«الباقي من الزمن ساعة» رواية قصيرة لنجيب محفوظ ظهرت عام 1982، وحديثا ظهرت لها ترجمة إنجليزية عن مطبعة الجامعة الأميركية بالقاهرة من قلم روجر ألان، أستاذ اللغة العربية والأدب العربي بجامعة بنسلفانيا الأميركية.
والرواية - على إيجازها - تندرج في باب ما يعرف باسم «رواية الأجيال» أو «الرواية النهرية» (roman fleuve)، (ولو أنى لا أحب هذه الترجمة الحرفية الأخيرة)؛ حيث يرصد الكاتب في سلسلة من الأجزاء تاريخ أسرة أو مجموعة من خلال تعاقب الأجيال على نحو ما يصنع رومان رولان في روايته «جان كريستوف»، وجورج ديهامل في «سجلات باسكييه التاريخية»، وجول رومان في «الرجال ذوو الإرادة الطيبة» من الفرنسيين، وأنطوني ترولوب، وجولزورذى، وت. ب. سنو من الإنجليز، وتوماس مان «آل بودنبروك» من الألمان.
ولا يقسم محفوظ روايته إلى فصول، وإنما هي سيل واحد متدفق يجري – بلا فواصل – من أول صفحة إلى آخر صفحة، ويتوسل بالحوار والسرد إلى رسم معالم الشخصيات وتسجيل الأحداث التاريخية.
وهذا نموذج من الرواية يصور هذا التكنيك بين يدي محفوظ: «خطاب عبد الناصر الذي يعلن فيه تنحيه عن رئاسة الجمهورية عقب هزيمة 1967: «انتظر الجميع - ملهوفين - البيان متوترين بانفعالات محتدمة، منقبة أعينهم في الظلمات عن بارقة أمل. أليس ثمة رابطة وثيقة بين لسان الرئيس والأمل؟ أجل إنه لا ينطق إلا مرسلا باقات من الآمال المنعشة. لكنه - ذلك المساء - طالعهم بوجه جديد، وصوت جديد، وروح جديدة. اندثر رجل وحل محله رجل آخر. رجل آخر يحدث عن نكسة، يشهر إفلاسا، يندب حظا».
ويقول الدكتور حلمي محمد القاعود عن طريقة محفوظ في هذه الرواية: «جنح إلى ما يسمى بالأسلوب البرقي أو «التلغرافي» الذي يهمل أو يتجاوز أدوات الربط، ويعتمد على تكثيف العبارة والحوار ليعطي دلالات أكبر ومعاني أكثر».
ويقول الدكتور مصطفى عبد الغني عن استخدام محفوظ للزمن هنا: «يلاحظ أنه لا يستخدم أسلوب الاسترجاع؛ أي لا يعود إلى الزمن الماضي أثناء توقفه عند الزمن الحاضر ليعود منه ثانية، بهدف تأكيد حدث أو استرجاع تاريخ أو حكي يخدم العمل أو يؤكده، وإنما يلاحظ أنه يستخدم هنا، على العكس من هذا الأسلوب، أسلوبا آخر نقيضا له، هو أسلوب الاستباق، أي القفز إلى الأمام دائما في حركة مطردة» (مجلة «القاهرة»، 15 ديسمبر/ كانون الأول 1988).
ويذيل روجر ألان ترجمته بكلمة نقدية تلقي أضواء على الرواية مقارنا بينها وبين «الثلاثية»، ذاكرا أن من الأحداث التي يرصدها محفوظ هنا: أثر الحرب العالمية الثانية في حياة مصر، وثورة 23 يوليو 1952، علو نجم عبد الناصر - بعد تخلصه من محمد نجيب - وانتصاراته، وكارثة الخامس من يونيو (حزيران) 1967، وأولى سنوات حكم السادات، وسياسة الانفتاح وأثرها في التركيب الطبقي والاجتماعي، وتدفق عرب الخليج على مصر للعمل أو المتعة (أو الأمران معا)، واتفاقيات كامب ديفيد، وزيارة السادات للقدس في 1977، إلخ.. كما يقدم ثبتا ببعض المصطلحات والأحداث التي تعين القارئ الأجنبي على متابعة الرواية، فهو يشرح مثلا معاني: ثورة 1919، ودستور 1923، وقوانين الإصلاح الزراعي في 1955، ومعاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، ونكبة فلسطين في 1948، وحريق القاهرة في يناير (كانون الثاني) 1952، وعبور القوات المصرية قناة السويس في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، والقوانين الاشتراكية في 1961، وقيام الجمهورية العربية المتحدة، وثورة اليمن في 1962 على حكم الإمام، فضلا عن التعريف بشخصيات من قبيل عمر بن الخطاب، وسعد زغلول، ومصطفى النحاس، والنقراشي، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وشرح كلمات مثل «البسملة»، وأماكن مثل «الحديقة اليابانية» بحلوان، والمتحف المصري بميدان التحرير، والقناطر الخيرية.
ورغم امتياز الترجمة – في مجموعها – فإنني صَكَّنِي عدد من الأخطاء فيها صَكَّا، وهذا بيانها:
- «حتى منيرة تعد وفدية بلا حماس، أما كوثر فلا تهتم إلا بما يدور في باطنها».
Kawthar on the other hand was only concerned about her stomach
فـ«باطنها» هنا تعني: داخلها أو سريرتها، لا معدتها.
- «مضى الوجيه بعروسه في سيارته المرسيدس البيضاء مودعا ببسمات متلألئة بالدموع كرمز للفرح والأسى معا».
He took his bride with him in his white Mercedes، his smiles of farewell glazed with tears that signaled his mixed emotions
البسمات المتلألئة بالدموع والمشاعر المختلطة هنا ليست بسمات الوجيه (كما يظن المترجم) وإنما بسمات أهل العروس (أبوها وأمها.. إلخ) الذين لم يكونوا سعداء تماما بهذه الزيجة، وإن وافقوا عليها.
- «قال محمد بامتعاض: اعرف وطنك، وإليك مكتبتي فهي تحت أمرك».
I know your country›، replied Muhammad in exasperation ‹My library is at your disposal›
والصواب حذف «I» فـ«اعرف» هنا فعل أمر يتوجه به محمد إلى ابنه شفيق، وليس ضمير متكلم.
- «فقال شفيق برجاء: حلمك يا بابا، كان يمكن أن يحدث أي شيء في الخارج».
‹Your dream، Papa›، pleaded Shafiq
و»الحلم» هنا يعني الصفح أو التأني أو السكون عند الغضب، لا ما يراه النائم في نومه.
ويعجب المرء أن يرتكب هذه الأخطاء مستعرب قدير مثل روجر ألان، له خبراته السابقة في التعامل مع نصوص عربية؛ إذ عكف على دراسة «حديث عيسى بن هشام» للمويلحي، وسبق أن ترجم لمحفوظ «المرايا» و«الكرنك» و«السمان والخريف» و«خان الخليلي»، ولكن لا أحد بمنجاة من الخطأ، وقد كان هوميروس ذاته - وهو أعظم شعراء الإنسانية - تأخذه أحيانا سنة من نوم أو غفلة - كما يقول التعبير الإنجليزي - فتفوته أشياء ولا يخلو من غلط ومن وهم.
نجيب محفوظ ناطقا بالإنجليزية
أخطاء في ترجمة روجر ألان
نجيب محفوظ ناطقا بالإنجليزية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة