الصين تفتح تحقيقا مع رئيس جهاز الأمن السابق في قضايا فساد

تشو يونغكانغ كان ضمن المسؤولين السابقين الذين انبثقوا من صناعة النفط

تشو يونغكانغ (رويترز)
تشو يونغكانغ (رويترز)
TT

الصين تفتح تحقيقا مع رئيس جهاز الأمن السابق في قضايا فساد

تشو يونغكانغ (رويترز)
تشو يونغكانغ (رويترز)

أصبح تشو يونغكانغ قائد الشرطة ورئيس أجهزة الأمن الصينية النافذة، أرفع شخصية في النظام تفقد مكانتها منذ عقود، في إطار تحقيق حول الكسب غير المشروع. وأكدت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية، أمس، أن «اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني قررت وضع تشو يونغكانغ قيد التحقيق بتهمة انتهاكات سلوكية خطيرة»، وهي صيغة تعني عادة وقائع فساد.
ولم تقدم الوكالة تفاصيل إضافية حول التهم الموجهة إلى تشو، لكنها أفادت بأن القرار اتخذ بموجب النظام الداخلي للحزب، وأن التحقيق سيجري بإشراف اللجنة المركزية للتفتيش التأديبي، أي الشرطة الداخلية للحزب الشيوعي الصيني. وكان وزير الأمن العام السابق وضع قيد الإقامة الجبرية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وفق ما كشفت آنذاك عدة وسائل إعلام، لا سيما في هونغ كونغ.
وبات تشو (71 عاما) أرفع شخصية في النظام يخضع لتحقيق منذ محاكمة «عصابة الأربعة» في 1980 التي طالت أربعة من قادة الثورة الثقافية، من بينهم جيانغ تشينغ أرملة ماو تسي تونغ. وعمل وزير الأمن العام السابق رئيسا لجهاز الأمن الصيني النافذ من 2002 إلى 2012. وكان حتى ذلك الوقت عضوا في اللجنة الدائمة في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، أحد أكثر الشخصيات نفوذا في البلاد. وفي أثناء ولايته، تجاوزت ميزانية أجهزة الأمن ميزانية وزارة الدفاع.
ويعني إعلان أمس أن تشو بات منذ فترة لم تحدد في عهدة اللجنة المركزية للتفتيش التأديبي، وهو بالتالي محتجز في مكان سري لفترة قد تصل إلى ستة أشهر، دون إمكانية الحصول على محامٍ أو الاتصال بعائلته، حتى انتزاع اعتراف منه واحتمال إحالته إلى القضاء. وهو أول مسؤول في النظام يستهدف في إطار حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس تشي جينبينغ، ويرى مراقبون أنه يستخدمها لتصفية خصومه السياسيين أيضا.
وقرر الرئيس طرد «الذباب»، أي الموظفين الصغار الفاسدين، و«النمور»، أي القياديين الرفيعين، مما ضاعف من شعبيته في بلاد تعاني من الفساد بوصفه وباء مستشريا يطال الحزب (الدولة). وصرح ويلي لام من الجامعة الصينية في هونغ كونغ: «هناك قاعدة ضمنية تمنح نوعا من الحصانة لقدامى أعضاء اللجنة الدائمة»، لكن يبدو أن «تشي بات يشعر بالقوة الكافية لإقناع مخضرمي الحزب» باستهداف تشو.
وكان تشو معروفا بقربه من بو تشيلاي العضو السابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة، العام الماضي، بتهمة الفساد، على أثر فضيحة هزت النظام. وكان بو تشيلاي ذا شخصية لامعة وعُد «نجما صاعدا» على الساحة السياسية الصينية قادرا على منافسة الرئيس الحالي. لكنه فقد حظوته في فضيحة مدوية بعد اغتيال رجل أعمال بريطاني نسب إلى زوجته.
كما لعب تشو يونغكانغ دورا رئيسا في «فصيل النفط»، أي شبكة المسؤولين الشيوعيين الذين انبثقوا من صناعة النفط وجمعوا ثروات وأقاموا علاقات سياسية متينة فنافسوا السياسة الخارجية الصينية على المستوى الدولي. وكان 13 على الأقل من مساعدي تشو السابقين في هذا المجال تعرضوا لملاحقات في الأشهر الأخيرة، مما يوحي بإمكانية تعرضه للمصير نفسه.
وقبل 2002 أدار تشو يونغكانغ إقليم سيتشوان (جنوب غرب) حيث اعتمد خطا متشددا، لا سيما في قمع طائفة فالونغونغ، التي قمعتها بكين. ونقلت مجلة «كايجينغ» الاقتصادية، أمس، أن تشو بين، نجل تشو يونغكانغ، أوقف في مدينة ييشانغ (وسط) للاشتباه في قيامه «بعمليات مالية غير مشروعة».



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»