هيفاء أصيبت في عمليتي اغتيال عامي 2004 و2005.. وأبو صالح اعتزل المساجد

ناجون من حوادث التفجير في لبنان يروون لـ «الشرق الأوسط» تجاربهم

لبناني يساعد فتاة مصابة للخروج من موقع التفجير في ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
لبناني يساعد فتاة مصابة للخروج من موقع التفجير في ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
TT

هيفاء أصيبت في عمليتي اغتيال عامي 2004 و2005.. وأبو صالح اعتزل المساجد

لبناني يساعد فتاة مصابة للخروج من موقع التفجير في ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)
لبناني يساعد فتاة مصابة للخروج من موقع التفجير في ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

«للحظة كدت أكون أنا الخبر»، عبارة تتكرر مع كل تفجير أو عمل إرهابي يستهدف الناس. اللحظات الأخيرة قبل انفجار السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة المزروعة في الشوارع، يرويها أناس عايشوا الموت في ثوان قليلة وهم أحياء، وفي كل تفجير قصة.
نجت هيفاء مجبور من الموت مرتين، المرة الأولى كانت في عام 2005 حين اغتيل الشهيد الرئيس رفيق الحريري، والمرة الثانية كان وجودها في وسط العاصمة بيروت، بالقرب من الانفجار الذي أودى بحياة مستشار الرئيس سعد الحريري، الوزير الشهيد محمد شطح. فبعد 8 أعوام من اغتيال الحريري، يصادف وجود المرأة نفسها في المنطقة التي استهدفت بسيارة مفخخة، فأصيبت بجروح نقلت على أثرها إلى المستشفى للعلاج.
عند اغتيال الحريري، كانت هيفاء في المكتب نفسه الذي كانت فيه لحظة اغتيال شطح، مع فارق بسيط أن المسافة التي تبعد بين مكتبها وموقع اغتيال الحريري تتعدى المائتي متر، بينما لا تتعدى المسافة بين مكتبها في ستاركو وموقع اغتيال شطح أمتارا عدة. في المرة الثانية، كان صدى الانفجار أكبر، وتسبب في تناثر الزجاج في أرجاء المكتب كافة، مما أدى إلى إصابتها وزملاء آخرين معها، في حين لم يصب المرة الماضية (انفجار الحريري) أحد غيرها، بسبب تصدع الزجاج ذاته الواقع وراء كرسي مكتبها. وبسؤالها عما إذا كانت نجاتها ستدفعها إلى مغادرة لبنان تلبية لدعوة ابنها المقيم بالولايات المتحدة الأميركية منذ شهرين، تؤكد هيفاء مجبور أنها متمسكة بهذا البلد ولن تغادره.
تقول لـ«الشرق الأوسط»: «عشت تجربة الموت مرتين ونجوت منه، مع إصابات طفيفة في الظهر». تعاني هيفاء إرهاقا وتعبا نفسيا، فهي لم تلبث أن نسيت قساوة الجراح التي خلفها اغتيال الحريري، حتى عادت واسترجعت المشاهد ذاتها، ولكن الضحية هذه المرة مختلفة. بعد الانفجار، أصبحت تتناول دواء مهدئا لنسيان المشهد المخيف الذي عاشته وللتخفيف من وطأة صدمة الصور التي اختزنت في ذاكرتها. تقول بحزن عميق: «الاغتيال الأول استهدف رمزا من رموز لبنان العظيمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان قائدا ومحبا من الجميع لذلك. فإن قسوة هذا الانفجار كان أشد صعوبة من انفجار ستاركو الذي حدث منذ أيام، لقد تألمت مرتين، ورغم ذلك سأبقى في بلدي لبنان ولن أذهب إلى أي مكان آخر».
ندى، فتاة عشرينية كادت تقع ضحية انفجار استهدف الأبرياء في منطقة الرويس، صعدت سيارة الأجرة في «النهار المشؤوم» كما تسميه متجهة إلى منزلها في الشارع المقابل لمكان وقوع الحادث، لم تكن تتوقع أن تضع عبوة أو سيارة مفخخة أو رصاصة نهاية لحياتها، إلا أن لحظة سماعها صوت التفجير قبل دقائق قليلة لعبور سيارة الأجرة المكان الذي لا بد المرور به للوصول إلى مكان إقامتها، غيرت كل توقعاتها. تروي لـ«الشرق الأوسط» اللحظات الأخيرة قبل الانفجار: «عندما وصلنا إلى شارع.. فجأة سمعت صوتا مدويا تيقنت لحظتها أنه صوت ناتج عن انفجار ضخم، تفحصت نفسي لأطمئن أن لا شيء أصابني، وفي لحظة خوف لم أفكر سوى في أهلي وإمكانية الاتصال بهم، لكن هاتفي لم يكن مشحونا فاستخدمت هاتف السائق. والمضحك المبكي هنا، أنني ومن شدة الهلع والرعب نسيت رقم والدتي، فنزلت من السيارة وذهبت راكضة إلى منزلي لأقول لأمي إني بخير».
فهمت ندى أن الموت كاد يتمكن منها وأنه قريب جدا من الإنسان، يفاجئه دون علم أو إشارة. الدمار يعم المكان والسيارات تتآكلها النيران دخلت إلى المنزل وجلست أمام التلفزيون لتتابع الأحداث: «كنت أنظر إلى كل جريح وأقول لنفسي: كدت أكون أنا الخبر، دقائق وأموت، لكن ضحية ماذا ومن؟ ولماذا هذا التفجير لا يقتل إلا الأبرياء منا؟».
طرحت ندى أسئلة كثيرة محيرة ومخيفة رافقتها طيلة شهر مع رعب من حدوث تفجير جديد. في كل مرة، تخرج من المنزل وتصعد في سيارة أجرة تبقى على الباب، متوقعة أن تكون مفخخة، خصوصا أن الفترة التي لحقت تفجير الرويس رافقتها إجراءات أمنية مشددة لحواجز حزب الله وعناصره الذين يدققون في كل خارج وداخل إلى منطقة الضاحية الجنوبية. بعيدا عن الضاحية الجنوبية لبيروت، منطقة طرابلس في أقصى الشمال اللبناني، لم تسلم من سلسلة التفجيرات التي طالت مناطق كثيرة من لبنان، وأبرزها تفجير مسجدي التقوى والسلام.
رجل خمسيني ضخم القامة ذو لحية يمشي في طرابلس، كان يقصد جامع السلام بشكل يومي لممارسة طقوسه الدينية والتقرب من الله. لم يعتقد أن أحدا سيتجرأ على تدنيس حرمة المساجد وتدمير بيت الله فكان يشعر بأنه بأمان داخل المسجد. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في كل مرة، كنت أجلس في الوسط قريبا من الشيخ الذي يؤم الصلاة، ولكن في ذاك اليوم أقفلت فرن الخبز وقصدت صديقا لي في المتجر القريب من مكان عملي لنذهب معا إلى الصلاة، وعندما وصلنا جلسنا في مكان قريب من الباب، لذلك أصبت في رأسي عند حصول الانفجار وشظايا تطايرت وأصابت عددا من المصلين».
عند خروج العم أبو صالح من المسجد، لم تصدق عيناه ما رأته من مشاهد مروعة كأنها لوحة بانورامية دراماتيكية محزنة ومخيفة، على حد قوله. «منذ لحظات، كانت عاصمتي بألف خير، فجأة انقلبت الأحوال وأصبحنا نعيش في بلد، الأعداء فيه هم إخوان في الوطن. أصوات سيارات الإسعاف التي هرعت إلى المنطقة لنقل الجرحى، والدفاع المدني الذي كان يحاول إطفاء النيران، لا تزال ترافقني حتى اليوم. ولن أنسى أبدا مشهد أحد الشبان يحمل لعبة أخته الصغرى ويبحث عنها بين الأشلاء والجثث يناديها (ارجعي لدقائق، أريد فقط أن أعطيكي لعبتك أين أنت؟!). بعد تلك المشاهد، لم أعد أصلي في الجوامع، أصبحت التزم الصلاة في المنزل أو في الفرن حيث مكان عملي، وأخاف التنقل حتى إنني أحدثت حالة من الخوف الرعب لدى أولادي فأصبحوا يخافون السيارات الغربية والأماكن البعيدة».
ينهي حديثه مبديا أسفه على الأرواح التي تزهق يوميا متسائلا: «لماذا لا يستهدف المجرم إلا الأبرياء منا ويحولنا إلى أرقام وأعداد يسجلها على أجندته الإرهابية ويتحدث عن نجاحاته المجرمة مع أمثاله من المجرمين؟».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».