رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة

رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة
TT

رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة

رفيق الظل: شهيق الزرقة الأخيرة

تشهقُ به الزرقة،
ولا تنقذ روحَه سوى الشجرة.
تمحو موتَ المشهد في عينيه،
تتراءى رويدا رويدا،
يراها وهي تعبرُ البرزخَ بساقين عاريتين،
يزحف الشهيق إلى صدره،
فيسقط على أغصانها جثةً حالمة.
لم يعد متاحا لنا التمييز،
أيُّتها الأشجار وأيُّتها الجثث،
التدافع ذاته، الغابة ذاتها، الوحوش تختلف.
لا تتغير، لكنها تختلف.
يبقى لنا شهيقٌ واحدٌ قبل كل شيء.
يبقى لنا الشهيق.
هل اقتربتَ من نهر الدم الذي سفكوه كي يجري تاريخهم،
هل تجرؤ على اغتراف قطرة واحدة؟
إنْ شربتها، يهتف بك الشيطان. هل تفعل ذلك لتصير سيدا في ليل الدخان، أم أنّك تفضّل انتظار مطر في سحابة كاذبة، أنها تأتي؟
هذا تاريخكَ يتلوى مثل ثعبان عملاق، يهشم مدنا كنت تظنها حصن ماضيك. وهذا يومك يتراجع ليصير أمسك الذي أشحتَ بوجهك عنه وقلت إن الحقيقة ملكك وحدك، وإن سرَّ ما جرى مدفون في بئرٍ عميقة لا قرار لها. وإن الذي يطمسه التاريخ لا يعود يظهر أبدا. لكن الحقيقة لا تموت، حتى لو ردموها بأطنان من الورق المزيّف. فالقاتل يظهر من جديد، ونسله الشيطاني يتغذى في العتمة منتظرا نار الإشارة.
كل ذلك يحدث لأن من كتبوا سيرة المجد، ورصّعوها بالبرد والزمرد، أغفلوا، وتغافلوا عن الخطأ باعتباره بقية الصواب، حتى ظنَّ الناس أن القتلة الذين حكموا التاريخ كانوا ملائكة، والناس هم من بقايا الرعية. ولا أحد يجرؤ اليوم، بعد مئات السنين، على قول: لا، لمن قالوا في ذلك الزمان: نعم.
شهيقٌ أخير في مواجهة ما بقي من زيت المصباح،
يعتلي اسمه بكل ضراوة،
ثم يختفي في جموع صلاة الجنازة.
وعلى هضبة بعيدة،
كان هناك قميصٌ مبقّع بضفائرَ من حِناء.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.