استقالة 3 نواب من «العدالة والتنمية».. والجيش التركي «يوبخ» رئيس الحكومة

مظاهرات في إسطنبول وأنقرة.. وإردوغان يشبه أصوات مؤيديه بالرصاص

محتجون ضد الحكومة التركية خلال مواجهات مع الشرطة في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)
محتجون ضد الحكومة التركية خلال مواجهات مع الشرطة في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

استقالة 3 نواب من «العدالة والتنمية».. والجيش التركي «يوبخ» رئيس الحكومة

محتجون ضد الحكومة التركية خلال مواجهات مع الشرطة في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)
محتجون ضد الحكومة التركية خلال مواجهات مع الشرطة في اسطنبول أمس (إ.ب.أ)

فرقت الشرطة التركية بالقوة أمس متظاهرين نزلوا إلى الشوارع في المدن الكبرى للمطالبة برحيل رئيس الحكومة رجب طيب إردوغان بعد إجرائه تعديلا حكوميا لمواجهة ما اصطلح على تسميته «أزمة الفساد» التي ضربت تركيا الأسبوع الماضي وأوقف على هامشها عشرات الأشخاص بينهم أبناء وزراء في حكومة أردوغان الذي تعرض أمس لأربع ضربات متتالية، أبرزها تدخل الجيش مجددا في السياسية لجهة إصداره بيانا اعتبره محللون «توبيخا» لإردوغان لعدم قبوله بالإجراءات القضائية، بالإضافة إلى عرقلة المحكمة العليا إجراءات إدارية اتخذتها حكومة إردوغان، واستقالة 3 أعضاء جدد من نواب الحزب الحاكم، بالإضافة إلى انتقاد أوروبي صريح للإجراءات التي اتخذتها الحكومة بعد اندلاع الأزمة.
وتدخلت قوات الشرطة، المنتشرة بأعداد كبيرة، مستخدمة خراطيم المياه والرصاص المطاطي للتصدي للمتظاهرين في الشوارع المؤدية إلى ساحة تقسيم في وسط إسطنبول، فيما احتشد ما بين 500 إلى 600 متظاهر في أنقرة مرددين هتافات تطالب الحكومة بالاستقالة دون تسجيل أي حادث، فيما كان إردوغان يلقي كلمة أمام الآلاف من أنصاره في مطار اسطنبول. ومع تزايد التكهنات بأن إردوغان ربما يدعو لانتخابات عامة مبكرة العام المقبل، دعا رئيس الوزراء أنصاره للتصويت في انتخابات محلية مقررة في مارس (آذار) في إطار ما وصفه بأنه «حرب على مؤامرة مرتبة من الخارج ومتخفية في هيئة إجراءات جنائية». وشبه إردوغان الأصوات الانتخابية بالرصاص خلال كلمة ألقاها في محافظة سقاريا أحد معاقل حزب العدالة والتنمية الحاكم. وقال «أنتم بأصواتكم ستحبطون هذه المؤامرة الآثمة. هل أنتم ملتزمون بتأسيس تركيا جديدة؟ هل أنتم مستعدون لحرب الاستقلال الجديدة في تركيا؟».
وقال إردوغان في خطاب في جامعة سقاريا بعد حصوله على الدكتوراه الفخرية «ارتكب المجلس الأعلى للقضاة وهيئة الادعاء جريمة. أتساءل الآن: من سيحاكم هذا المجلس؟ لو كنت أملك السلطة لفعلت ذلك على الفور».
وفي ضربة جديدة للحزب قدم ثلاثة من نوابه في البرلمان استقالتهم أمس، من بينهم ارطغرل غوناي الذي انتقد «الموقف المستبد والمتغطرس داخل حزب العدالة والتنمية». وكانت محكمة تركية عليا عرقلت قرارا حكوميا يقضي بأن يطلع ضباط الشرطة رؤساءهم على التحقيقات وذلك في انتكاسة لمحاولات رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان احتواء تبعات فضيحة فساد كبرى. وأبلغ مسؤول في وزارة العدل «رويترز» بأن مجلس الدولة الذي يفصل في القضايا الإدارية عرقل تنفيذ قرار الحكومة.
وذكرت وسائل إعلام تركية أن ثلاثة برلمانيين من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم تعرضوا لتهديدات بالطرد بسبب انتقاد الحكومة بشكل علني وسط اتساع نطاق التداعيات لفضيحة فساد. وقالت صحيفة «حرييت» إن الحزب قرر، أول من أمس الخميس، إحالة وزير الثقافة السابق ارطغرل غوناي والبرلماني عن ولاية أزمير اردال كالكان والبرلماني عن أنقرة خلوق أوزدالغا إلى لجنة تأديبية «بسبب تصريحاتهم الشفهية والمكتوبة التي تشوه سمعة الحزب والحكومة». وأعلن كالكان عن استقالته من الحزب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قبل صدور القرار.
وذكر التقرير أن كالكان كتب في انتقاده لرئيس الوزراء رجب طيب إردوغان «أستقيل من الحزب لأسمح لكم بأن تعرفوا أن العالم يتحرك وشعبنا ليس غبيا». وناشد أوزدالغا الرئيس عبد الله غل التدخل، واصفا المزاعم بشأن الفساد بأنها «أزمة دولة وديمقراطية».
وفي ما بدا وكأنه توبيخ ضمني لإردوغان قال قادة الجيش أمس إنهم احترموا استقلالية القضاء عندما حوكم عدد من قيادات الجيش في السابق. وقال رئيس أركان الجيش التركي في بيان «تم احترام الإجراءات القضائية المتعلقة بأفراد القوات المسلحة التركية تماشيا مع الالتزامات والمسؤوليات المنصوص عليها في القانون».
وانخفضت الليرة التركية إلى مستويات قياسية جراء الأزمة التي تفجرت قبل عشرة أيام، وتراجعت أسعار الأسهم إلى أقل مستوى منذ 17 شهرا، وقفزت تكاليف التأمين على القروض لأعلى مستوى منذ 18 شهرا. ويهدد عدم استقرار الأسواق بانتكاسة في أهم إنجازات حكم إردوغان وهو التنامي السريع للاقتصاد التركي.
إلى ذلك، دعا المفوض الأوروبي لشؤون توسيع الاتحاد ستيفان فولي السلطات التركية إلى التعامل «بشفافية وحيادية» مع التحقيقات الجارية في قضايا الفساد التي تهز منذ أكثر من أسبوع حكومة رجب طيب إردوغان. وقال فولي في بيان نشرته ممثلية الاتحاد الأوروبي في أنقرة «أحث تركيا كبلد مرشح (للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي) ملتزم باحترام المعايير السياسية للانضمام، على اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لكي يتم التعامل مع ادعاءات الفساد من دون تمييز ولا محاباة وبكل شفافية وحيادية». وأضاف أن «التغييرات التي جرت في قلب الشرطة القضائية خلال الأيام القليلة الماضية نسفت استقلالية وحيادية التحقيقات التي يقوم بها القضاء بناء على ادعاءات اختلاس وفساد». كما أعرب فولي عن «قلقه» إزاء إقصاء عشرات الضباط في الشرطة بأوامر من الحكومة خلال الأيام القليلة التي أعقبت توقيف شخصيات مقربة من الحكومة متهمة باختلاس وتبييض أموال وقضايا فساد. كما أشاد المفوض الأوروبي من جهة ثانية بقرار مجلس الدولة في تركيا بتعليق قرار حكومي يفرض على المسؤولين في الشرطة إبلاغ رؤسائهم بأي اعتقال قبل القيام به. وقال «أشيد بهذا التعليق وآمل أن يتم تطبيق قرار مجلس الدولة سريعا».



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».