الرئيس الفرنسي يؤكد التزام بلاده بتسهيل الإجراءات على المستثمرين السعوديين

شدد على دعم استقرار السياسات الضريبية وضرورة زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين

الرئيس الفرنسي يعقد اجتماعا مع قطاع الأعمال السعودي بمقر مجلس الغرف السعودية بالرياض
الرئيس الفرنسي يعقد اجتماعا مع قطاع الأعمال السعودي بمقر مجلس الغرف السعودية بالرياض
TT

الرئيس الفرنسي يؤكد التزام بلاده بتسهيل الإجراءات على المستثمرين السعوديين

الرئيس الفرنسي يعقد اجتماعا مع قطاع الأعمال السعودي بمقر مجلس الغرف السعودية بالرياض
الرئيس الفرنسي يعقد اجتماعا مع قطاع الأعمال السعودي بمقر مجلس الغرف السعودية بالرياض

كشف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عن خريطة طريق للعلاقات السعودية - الفرنسية، مشددا على ضرورة استثمارها من قبل رجال الأعمال في البلدين لمواكبة الإرادة السياسية.
وأكد التزام حكومته بالعمل على استقرار السياسات الضريبية وتسهيل الإجراءات على المستثمرين السعوديين، مؤكدا أنه وخادم الحرمين الشريفين وضعا خريطة طريق للتعاون بين البلدين، داعيا رجال الأعمال من البلدين لاستثمار هذه الإرادة السياسية والزخم الكبير لتطوير ودفع علاقات التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية.
وبيّن أهمية العلاقات السعودية - الفرنسية من منطلقات دور البلدين في الأمن والاستقرار والسلام على الصعيد العالمي، منوها بما تلعبه السعودية على صعيد الاقتصاد العالمي باعتبارها البلد العربي الوحيد في مجموعة العشرين التي ترسم السياسات الاقتصادية العالمية.
ولفت هولاند إلى دور السعودية كأكبر منتج للنفط بالعالم وجهودها في الحفاظ على أسعار عادلة له تحقق مصالح الدول المنتجة والمستهلكة، مذكرا بزيارة الملك فيصل - رحمه الله - لفرنسا ولقائه الجنرال ديغول، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 8 مليارات يورو.
جاء ذلك لدى حديث الرئيس الفرنسي أمام حشد كبير من رجال الأعمال من البلدين، نظمه مجلس الغرف السعودية، أمس، بمقره في الرياض؛ أوضح فيه أن لقاءه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، تطرق للتعاون في مجال الصناعات الغذائية في ضوء سياسة السعودية نحو توفير الأمن الغذائي.
ونوه بضرورة التعاون في مجال الطاقة المتجددة والنظيفة في ظل توجه المملكة نحو مصادر بديلة للطاقة وإمكانية مشاركة الخبرات الفرنسية في هذا الجانب، وتطوير مشاريع كبيرة للطاقة المتجددة، إضافة لاستعداد فرنسا للتعاون مع السعودية في مجال مشاريع الطاقة النووية.
وأكد وجود فرص لتوسيع مجال التبادلات التجارية، لا سيما أن السعودية لديها برنامج كبير لتطوير البنى التحتية يستجيب لاحتياجات المواطنين وللاقتصاد السعودي، ويمكن للشركات الفرنسية المشاركة في مثل هذه المشاريع في مجالات كالطاقة والبنية التحتية والصناعات الغذائية، مشيرا إلى أن الشركات الفرنسية حققت نجاحات باهرة في السوق السعودية.
ودلل هولاند على الإرادة الفرنسية في إطلاق شركات صغيرة ومتوسطة فرنسية للعمل في السعودية، بجانب توقيع اتفاقية في مجال الخدمات الصحية والتدريب على المهنة الصحية، مشيرا إلى نجاح الشراكة بين أرامكو السعودية وشركة توتال في مجال التكرير والبتروكيمايات.
من جهته، قال الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية السعودية: «إن من أهم الخطوات التي آمل أن تحقق النمو في التبادل التجاري بين فرنسا والسعودية، وكذلك بين السعودية وبقية دول الاتحاد الأوروبي؛ الانتهاء من توقيع اتفاقية لمنطقة التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي».
وأضاف في تصريحات صحافية بهذه المناسبة: «إننا في هذه الاتفاقية قطعنا شوطا كبيرا وتبقى فقط موضوع أو موضوعان على الأكثر، ونأمل الانتهاء منها، وإذا تمت ستحقق زيادة في التبادل التجاري بين الخليج وأوروبا».
وأكد وزير المالية السعودي أن المعوق الرئيس هو إصرار دول الاتحاد الأوروبي على حصول تنازلات في مسائل معينة من دول مجلس التعاون، قاطعا بعدم إمكانية تحقيقها. ولفت إلى وجود اتفاقيات أخرى مهمة، مثل اتفاقية تفادي الازدواج الضريبي، مشددا على أهميتها للاستثمار، مبينا أن فرنسا أول دولة وقعت مع السعودية هذه الاتفاقية.
ونوه الوزير السعودي بأنه كان في تلك الاتفاقيات بعض نقاط الضعف، مؤكدا وصول الطرفين إلى اتفاق حولها قبل عدة أعوام اقتضت تعديل الاتفاقية، مفترضا أنه لا بد لها من أن تسهم في زيادة التبادل الاستثماري، مشيرا إلى أن هناك استثمارات كبيرة بين البلدين، متوقعا زيادتها في المستقبل.
وفي هذا الإطار، قال المهندس عبد الله المبطي، رئيس مجلس الغرف السعودية، لـ«الشرق الأوسط»: «هناك لجنة فرنسية - سعودية مشتركة حكومية ومجلس الأعمال السعودي - الفرنسي، يعملان بآليات معينة وودنا توصيلها للرئيس الفرنسي، وتعامل معها بمنتهى الحماس، ووعد بدراستها في إطار دول الاتحاد الأوروبي».
وأوضح أن بلاده تطمح إلى امتلاك التقنية الفرنسية كلبنة من لبنات خريطة طريق عمل اقتصادي بين فرنسا والسعودية، ما من شأنه خلق فرص أعمال واستثمار كبيرة لرجالات الأعمال في البلدين، مشيرا إلى أن بعض الشركات السعودية أسهمت في إنقاذ بعض الشركات الفرنسية التي كانت على شفا الانهيار بفعل الأزمة المالية العالمية.
وأضاف أن الجانب السعودي يرغب في تشجيع الشركات السعودية على الاستثمار في فرنسا لتعزيز وخلق فرص عمل للسعوديين ولنقل وتوطين الخبرات والتقنيات المختلفة. وأكد العمل على زيادة الفرص الاستثمارية وإزالة كافة المعوقات التي تعيق استثمار الشركات السعودية في فرنسا، داعيا للنظر في شكوى رجال الأعمال من تعقيد وتغير قوانين الضرائب الفرنسية، ما يؤثر في الإدارة المالية والسيولة لدى تلك الشركات.
يشار إلى أنه وقعت 9 اتفاقيات تعاون بين جهات حكومية وخاصة سعودية وفرنسية في مجالات الطاقة والمياه والتعليم والنقل وتخطيط المدن والقوى العاملة، بحضور الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي، ونيكول بريك، وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية.
كما وقعت اتفاقية تعاون بين شركتي أريفا وإي دي إف الفرنسيتين وعدد من الجامعات السعودية «جامعة الملك سعود، جامعة الأمير محمد بن فهد، كلية دار الحكمة، جامعة عفت»، وذلك في مجال تنظيم دورات أكاديمية وتدريبية للطلاب السعوديين في مجال الطاقة النووية.
ووقعت مذكرة تفاهم بين عدد من الشركات السعودية والشركات الفرنسية، منها: شركة الكهرباء الفرنسية والشركة الدولية للطاقة، وذلك للشراكة في مجال الطاقة النووية.
ووقع عقد تجاري بين شركة المياه الوطنية وشركة ايترون الفرنسية لتوريد عدادات مياه ذكية، بجانب توقيع اتفاقية بين شركة موفيكن الفرنسية وكانو السعودية للنقل لإنشاء وكالة تجارية لدول مجلس التعاون الخليجي في مجال نظم المعلومات لشبكات النقل في المناطق الحضرية.
كذلك وقعت مذكرة تفاهم للتعاون الصناعي في مجال معالجة المياه والصرف الصحي والطاقة والنفايات بين شركة فيوليا الفرنسية وشركة الاستثمار الدولي القابضة، واتفاق لإنشاء مصنع بلازما بالسعودية بين شركة LFB الفرنسية وشركة LFB السعودية، إلى جانب اتفاق للتعاون مع وكالة للتنمية الدولية للشركات الفرنسية، وإنشاء قسم مستشاري التجارة الخارجية الفرنسية في السفارة الفرنسية.
وأحاط الجانب السعودي الفرنسيين خلال ورشة عمل حول الطاقة والمياه حضرها مستثمرون من الجانبين، بالمشاريع التي تعمل عليها السعودية والمؤشرات الاقتصادية، كضخامة الميزانية وتزايد النشاط الاقتصادي وتطور مشاريع البنية التحتية.
ونوّهت الورشة بالتحديات التي تواجهها المملكة في هذه القطاعات المتمثلة في تزايد الطلب على الطاقة والكهرباء والمياه بسبب التوسع في المشاريع الصناعية وتزايد معدل نمو السكان والمدن، وتمت الإشارة لتوجه السعودية نحو مشاريع الطاقة المتجددة.
واستعرضت الفرص الاستثمارية بالسعودية في مجال إنشاء محطات الكهرباء والمياه والطاقة والغاز وغيرها، فيما أكد الجانب الفرنسي اهتمامه بالسوق السعودية ورغبته في مشاركة خبراته المختلفة مع الشركات السعودية.
وناقشت ورشة العمل الثانية الفرص الاستثمارية المتاحة في مجالات النقل والخدمات الصحية والتعليمية والتنمية الريفية والبيئة والموارد البشرية، وذلك من خلال عرض قدمه مختصون في عدد من الجهات الحكومية والخاصة، تناول استراتيجية النقل في السعودية.
واستعرضت الورشة المشاريع التي نفذت خلال الأعوام الماضية وما يجري تنفيذه حاليا، خاصة في كل من الرياض وجدة والدمام، مثل تطوير مشاريع الإنفاق والسكك الحديد، بجانب مترو مكة والرياض. كما استعرضت احتياجات السعودية في المجال الصحي، الذي يزخر بفرص متنوعة للشراكة، وكذلك الحال بالنسبة لقطاع التعليم الذي بحاجة إلى تطوير في جانب الخدمات التعليمية، فيما ركز الجانب السعودي على وجود تحديات ماثلة في مجال التطوير التكنولوجي والبيئة.
واستعرض الجانب الفرنسي أهم الشركات العاملة بالسعودية في مجالات النقل كالسكك الحديد والمترو والصحة والمياه والتخلص من النفايات، مبينا ما تتمتع به فرنسا من إمكانات كبيرة في تلك المجالات، مشيرا إلى أنه يسعى إلى بناء مصانع صديقة للبيئة ومستشفى رائد سعودي - فرنسي.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.