صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن
TT

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

صراع النفوذ.. داخل مجلس الأمن

فرح العالم العربي بفوز الأردن بمقعد عضو غير دائم بمجلس الأمن، بعد حصوله على موافقة ثلثي الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعهد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة بأن يعمل الأردن للدفاع عن المصالح العربية داخل المنظمة الدولية، ووعد بالعمل على الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يضمن وحدة الأراضي السورية ووقف معاناة اللاجئين السوريين في دول الجوار.
في الوقت نفسه، وقف العالم احتراما للمملكة العربية السعودية بعد اعتذارها عن عدم شغل هذا المقعد بمجلس الأمن لازدواجية المعايير التي تحول دون قيام المجلس بواجباته. وقد أبلغ السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ببيان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وأسباب رفض السعودية للمقعد، والذي أشار فيه إلى إخفاق المجلس في معالجة الوضع في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وهي القضية التي يناقشها مجلس الأمن منذ أكثر من 60 عاما، وإخفاق المجلس في التعامل مع الأزمة السورية، واستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في قمع إرادة شعبه وقتل وتعذيب وتشريد الملايين «تحت بصر مجلس أصابه سوء استخدام نظام الفيتو بالشلل».
وطوال تاريخ مجلس الأمن لم يشهد خطوات إصلاحية سوى مرات قليلة، كانت الخطوة الأولي في الإصلاح عام 1965 بعد تصديق ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بما في ذلك الدول دائمة العضوية على زيادة عضوية الدول غير الدائمة من ستة أعضاء إلى عشرة أعضاء. وكان إصلاح مجلس الأمن قضية مدرجة بشكل دائم على جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1979، لكنها لم تحظ باهتمام كبير. ومنذ انتخاب بطرس بطرس غالي أمينا عاما للأمم المتحدة عام 1992 انطلقت مناقشات موسعة حول إصلاح مجلس الأمن وتوسعة أعضائه، وطالبت كل من اليابان وألمانيا بمقاعد دائمة بمجلس الأمن باعتبارهما ثاني وثالث أكبر مساهمين في الأمم المتحدة، كما طلبت البرازيل مقعدا دائما باعتبارها خامس أكبر بلد من حيث المساحة.
وطالبت الهند بمقعد دائم باعتبارها ثاني أكبر بلد من حيث السكان، وتسهم بشكل ثابت ومنتظم في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام. وطالبت الدول الأفريقية بمقعدين دائمين لدول القارة الأفريقية على أساس الظلم التاريخي للقارة. كما طلبت مجموعة تدعى «نادي القهوة»، ثم جماعة «متحدون من أجل التوافق» التي تضم إيطاليا وإسبانيا والأرجنتين وكندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وباكستان، بتوسعة عضوية مجلس الأمن وانتخاب أعضائه على أساس إقليمي، بما يحقق التوازن. واقترحت سويسرا مع 19 دولة تعرف بمجوعة «أكت» (ACT) بتقديم اقتراحات تتعلق بالمساءلة والشفافية في عمل مجلس الأمن. وتعددت المؤتمرات المطالبة بالإصلاح، لكن بقيت كل الأفكار والخطط ومحاولات الإصلاح محل التجميد رغم الاعتراف بأهمية وضرورة إصلاح مجلس الأمن.
وخلال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، أقر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن «جميع الدول تقريبا متفقة على أن مجلس الأمن يجب إصلاحه، لكن كيفية الإصلاح وأسلوبه فإن الدول الأعضاء غير قادرة على الاتفاق حولها»، معترفا بأن المنظمة الدولية تواجه تحديات جسيمة في إثبات مصداقيتها والعمل لمعالجة القضايا الدولية الملحة وتحقيق الأمن والسلم في العالم. وقد برهن مجلس الأمن بنفسه على عدم مصداقيته وفشله في تحقيق السلام والأمن الدوليين، ووقف المجتمع الدولي عاجزا عن التحرك لإنقاذ الشعب السوري من براثن ووحشية نظام الأسد بعد قيام الروس والصينيين باستخدام الفيتو عدة مرات لمنع إدانة النظام السوري، رغم تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بارتكاب الأسد لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ورغم التحركات الأميركية التي قادتها مندوبة الولايات المتحدة السابقة سوزان رايس لاستصدار قرار من مجلس الأمن ضد النظام السوري.
يقول المحللون إن الأسباب الرئيسة لإخفاقات مجلس الأمن تعود إلى أمرين، الأول هو نظام العضوية، والثاني هو نظام حق الاعتراض أو الفيتو. فمنذ بداية إنشاء مجلس الأمن عام 1945 أسس قواعد بتخصيص خمسة مقاعد دائمة العضوية لخمس دول هي «الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين» بعد انتصارها على ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية. ولم تتغير تلك القواعد رغم التغييرات الجيوسياسية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك التاريخ، وتغير موازين القوى اقتصاديا وعسكريا. فالاقتصادان الألماني والياباني أصبحا أكثر قوة من الاقتصاد البريطاني أو الفرنسي، ودخلت دول مثل الهند وباكستان نادي الدول النووية ولم تحظ بمقعد دائم في مجلس الأمن. وقد أثار هذا الجمود في هيكل وتشكيل المجلس جدلا كبيرا في المجتمع الدولي حول فاعلية وشرعية المجلس في قضايا الأمن الدولي مثلما حدث في تعامله مع الأزمة السورية. لذا فإن مطالبة المملكة العربية السعودية بتخصيص مقعد دائم للدول العربية في مجلس الأمن لها وجاهتها السياسية، فلا يعقل أن يستمر احتكار تلك الدول الخمس للمقاعد دائمة العضوية وتستمر في التحكم في مصير بقية دول العالم بينما تتغير موازين القوى العالمية.
يقول المحلل المخضرم جيفري لورنتي بمؤسسة «سنشري» بواشنطن - والذي عمل بمنظمة الأمم المتحدة في عهد الأمين العام كوفي أنان وكتب عدة مقالات حول إصلاح الأمم المتحدة والنظام العالمي «هناك انتقادات عديدة لهيكل مجلس الأمن الدولي، فقد تم توسيع عضوية المجلس من ستة أعضاء منتخبين إلى عشرة عام 1965، ومنذ ذلك الحين ظلت تركيبة مجلس الأمن على حالها من دون تغيير، وقد سعت قوى من الدول المتقدمة والدول النامية مثل اليابان وألمانيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا ونيجيريا للتصويت لصالح توسيع عضوية المجلس والحصول على مقعد دائم لها، ودعا آخرون للحصول على مقعد أوروبي مشترك واستبدال المقاعد الدائمة لبريطانيا وفرنسا، لكن النقاشات حول توسيع عضوية المجلس تظل دائما محكومة بالجدل حول المفاضلة بين الشرعية والفاعلية».
ويوضح لورنتي «ظهر مصطلح مسؤولية الحماية (R2P) في بداية الألفية لتبرير استخدام القوة خارج تفويض المجلس اعتمادا على مبدأ اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2005 ينص على أن الدول تتحمل مسؤولية حماية سكانها من الجرائم ضد الإنسانية، وأنه على المجتمع الدولي مسؤولية استخدام الوسائل السلمية لحماية حياة السكان المهددة إذا فشلت الدولة بشكل واضح في تحمل مسؤوليتها.. لذا ينبغي اتخاذ تدابير بموجب الفصل السابع».
ويقول «دعاة هذا المبدأ ينتقدون المجلس ويقولون إن الفيتو يعطي حقا لا مبرر له لخدمة المصالح السياسية للدول الخمس دائمة العضوية، مما يؤدي إلى التراخي في مواجهة الفظائع الجماعية، كما أن الدول الساعية لعضوية دائمة في المجلس (مثل البرازيل والهند وألمانيا) لديها وجهات نظر مختلفة حول التدخل وتسعى لخدمة مصالحها الخاصة». ويشير لورنتي إلى تجارب لفشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات في الأزمات مثل رواندا عام 1994، حيث كانت الولايات المتحدة من بين القوى التي حالت دون أن تقوم الأمم المتحدة باستجابة فورية في رواندا، مما أدى إلى مقتل 800 ألف شخص في الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد قبائل التوتسي، كما لحقت بالأمم المتحدة هزائم «مذلة» في منطقة البلقان حيث استخدمت قوات حفظ السلام كدروع بشرية في حصار سراييفو، وفشل مجلس الأمن في حماية المدنيين. لكن لورنتي يؤكد رغم تلك الإخفاقات أن سجل الأمم المتحدة في مجال بعثات حفظ السلام لا يزال قويا نسبيا.
ويشدد المحللون على أن السبب الثاني وراء إخفاق مجلس الأمن الدولي هو نظام حق النقض أو ما يعرف بحق الفيتو باعتباره أمرا يتعارض تماما مع مبدأ الديمقراطية، حيث تستطيع أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية الاعتراض على أي قرار دون إبداء أسباب، حتى لو كانت جميع دول العالم تؤيد هذا القرار. أما الدول العشر غير دائمة العضوية فواقع الأمر أنها «لا حول لها ولا قوة»، أي أنها لا تستطيع أن تفرض قرارا ولا تستطيع منع أي قرار.
يقول ريتشارد بتلر، المتخصص في الشؤون الدولية بجامعة ولاية بنسلفانيا، إنه منذ بداية عمل مجلس الأمن تم استخدام حق الفيتو 269 مرة، حيث استخدمه الاتحاد السوفياتي - روسيا الاتحادية 128 مرة، واستخدمته الولايات المتحدة 89 مرة، واستخدمته المملكة المتحدة 32 مرة، وفرنسا 18 مرة، والصين 9 مرات. ويضيف بتلر أن استخدام حق الفيتو من قبل روسيا والولايات المتحدة كان كبيرا خلال فترة الحرب الباردة. فالمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بتكوين مجلس الأمن، والتي تم تعديلها في 23 أغسطس (آب) 1965، هذا التعديل فيها وسع العضوية إلى 15 عضوا وأعطى صلاحيات فريدة من نوعها للدول دائمة العضوية، حيث يعطي ميثاق الأمم المتحدة سلطة قانونية لمجلس الأمن على حكومات الدول الأعضاء، وتعتبر قراراته ملزمة للدول الأعضاء (المادة الرابعة من الميثاق).
ويواصل «ينص الميثاق على مجموعة متناقضة من المعايير، فهو من ناحية يشير إلى فكرة المساواة بين الدول الأعضاء، والالتزام بالغرض المشترك وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، وضمان حقوق الإنسان. ومن ناحية أخرى، أعطى الميثاق امتيازات مثيرة للدهشة للأعضاء الدائمين بما يمكنهم من لعب دور المهمين».
ولفظ «فيتو» لم يرد في ميثاق الأمم المتحدة، بل ورد لفظ «حق الاعتراض»، وهو في واقع الأمر «حق إجهاض لأي قرار يجتمع عليه معظم الأعضاء في المجلس، إذ يكفي اعتراض أي دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليتم رفض القرار وعدم تمريره نهائيا حتى وإن كان مقبولا للدول الأربع عشرة الأخرى. ووفقا للمحللين السياسيين، يمثل حق النقض نقطة خلافية حساسة للكثير، لأنه يضع الكثير من السلطة في أيدي عدد قليل من الدول. وقد أعطت الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام مثالا حيا لقدرة «حق النقض» على منع التحرك الدولي لمعالجة مشكلة باتت تشكل جريمة إنسانية.
وتشدد مندوبة أستراليا لدى الأمم المتحدة فيليبا كينغ على أنها تؤيد اقتراح فرنسا لإصلاح حق النقض. وتقول «بالنظر إلى تعامل مجلس الأمن مع الأزمة السورية فإننا نؤيد اقتراح فرنسا بأن يتنازل الأعضاء الدائمون عن حق النقض طواعية في حالات الجرائم والفظائع الجماعية، وهو اقتراح له ما يبرره ويستحق مزيدا من الدراسة». وقد أيدت نيوزيلندا وآيرلندا والمكسيك هذا الاقتراح، لكن البعض دعا إلى إلغاء حق النقض بشكل كامل. ويقول نائب مندوب جنوب أفريقيا لدى الأمم المتحدة الدكتور ماشاباني إن النظام الحالي غير ديمقراطي، ويمثل نوعا من النفاق، لأن المفارقة أن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم قادة العالم الحر، وحصون الديمقراطية، هم أنفسهم يجلسون مرتاحين في بيئة غير ديمقراطية داخل مجلس الأمن. والنظام الحالي لا يخدم سوى الأجندات السياسية الخاصة لتلك الدول، ويبقي مواطني العالم رهينة للمصالح السياسية للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن».
ويطرح المنادون بالإصلاح في ما يتعلق بحق الفيتو ثلاثة اتجاهات، الأول يطالب بإلغاء حق الفيتو كلية، والثاني يرى ضرورة الإبقاء عليه للأعضاء الدائمين وعدم منحه للأعضاء الجدد إذا جرت توسعة نطاق العضوية ودخول أعضاء جدد لمجلس الأمن. أما الاتجاه الثالث فيرى ضرورة الإبقاء على حق الفيتو، لكن مع تقييد حق استخدامه وتعديل المعايير ووضع ضوابط وشروط تقنن قدرة أي دولة على استخدامه لتلافي ظاهرة سوء استخدامه أو الإسراف فيه.
في المقابل، كتب ألكسندر ياكوفينكو، السفير الروسي لدى بريطانيا ونائب وزير الخارجية الروسية (من 2005 إلى 2011)، مقالا بموقع «روسيا اليوم» الشهر الماضي، هاجم فيه أي محاولات لتغيير نظام الفيتو داخل مجلس الأمن مطالبا بأفكار تهدف لتعزيز قدرة المجلس على الاستجابة السريعة، وليس أفكارا تؤثر على امتيازات وصلاحيات الأعضاء الدائمين الحاليين في المجلس. وقال ياكوفينكو «أي أفكار تؤثر على امتيازات الدول دائمة العضوية هي أفكار غير مقبولة، لأن هذه الامتيازات هي انعكاس للمساهمة التاريخية التي قدمتها الدول الخمس لتجعل من الأمم المتحدة حقيقة ملموسة. والي جانب ذلك فإن الفيتو هو أحد العوامل المهمة التي تحفز أعضاء مجلس الأمن للسعي لاتخاذ قرارات متوازنة. وسيكون من الخطأ تاريخيا وسياسيا التعدي على هذا الحق الذي تم اعتماده للتغلب على صدور قرارات من جانب واحد، وسيكون ذلك تخريبا للأمم المتحدة». وأضاف ياكوفينكو «مسألة إصلاح مجلس الأمن لا يمكن معالجتها ببساطة عن طريق الرياضيات، وإجراء تصويت على مشروع إصلاح والحصول على أصوات ثلثي الجمعية العامة (عدد الدول الأعضاء بها يبلغ 192 عضوا)، ونحن نؤيد إصلاحا يحظى بأوسع دعم ممكن من الدول بأغلبية أكبر بكثير من الثلثين، أي أننا بحاجة لاتفاق عام، ونحن على استعداد للنظر في كل الخيارات شرط أن تكون أفكارا معقولة تقوم على التوافق ودعم جماعي داخل الأمم المتحدة».
وتقول الباحثة سونيا روثويل إنه رغم الضغوط لإصلاح الطريقة التي يعمل بها مجلس الأمن فإنه من غير المرجح أن يحدث تغيير، فالانتقادات الأساسية كما تقول الباحثة ترتكز في الافتقار لتمثيل من أفريقيا وأميركيا اللاتينية بين مجموعة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهو ما لا يعطي بذلك مجالا لقوى صاعدة وقوية اقتصاديا مثل الهند وألمانيا، وهو ما يعني أن تكوين مجلس الأمن يعكس النظام الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية والذي عفا عليه الزمن لكنه لا يزال قويا.
* خطط كثيرة للإصلاح
* في عام 2004 وبناء على طلب الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان، قدم فريق من 16 عضوا خطة لإصلاح مجلس الأمن، وقدم خيارين الأول هو إضافة ستة أعضاء دائمين جدد من دون أن يكون لهم حق الفيتو، مع إضافة ثلاثة مقاعد غير دائمة أخرى. والخيار الثاني هو إضافة ثمانية مقاعد قابلة للتجديد مرة كل أربع سنوات، وأيضا ليس لها حق النقض، وإضافة مقعد واحد غير دائم العضوية. خطة أخرى قدمتها مجموعة «متحدون من أجل التوافق»، والتي تشمل إيطاليا وإسبانيا وتركيا وكوريا الجنوبية والمكسيك والأرجنتين، عام 2005، واقترحت التوسع في العضوية غير الدائمة مع الإبقاء على الدول دائمة العضوية بوضعها الحالي، ويتم انتخاب الأعضاء الإضافيين من قبل الجمعية العامة، ـخذا في الاعتبار معيار مدى مساهمتهم في ميزانية مهمات حفظ الأمن والسلم وأيضا التوزيع الجغرافي العادل.
وتهدف الخطة إلى إتاحة مقاعد لست دول من أفريقيا وخمس من آسيا وأربع من أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وثلاث من أوروبا الغربية واثنتين من أوروبا الشرقية، وانتخاب الدول غير الدائمة لمدة سنتين من قبل مناطقها بما يوفر إمكانية فورية لإعادة انتخابها وبناء الثقة وتوفير توازن عادل إقليميا وعالميا.
ورغم ما قدمته تلك الوثيقة من إصلاح معقول فإن الاتحاد الأفريقي اعترض على مبدأ عدم الحصول على حق النقض، وطالب بمنحه لجمع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن.
ويستلزم إجراء أي تغيير وجود إرادة سياسية من القوى الكبرى في مجلس الأمن، وهي أكبر عقبة تحول دون تحقيق أي أفكار أو خطط لها علاقة بإصلاح الأمم المتحدة.
وخلال العقود الماضية طرحت عدة سيناريوهات وأفكار لإصلاح مجلس الأمن، تركز معظمها على تغيير تركيبة العضوية وطريقة التصويت، وطرحت أفكار تتعلق بالتمثيل القاري بحيث يكون لكل قارة صوت داخل مجلس الأمن، وأن يتم اتخاذ القرارات بالأغلبية، وأن يتم إلغاء حق النقض أو الفيتو نهائيا.
وخرجت أصوات أخرى تبحث عن حلول أخرى، وتنادي بإنشاء منظمة دولية جديدة تشترك فيها قارات أفريقيا وأستراليا، ودول أميركا اللاتينية والدول الآسيوية والعربية والأوروبية الناقمة على الأوضاع الحالية في منظمة الأمم المتحدة، وأن تكون لتلك المنظمة الجديدة ميزانيتها الخاصة وقوة عسكرية خاصة قادرة على تنفيذ القرارات التي تصدرها بشكل حاسم.
وتنادي أصوات إصلاحية أخرى بتقوية منظمات مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية لتصبح كيانات قوية بما يمكنها من القيام بدور أكبر في مهام حفظ السلام والأمن الذي تقوم به الأمم المتحدة، فإذا رأت دولة أنها لم يتم تناول مظالمها في نيويورك أو جنيف فيمكنها التفكير في الحصول على العدالة من منظمات إقليمية بما يشكل ضغطا على مجلس الأمن.
* إحصاءات وحقائق
* وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة لعام 2013 فإن أكبر 15 دولة من المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة هي بالترتيب: الولايات المتحدة التي تسهم بنسبة 22 في المائة من ميزانية المنظمة الدولية، تليها اليابان بنسبة 10.9 في المائة، ثم ألمانيا بنسبة 7.1 في المائة، ثم فرنسا بنسبة 5.5 في المائة، ثم المملكة المتحدة بنسبة 5.2 في المائة، ثم الصين بنسبة 5.1 في المائة، ثم إيطاليا 4.4 في المائة، ثم إسبانيا 2.9 في المائة، ثم البرازيل 2.9 في المائة، ثم روسيا 2.4 في المائة، ثم أستراليا 2.07 في المائة، ثم كوريا الجنوبية 1.9 في المائة، ثم المكسيك بنسبة 1.8 في المائة، وأخيرا هولندا بنسبة 1.6 في المائة. أما بقية الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة فيبلغ إجمالي مساهمتها 20.7 في المائة. وبلغت ميزانية الأمم المتحدة لعام 2013/2012 مبلغ 5.512 مليار دولار.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.