غل يخلط أوراق خلافة إردوغان بإعلانه العودة إلى حزب العدالة والتنمية

مصادره لـ («الشرق الأوسط») : ترؤسه الحكومة يرتبط بعودته إلى البرلمان

متظاهرون يحملون لافتة تقول «ستسقط مثلما صعدت» في مسيرة لطلاب أتراك وسط أنقرة أمس ضد انتخاب إردوغان رئيسا (أ.ف.ب)
متظاهرون يحملون لافتة تقول «ستسقط مثلما صعدت» في مسيرة لطلاب أتراك وسط أنقرة أمس ضد انتخاب إردوغان رئيسا (أ.ف.ب)
TT

غل يخلط أوراق خلافة إردوغان بإعلانه العودة إلى حزب العدالة والتنمية

متظاهرون يحملون لافتة تقول «ستسقط مثلما صعدت» في مسيرة لطلاب أتراك وسط أنقرة أمس ضد انتخاب إردوغان رئيسا (أ.ف.ب)
متظاهرون يحملون لافتة تقول «ستسقط مثلما صعدت» في مسيرة لطلاب أتراك وسط أنقرة أمس ضد انتخاب إردوغان رئيسا (أ.ف.ب)

أعاد رئيس الجمهورية التركي عبد الله غل خلط الأوراق في ملف خلافة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان الذي أظهرت النتائج غير الرسمية فوزه بمنصب الرئيس الـ12 للبلاد، بإعلان غل رغبته بالعودة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد انتهاء ولايته في 28 أغسطس (آب) الحالي ما عد مؤشرا لرغبته بترؤس الحكومة، فيما أعلن عن الدعوة إلى مؤتمر عام للحزب الحاكم قبل نهاية ولاية الرئيس بيوم واحد لتسمية الشخصية المكلفة ترؤس الحكومة بعد إردوغان، في إشارة واضحة إلى رغبة الأخير بالبقاء في منصب رئيس الحكومة رغم حيازته لقب الرئيس المنتخب.
غير أن عودة غل إلى الحكومة دونها عقبات أبرزها أنه ليس عضوا في البرلمان، وهي صفة ينص القانون التركي على وجودها في شاغل منصب رئيس الوزراء الذي يجب أن يكون أيضا رئيسا للحزب الذي يمتلك الأكثرية البرلمانية. ويمكن حل هذه المشكلة عن طريق استقالة أحد نواب الحزب الحاكم في دائرة فردية وترشح غل ليحل مكانه، أو انتظار نهاية ولاية البرلمان بعد نحو 10 أشهر، وهو ما رجحته مصادر الرئيس التركي، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن غل تجاوب مع مطالب قيادات الحزب بإعلان «إبقاء الخيارات مفتوحة» مشددة على أنه ما يزال من المبكر الحسم في هذا المجال.
ويعيد موقف غل إلى الساحة خيار «الرئيس المؤقت» للحكومة التركية لتمضية الفترة المتبقية من ولاية البرلمان الحالي التي تنتهي صيف العام المقبل، إلا في حال حصول انتخابات برلمانية مبكرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل كما تقول بعض التوقعات.
وأعرب الرئيس التركي أمس عن نيته العودة إلى صفوف حزبه «العدالة والتنمية»، مشيرا إلى أن تركيا ستتابع طريقها بقوة في كافة المجالات، في تصريح قد يعد مؤشرا على إمكانية توليه منصب رئيس الوزراء، خلفا لرجب طيب إردوغان الفائز في الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأحد بحسب النتائج الأولية. وقال خلال لقائه بصحافيين في قصر تشانكايا الرئاسي، حيث أوضح غل أن فترته الرئاسية اتسمت بالنشاط والحركة بشكل قل نظيره في الفترات الرئاسية السابقة.
وأوضح غل أنه حينما تولى منصب رئيس الجمهورية لم يكن سياسيا مستقلا، بل إنه أحد الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو أول رئيس وزراء يخرجه الحزب بعد تأسيسه، وأول رئيس جمهورية يتولى هذا المنصب بدعم منه، معربا عن سعادته بتمكن «العدالة والتنمية» من إخراج رئيس جمهورية ثان.
إلى ذلك، أعلن نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، حسين جليك، أن الحزب سيعقد مؤتمره العام الطارئ في 27 أغسطس الجاري.
وقال في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة التركية أنقرة: «لم نبحث اليوم في لجنة الإدارة المركزية للحزب مسألة الأسماء (المرشحة لرئاسة الوزراء)»، مضيفا أن «رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان الفائز في الانتخابات الرئاسية، سيجري مشاوراته مع أعضاء لجنة الإدارة المركزية، واللجنة المركزية للحزب، ونوابنا في البرلمان، ومع باقي المسؤولين في الحزب»، مشيرا إلى «أنه وبناء عليه سيجري التوافق على شخصية تُقدم في المؤتمر العام الطارئ».
وأوضح أن رئاسة إردوغان للحزب ستنتهي في 28 أغسطس الجاري بعد تسلم مهامه (الرئاسية) بشكل رسمي وأدائه اليمين الدستورية في البرلمان، مضيفا أن تسلم المهام هو الأساس، لافتا إلى أنه خلال هذه الفترة (حتى أداء اليمين) يتمتع الرئيس الحالي (عبد الله غُل) بكافة صلاحياته.
وفي الإطار نفسه، قال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج إن رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان أصبح بطلا شعبيا بحصوله على الأغلبية في الانتخابات الرئاسية، بعد سنوات قضاها كرئيس حكومة قوي، مضيفا: «إن تحالف 14 إلى 15 حزبا وجهات داخلية وخارجية ضده لم تأت بنتيجة».
ووصف أرينج في لقاء مع قناة «تا را تا» التركية، مساء الأحد، الانتصار الذي حققه إردوغان في هذه الانتخابات بالأمر الذي يدعو للسعادة، لافتا إلى أن هذا الانتصار هو التاسع على التوالي منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد.
في المقابل، اعترفت المعارضة التركية بخسارتها «المواجهة الرئاسية». وأكد رئيس حزب الحركة القومية، المعارض، دولت بهجلي، احترام حزبه للدولة بشكل دائم، وللخيار الديمقراطي للشعب التركي، في معرض تعليقه على فوز رئيس الوزراء، رجب طيب إردوغان، بانتخابات رئاسة الجمهورية، وفق نتائج غير رسمية.
وشدد بهجلي، على أن علاقة حزبه ستتسم بالرسمية البحتة، حيال رئيس الجمهورية، مشيرا إلى أنها لن تكون حميمية، طالما لم تتبدد الشبهات بحق إردوغان، على خلفية أحداث 17 - 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي (التي شهدت توقيفات بدعوى فساد). وأضاف بهجلي: «إن هذا الشخص تدور حوله الشكوك والشبهات، بحيث لا يمكننا اعتباره رئيسا للجمهورية في ضمائرنا، حتى لو خرج فائزا من صناديق الاقتراع، فالديمقراطية ليست أرضية لتبرئة الذمة من السرقة» على حد تعبيره.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».