ماذا تقرأ أثناء العطلة الصيفية؟

خيارات النقاد من بين مئات الكتب الجديدة

ماذا تقرأ أثناء العطلة الصيفية؟
TT

ماذا تقرأ أثناء العطلة الصيفية؟

ماذا تقرأ أثناء العطلة الصيفية؟

هناك، بلا مبالغة، مئات الكتب الجديدة والروايات التي ظهرت هذا العام، ومعظمها يصلح للتصفح والتسلية أثناء عطلات الصيف السنوية، ولكن كيف السبيل لاختيار الأفضل من المكتبة العالمية مع هذا العدد الهائل من الكتب؟ قد يكون الأسلوب الأفضل هو ترك مهمة الاختيار للنقاد، وتقديم بعض ما يقترحه هؤلاء للقارئ العربي.
وتنقسم كتب العطلات إلى قسمين متوازيين؛ هما «الخيال»، و«الواقع». القسم الأول هو للروايات بمختلف أنواعها، أما القسم الثاني فهو متنوع ما بين كتب السيرة الذاتية، وأدب الرحلات، وكتب التاريخ، والجغرافيا، وغيرها من كتب الواقع.
وهذه النخبة من الكتب العالمية باللغة الإنجليزية هي أفضل ما اقترحه نقاد الإعلام البريطاني لكتب العطلات هذا العام، وهي تشمل أولا كتب الخيال، ومنها:
- «الحقيقة الناعمة» (The Delicate Truth) للمؤلف جون لو كاريه، وهو مؤلف للقصص البوليسية التي تحول بعضها إلى أفلام ناجحة، ويتناول في هذه الرواية مسألة تحويل جمع معلومات الاستخبارات إلى القطاع الخاص، وصراع الأجهزة الحكومية الذي يؤدي في النهاية إلى فشل عملية ضد الإرهاب في جبل طارق. ويتميز أسلوب الكاتب بالتشويق ودقة المعلومات التي تكاد تجعل من سيناريو هذه الرواية الخيالية واقعا ملموسا.
- «أميركانا» (Americanah) وهي قصة لمؤلفة نيجيرية اسمها شيماندا أديشي تحكي فيها قصة رحيلها من موطنها الأصلي في نيجيريا إلى أميركا؛ حيث حققت بعض النجاح والاستقرار، ولكن على حساب تغير مفاهيم حياتها عن مجتمعها القديم. وفي لحظة حنين إلى وطنها الأصلي تعود بطلة القصة إلى نيجيريا وتلتقي مع صديق من أيام الشباب لم يترك نيجيريا في حياته. ويدور محور الرواية عن اختلاف القيم بين الاثنين بعد 13 عاما من الغربة، وكيفية معالجة هذه الاختلافات التي يمكن أن تؤدي إلى فساد العلاقة بين الطرفين.
- «عشق الحلوى» (Sweet Tooth) للمؤلف إيان ماكيوان يحكي عن طالبة جامعية مجتهدة وذكية ولكنها فائقة الجمال، تحصل على وظيفة في جهاز المخابرات البريطانية «إم إي 5» خلال فترة السبعينات، وكانت المهمة الأولى لها، ومن دون علمها، هي الإيقاع بمؤلف شاب وتحويله إلى مشجع للدعاية الحكومية، وتدور بعد ذلك الأحداث المتشابكة بين قصة حب ونشاط المخابرات في صيغة معقدة ومرحة.
- «عدن المظلمة» (Dark Eden) للمؤلف كريس بيكيت من نوع الخيال العلمي عن سكان كوكب مظلم اسمه عدن يبلغ عددهم 532 شخصا كلهم منحدرون من رائد فضاء وزميلته تحطمت سفينتهما على سطح الكوكب وانقطع اتصالهما بالأرض. سكان هذا الكوكب التعساء يحصلون على الضوء والحرارة من أشجار حرارية، وهم يعانون من مشكلات صحية ناتجة عن زواج الأقارب وشح الموارد، بينما تتسرب من مخيلتهم ذكريات الأرض التي ورثوها عن أسلافهم. فهل من منقذ لهذه البشرية المعذبة في كوكب آخر؟
- «الطيور الصفراء» (The yellow Birds) للمؤلف كيفن باورز وهو يحكي قصة جندي أميركي عائد من العراق ومعاناته من آثار الحرب النفسية المدمرة. ويثير المؤلف قضية أن الذين يخوضون الحروب ويعودون منها أحياء قد يكون حالهم أكثر إثارة للشفقة من هؤلاء الذين لقوا مصرعهم على أرض المعركة. هذا الجندي العائد من محافظة نينوى فقد إنسانيته حتى بعد تسريحه من الخدمة بعد عامين في العراق.
- «شرودر» (Schroder) للمؤلفة إميتي غيج تحكي قصة صراع بين زوجين ينتهي بخطف الأب، إيريك شرودر، لابنته التي يقول إنه لا يستغنى عنها. وتدور القصة حول صراع الوالد الذي يعرف مساوئ عملية خطف الطفلة ولكنه يعتقد أنه أب صالح، وألام التي تثير الدموع على صفحات الرواية من معاناتها. وخلال القصة يشرح شرودر قصة حياته المماثلة لطفلته عندما هرب مع والده من ألمانيا الشرقية.
- «الجحيم» (Inferno) للروائي المشهور دان براون في قصة مشوقة تقع أحداثها في مدينة فلورانسا الإيطالية؛ حيث يستيقظ رجل ليجد نفسه في مستشفى وهو فاقد الذاكرة، وهناك من يريد قتله. وتجري الأحداث بعد الهروب من المستشفى وجمع أدلة ما يجري من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
- «دكتور سليب» (Doctor Sleep) للمؤلف ستيفن كنغ أحد أشهر مؤلفي الروايات البوليسية. هذه الرواية تحكي عن قصة صراع بين الخير والشر تجذب القارئ من أولى صفحاتها وحتى نهايتها.
- «قبل أن نلتقي» (Before We Met) وهي رواية كتبتها لوسي وايتهاوس عن قصة حب وزواج سعيد، ولكن مع أسرار كانت مخفية من فترة ما قبل اللقاء. الرواية مثيرة بوقائع غريبة وجذابة للقارئ، وامتدح الكتاب الكثير من النقاد وقالوا عنه إن من يبدأ في قراءته لن يستطيع أن يتركه حتى نهايته.
- «لائحة القتل» (The Kill List) وهي للكاتب المعروف فردريك فورسايث الذي اشتهر في الماضي بالكتابة عن صراع المخابرات بين الغرب والشرق الشيوعي. هذه الرواية تختلف فيها الأحداث والشخصيات؛ حيث العدو الجديد للغرب هو داعية إسلامي متطرف يحث مستمعيه على قتل أهداف غربية، ويتصدى لمهمة قتل هذا الداعية أحد رجال المخابرات الغربيين الذي تكون مهمته هي اكتشاف شخصية الداعية وتحديد موقعه وقتله. ويمكن وصف هذه الرواية بأنها تأتي ضمن تيار الإسلاموفوبيا الذي يعم بعض أوساط الغرب الثقافية في الوقت الحاضر، وقراءة مثل هذه الرواية يأتي من باب العلم بطريقة تفكير هؤلاء.
أما في جانب الكتب الواقعية فإن أهم الصادر منها خلال الصيف الحالي يشمل:
- «مستويات الحياة» (Levels of Life) للكاتب جوليان بارنز وهو يحكي في كتابه عن قصة واقعية لفقدانه زوجته بات كافانا في عام 2008 ومحاولته لوصف شعوره بالحزن ووضع «الألم في كلمات»، على حد قوله. وهي قصة مؤثرة وعالية المعاني ولاقت استحسانا من النقاد الذين قرأوها.
- «عودة الملك: المعركة من أجل أفغانستان» (Return of the King: The Battle for Afghanistan) وهو كتاب تاريخي للكاتب ويليام ديريامبل يسرد من خلاله قصة أول غزو بريطاني لأفغانستان في عام 1839 الذي انتهى بهزيمة الجيش الإمبريالي بعدها بعدة سنوات وانسحابه من أفغانستان. ويشرح الكاتب أسباب الهزيمة وتوابعها وهو يقارن بالوقائع التاريخية تشابه الأحداث بين القرن الثامن عشر وما يحدث في أفغانستان الآن.
- «إلى حياة الغابة» (Into the Wild) ويحكي فيها الكاتب جون كراكور قصة واقعية لشاب هجر مدينته وأهله وسافر إلى ألاسكا ليعيش حياة طبيعية لا مكان فيها للنقود ولا لوسائل المعيشة الحديثة. واكتشف أهل الشاب، واسمه كريستوفر ماكندليس أنه منح كل مدخراته وقيمتها 25 ألف دولار إلى جمعيات خيرية. وفي النهاية اكتشف بعض الصيادين جثته متجمدة في سيارة مهجورة في أصقاع ألاسكا. وقعت أحداث هذه القصة الحقيقية في التسعينات وتحولت إلى فيلم يحمل الاسم نفسه.
- «بدم بارد» (In Cold Blood) كتاب يحكي قصة مصرع أربعة أفراد من أسرة واحدة بالرصاص في جريمة غامضة بلا دافع وقعت في ولاية كنساس في عام 1959. ويسرد الكاتب ترومان كابوت أحداث الجريمة والتحقيقات التي تبعتها التي أدت في النهاية إلى القبض على مرتكبي الجريمة. أسلوب الكتاب بوليسي ومشوق وهو يعرض بشكل واقعي أحداث العنف داخل المجتمع الأميركي.
- «رماد أنجيلا» (Angela’s Ashes) ويحكي فيها الكاتب فرانك ماكورت عن طفولته المعذبة كطفل آيرلندي ولد أثناء فترة الكساد في بروكلين، وهو يتذكر ليالي كان يتضور فيها جوعا وبردا، ومع ذلك كتبت له الحياة لكي يسرد تفاصيل طفولته المظلمة في كتاب يستحق القراءة.
ولمحبي المتع الأدبية الذين لم يتمكنوا من قراءة الكتاب الذي أصدرته إيفانا مارشليان، ويضم نصوصا ورسائل لدرويش كتبها بخط يده، أودعها أمانة لدى الصحافية اللبنانية التي زارته أثناء إقامته في باريس لإجراء حوار معه، فإذا به بدل الحوار يزودها بمادة لكتاب، إنها اللحظة المناسبة للاستجمام الثقافي. فمن يفتقدون إصدارات محمود درويش بعد رحيله، سيجدونه في كتاب «أنا الموقع أدناه محمود درويش»، طازجا ومتجليا كعادته.
أما أولئك الذين يفضلون قراءات قصيرة، بطعم عربي بليغ، فيمكنهم اللجوء إلى كتاب أحمد بيضون «دفتر الفسبكة/ نتف من سيرة البال والخال» الذي دون فيه هذا الباحث والمفكر المعروف خاطراته الفيسبوكية على مدى سنتين، مع الإشارة إلى أن بعض هذه النصوص طويل وليست بالضرورة شذرات قصيرة جدا، لكنها تبقى في إطار الخواطر واليوميات، لرجل مثقف له رأيه في الأحداث والتطورات التي أثرت فيه ودون رأيه حوله بكثير من التفكر والعناية، ولا بد أنها أخذت من جهده ووقته، وسيجد القارئ متعة في تتبعها.
ونبقى في المجال الإنترنتي، بعيدا عن الخواطر الفيسبوكية. فمن يرغب بقراءة شيقة، توصله إلى معرفة ما هي المؤثرات التي طرأت على حياتنا وطريقة تفكيرنا وأشكال كتابتنا، بسبب استخدامنا للإنترنت، وما الفرق الجوهري بين القراءة الإنترنتية وتلك الورقية، سيسعده حتما الاطلاع كتاب لأحد العرب القلة المتخصصين في هذا المجال وهو الدكتور غسان مراد الباحث في مجال اللسانيات الحاسوبية. فقد وضع الرجل زبدة معرفته في كتاب جديد وممتع يحمل عنوان «الإنسانيات الرقمية». والكتاب سهل القراءة، غني بالمعلومات المثيرة، كما أنه مكون من عدة فصول، مما يتيح قراءته، ولو بتوقف وعودة على مراحل متباعدة. أما إذا كنت كائنا ورقيا ولا تزال بعيدا نسبيا عن الانخراط في عالم الإنترنت فيمكنك قراءة كتاب الدكتور نديم منصوري الصادر عن «منتدى المعارف» في بيروت بعنوان «سوسيولوجيا الإنترنت» وهو سهل القراءة أيضا، لأنه عبارة عن مقاطع قصيرة تحمل عناوين متفرقة، يوصلك في نهاية المطاف إلى تشكيل فكرة حول ما يدور في العالم الافتراضي، حتى وإن لم تكن أحد رواده.
أما الأنثويات العاشقات لقراءة نصوص ذات نفح متمرد، فنوال السعدواي لا تزال تكتب، بالغزارة نفسها. وصدر لها مؤخر رواية من وحي ما شهده ميدان التحرير من مظاهرات، تحمل عنوان «إنه الدم». والأديبة تستغل أحداث الثورة لتكشف عن هشاشة البنية الاجتماعية والأخلاقية في مجتمع يحتاج لإعادة اكتشاف نفسه ونقدها بعمق. وكتاب آخر للمهتمين بنوال السعداوي عبارة عن حوار مطول معها أجرته الباحثة عايدة الجوهري ونشرته مؤخرا في مؤلف يحمل عنوان «نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذاكرة والدين والإبداع». والكتابان الأخيران صدرا في بيروت عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر».
لأصحاب الميول التاريخية والسياسية، والمهتمين بعودة تركيا إلى الواجهة، ثلاثة كتب صدرت مؤخرا عن «الدار العربية للعلوم»، كل منها يعود إلى التاريخ التركي على طريقته. فكتاب «العثمانيون في ثلاث قارات» هو الثالث للبروفسور إيلبير أورتايلي، في سلسلة «إعادة اكتشاف العثمانيين» التي جمع فيها مقالاته ومحاضراته. وهو المعروف بحرصه على تقديم قراءة مغايرة للأحداث بالعودة إلى الوثائق. والكتاب الثالث هذا يجعلنا نكتشف دور الإدارة العثمانية في التوازنات الأوروبية المتأرجحة في القرن الثامن عشر. كتاب آخر مترجم من التركية إلى العربية لمحبي تقصي سير السلاطين العثمانيين، والدخول إلى كواليس حياتهم الخاصة يحمل عنوان «التاريخ السري للإمبراطورية العثمانية» لمصطفى ارمغان. ونبقى في تركيا، فإذا كنت تفضل الروايات على الكتابات التاريخية، عندها يستحسن أن تختار للغوص في الأجواء العثمانية قراءة رواية «سليمان» التي صدرت بالعربية مؤخرا، وهي الجزء الثالث للكاتب أوقاي ترياقي أوغلو من السلسلة الروائية التي تقصى خلالها حياة سليمان القانوني. وبمقدور القارئ أن يبدأ بالجزء الثالث حتى وإن فاته الجزآن الأولان.
هذه الكتب على جديتها، ليست من النوع المغرق في الحزن والسوداوية، وهي مفيدة ومسلية كما أنها رشيقة وتناسب الساعين إلى الاسترخاء. أما إن وجدت عزيزي القارئ أنك تحتاج إلى شحنة أدبية قوية، ولا تعبأ بأن تتجرع التراجيديا العربية الحديثة، في إجازتك، برواية طويلة، تتطلب منك تركيزا وإغراقا، فبمقدورك أن تقرأ رواية «فرانكشتين في بغداد» للعراقي أحمد سعداوي، التي فازت بجائزة الرواية العربية هذه السنة. وإذا كان من ميزة لهذه الرواية، رغم أنها كربلائية النفس، وتغرقك في الغم، فهو أنها تجعلك تفهم ما يدور في العراق، كما لم تتمكن من فعله مئات نشرات الأخبار التي حضرتها، كما أنها تريك إذا ما كنت تنتمي إلى إحدى الدول العربية التي غاصت في الجحيم، أن النموذج ذاته هو الذي يتكرر في كل البلدان العربية اليوم، وإن اختلفت التسميات وحيثيات الأحداث وبعض التفاصيل.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».