صحابة محمد على جميع صحابة المرسلين كفضل آل محمد على جميع آل النبيين، وفضل محمد على جميع المرسلين».
ويذكر المؤلف مرجعيات شيعية عربية مثل محمد باقر الصدر الذي كان مجتهدا يتعايش مع الناس ويواكب تطور المرحلة والعصر كما في كتابيه، «فلسفتنا» و«اقتصادنا»، وكان مجددا ناقدا في المجال الحوزوي الديني، حريصا على وحدة المسلمين، ويرفض ثقافة التكفير والبغضاء.
* مدير معهد تاريخ الطب والعلوم عند العرب والمسلمين،
ومؤلف معجم الفردوس.