سياسيون وخبراء عراقيون يبحثون عن مخرج للمأزق السياسي

عزوا مشكلات البلاد بالدرجة الأولى إلى الإشكالية التي يعانيها الدستور

سياسيون وخبراء عراقيون يبحثون عن مخرج للمأزق السياسي
TT

سياسيون وخبراء عراقيون يبحثون عن مخرج للمأزق السياسي

سياسيون وخبراء عراقيون يبحثون عن مخرج للمأزق السياسي

عد سياسيون وأكاديميون عراقيون أن المأزق الراهن الذي تمر به البلاد ناتج عن الخلل الكبير في مجمل العملية السياسية وهو ما خلف آثارا جسيمة على مهمة البناء الوطني بدءا من الإشكالية التي يعانيها الدستور العراقي (كتب عام 2005).
وقال مهدي الحافظ، عضو البرلمان العراقي ووزير التخطيط الأسبق، في ندوة نظمها «معهد التقدم للسياسات الإنمائية» أول من أمس وحضرتها «الشرق الأوسط»، إن «العراق كان ينبغي أن يتبنى استراتيجية للبناء الوطني تهدف بالدرجة الأولى إلى التخلص من آثار وعيوب النظام السابق وتطرح منهجا سياسيا واقتصاديا يتلاءم مع حاجات البلد وموارده المتوفرة». وأضاف الحافظ أن «المشكلة الأساسية تكمن في الدستور العراقي النافذ الذي هو خلاصة لأجواء غير طبيعية كانت قد سادت عملية صياغته وتشريعه». ونقل الحافظ عن وزير التجارة والدفاع والمالية العراقي السابق علي علاوي الذي كان جزءا من آلية التغيير الذي حصل بعد عام 2003 قوله، إن «الدستور جرت صياغته من قبل أناس تعودوا على عقد الصفقات وراء الأبواب المغلقة»، وبالتالي فإنه يحمل «علامات لسلسلة من الصفقات لنافذين سياسيين، فضلا عن أنه تعثر بشأن العناصر التي يتكون منها ميثاق عراقي جديد».
وشن الحافظ الذي كان رئيس السن للبرلمان الحالي في جلساته الأولى هجوما عنيفا على الدستور العراقي وذلك لجهة تناقض مواده ومنها المادتان 111 و112 المتعلقتان بالنفط والغاز، مشيرا إلى وجود تناقض حاد بين رؤية الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل بشأن المادتين، الأمر الذي أدى إلى بروز خلافات عميقة بين الطرفين ترتب عليها هدر واضح للموارد المالية الوطنية. كما أن اتباع «سياسة التوافق» أدت، من وجهة نظر الحافظ، إلى «الابتعاد عن المناخ الديمقراطي الصحيح لأن التوافق بصيغته المعتمدة حاليا عبارة عن شكل من أشكال المحاصصة الطائفية والعرقية». ويرى الحافظ أن كتابة الدستور بالطريقة التي جرت صياغته بها ترتب عليها «بناء مؤسسات الدولة على أسس خاطئة هي لصالح الانحياز الطائفي بالدرجة الأولى».
وفي سياق ما يجري الآن في البلاد في إطار ما بات يعرف في الأوساط السياسية والأكاديمية العراقية بـ«انتكاسة الموصل» التي جرى احتلالها من قبل «داعش» في العاشر من يونيو (حزيران) الماضي، أوضح الحافظ أن «انتكاسة الموصل إنما هي سبب رئيس من أسباب غياب الأمن وعدم الاستقرار ولا يمكن إيجاد حل لها من دون أن يعاد النظر في سياسة الوحدة الوطنية والإصغاء للمطالب المشروعة للطوائف المختلفة». ويرى الحافظ أن «(داعش) وأخواتها لم تأت من فراغ بل هي تتويج لسياسات وممارسات خاطئة أدت إلى الحالة المزرية التي تمر بها البلاد».
وفي حين شدد حسن الجنابي، ممثل العراق السابق في منظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، خلال مداخلته في الندوة على أهمية «النظر إلى المستقبل على صعيد تبني سياسات جديدة من شأنها أن تخرج البلاد مما تعانيه اليوم والسعي إلى تخطي الماضي وعقده»، فإن عضو لجنة كتابة الدستور فائزة باباخان كشفت خلال مداخلتها عن أن «المدة التي كان ينبغي كتابة الدستور خلالها هي سنة غير أن هناك من عمل على تقليص المدة إلى نحو ثلاثة أشهر وهو ما انعكس على الدستور بشكل كامل»، مشيرة إلى أن «من بين أهم ما لفت النظر هو أن الصياغة التي يجري الاتفاق عليها داخل اللجنة يجري تغييرها من قبل جهة أخرى، وهو ما يعني أن هناك من كان يتحكم في الصيغة النهائية لمواد الدستور من غير اللجنة المكلفة».
من جهته، دعا علي الرفيعي، رئيس التيار المدني الديمقراطي (أربعة مقاعد في البرلمان العراقي)، إلى «ضرورة إصلاح العملية السياسية لأن العراق الآن عند مفترق طرق وهو ما يقتضي من الجميع الانتباه إلى ما يجري على كل المستويات ولعل الأهم في ذلك هو الخروج من مأزق المحاصصة والتوافقية التي أدت إلى كل ما نعيشه اليوم من مآس وكوارث».
وفي السياق نفسه، أكد رائد فهمي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، أن «الأوضاع في العراق باتت اليوم بحاجة إلى تغيير جذري في قواعد العمل السياسي في العراق باتجاه الخروج من نفق المحاصصة ومحاربة الفساد والانطلاق إلى الفضاء الوطني».
بدوره، يرى مظهر محمد صالح، النائب السابق لمحافظ البنك المركزي العراقي، أن «إصلاح النظام الاقتصادي بات اليوم مطلبا جوهريا لأن من شروط البناء الصحيح هو التنمية ومن دون وضع آليات صحيحة لمحاربة الفساد وتشجيع الاستثمار والقطاع الخاص فلا يمكن توقع حصول تطور إيجابي على أي صعيد من الصعد»، محذرا من «نشوء قطاع خاص طفيلي يعتمد على السلطة فقط».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».