أهم مؤهلات وزير الخارجية البريطاني الجديد ابن التاسعة والأربعين، فيليب هاموند، أنه من المحسوبين على فريق المتشككين في الاتحاد الأوروبي خاصة أن هذا التعديل جاء كرسالة موجهة للناخب البريطاني بإعادة القرار إلى لندن، بعد أن استحوذت بروكسل على القرارات السياسية المؤثرة، وهو ما يرفضه أغلبية الشعب البريطاني، وكان كعب أخيل الذي أنهى العمل السياسي لوزير الخارجية السابق ويليام هيغ الذي أعلن أيضا اعتزاله العمل السياسي في نهاية البرلمان الحالي في مايو (أيار) المقبل.
هاموند لم يكن، تاريخيا، من المعسكر المؤيد لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أثناء تصفيات اختيار زعيم للمحافظين عندما كانوا في المعارضة قبل عشر سنوات بدعمه ديفيد ديفيز (من زعماء يمين المحافظين المؤمنين بحرية الفرد وتقليص دور الدولة والابتعاد عن أوروبا)، ضد ديفيد كاميرون. ورغم ذلك تجاوز الأخير تلك الحقبة واختاره كوزير للعمل والمعاشات في حكومة الظل فور توليه زعامة المحافظين عام 2005.
في عام 2007، أعلن كاميرون، زعيم المعارضة وقتها، تعديلا وزاريا في حكومة الظل، وعين هاموند وزيرا أول للخزانة (وهي وزارة تحتية في وزارة المالية البريطانية وتسميها بعض الصحف العربية خطأ وزارة الخزانة، وهي أقوى وأهم وزارة في الحكومة.. ووزير المالية اسمه في الترجمة الحرفية مستشار التبادلات المالية، أما رئيس الوزراء فهو كبير شيوخ الخزانة أو اللورد الأول للخزانة، وهو اسم ظهر في عام 1827 ليحدد الشخص المسؤول عن ميزانية نشاط الحكومة أي رئيس الحكومة الفعلي والذي بدا في 1714 منصبا أقدم من منصب رئيس الوزراء الذي ظهر كعنوان أو مؤسسة رئيس الحكومة في 1841).
وظل هاموند في المنصب حتى انتخابات 2010 عندما تكونت حكومة الائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار، فاحتل منصب وزير المواصلات، وعين في المجلس الملكي الخاص الذي يقدم المشورة للملكة.
وإثر استقالة وزير الدفاع الدكتور ليام فوكس، بسبب فضح الصحافة استغلال صديق خاص له للصداقة لترويج مصالحه الخاصة (رغم أن الدكتور فوكس لم يرتكب أي مخالفات قانونية) في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ترقى هاموند إلى منصب وزير الدفاع (الوزارات العليا السيادية عنوانها إما قسم أو أي مكتب مجموعة مصالح جمع مصلحة باللغة العربية والوزير المسؤول لقبه سكرتير الدولة، وهي وزارات كالخارجية والداخلية والدفاع).
هاموند أكثر الوزراء ثراء (تقدر ثروته وممتلكاته بما بين سبعة ونصف وثمانية ونصف مليون جنيه إسترليني)، وكان حتى التعديل الوزاري أول من أمس وزيرا للدفاع. ومن الناحية الشخصية هو أكثرهم هدوءا وتماسكا للأعصاب، متحملا العواصف والضربات المؤلمة في بيئية سياسية لا ترحم الحكومة، سواء من صحافة وصفها رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بوحش «غير قابل للترويض»، أو من ساسة في برلمان صممت مقاعده كحلبة مصارعة بين خصمين عنيدين.
تاريخه كرجل أعمال وناشط سياسي زوده بصفات تحمل العواصف والتشكيك في الاتحاد الأوروبي، ودخل السياسة كعضو برلمان في 1997 (كان عاما سيئا للمحافظين)، وكان واحدا من أول فريق وزارة الصحة في حكومة الظل بعد خسارة المحافظين للانتخابات للعمال بزعامة توني بلير. وتعد وزارة الصحة من أصعب الوزارات في الحكومة البريطانية.. والانتقادات لا تنتهي للمسؤول عنها.
هاموند متزوج ولديه ثلاثة أطفال. ولد في 5 ديسمبر (كانون الأول) 1955 في مقاطعة اسيكس المتاخمة لشرق لندن، وكان أبوه مهندسا مدنيا؛ ودرس في المدارس المحلية في بلدة شينفيلد ثم دخل جامعة أكسفورد بمنحة دراسية مجانية ليحصل على ليسانس الفلسفة والسياسة والاقتصاد بدرجة امتياز.
التحق هاموند بشركة الأدوات الطبية «سبيوود» عام 1981. وكانت خطة تطوير أجهزة إحصاءات وتحديد رسم القلب عام 1982 من ابتكاره حققت رواجا للشركة. لكنه تركها عام 1983 ليكون أحد المديرين المؤسسين لشركة «كاسيلميد» للإسكان وظل بها وطورها بجانب شركات الاستشارة التي عمل بها طوال السنوات العشر التالية.
مجموعة الشركات من «كاسيلميد» كان نشاطها البناء ولعقارات، والتصنيع الآلي، والعناية الصحية والأدوات الطبية، والبترول والغاز، كتنقيب وتكرير واستثمار. في هذه الفترة تولى أيضا أعمالا استشارية في أميركا اللاتينية، والبنك الدولي في واشنطن، وكان مستشارا لحكومة مالاوي الأفريقية منذ 1955 حتى انتخابه عضوا في مجلس العموم عام 1997.
هذا النوع من النشاط الاقتصادي مخالف لثقافة البيروقراطية الأوروبية في بروكسل الأكثر اقترابا من سيطرة الدولة - والفكر الاشتراكي وتفضيل النمط الاقتصادي للموظفين المطالبين بالعلاوة على المبادرات الفردية، أي المعاكسة تماما لفكرة تدخل الدولة في شؤون الإنتاج وإدارة الاقتصاد، وهو أحد أهم سببين لكراهية غالبية البريطانيين لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي. السبب الثاني طبعا هو غياب الديمقراطية المباشرة التي اعتادها الإنجليز لخمسة قرون، وهي نائب الدائرة الذي يحاورونه مباشرة أسبوعيا ويزورنه في مجلس العموم، وهو نموذج لا يعمل به معظم الأوروبيين وديمقراطيتهم نظام القوائم الذي يصفه الإنجليز بالغوغائية السياسة.
وكان هاموند رئيس جمعية المحافظين في دائرة شرق لويشام جنوب لندن (مهاجرين من السود ومنطقة فقيرة نسبيا) لسبع سنوات من عام 1989، وفي عام 1994 خسر انتخابات فرعية (بعد وفاة نائب الدائرة) في دائرة ليتون شرق لندن أمام العمالي ستيفن تيمز، ثم انتخب عام 1977 لدائرة ويبيريدج في مقاطعة ساري (تضم أثرياء وأصحاب أراض ومزارعين).
كنائب برلماني كان عضوا في لجان البيئة، والمواصلات، والمقاطعات، حتى عينه زعيم المعارضة المحافظة (ويليام هيغ وقتها) وزيرا للصحة في حكومة الظل. ثم أصبح وزير الظل للصناعة والتجارة عام 2001 تحت زعامة ايان دنكان سميث، ثم نائب رئيس حكومة الظل بزعامة مايكل هاوارد عام 2003، والذي رفعه إلى وزير خزانة أول في حكومة الظل عقب انتخابات 2005 التي أعاد العمال الفوز بها بزعامة بلير.
هاموند حساس لانتقادات الصحافة ولأي اتهامات بتجاوزات مالية، وعندما هبت عاصفة كشف الصحافة لتجاوزات النواب ومغالاتهم في المستحقات الإضافية اتضح أنه تسلم ثمانية جنيهات فقط أقل من الحد الأقصى للمصاريف الإضافية، وكان وقتها ثاني أكثر الوزراء ثراء، وأيضا جرى الكشف عن مسكن إضافي في لندن، رغم أن معظم أبناء دائرته يستقلون القطار للعمل يوميا في لندن، وتعهد هامون وقتها بأن يدفع أي زيادة في ثمن المسكن الإضافي كأرباح إلى خزانة البرلمان.
انعكس مفهومه بوضع السياسة وسلطة الدولة في خدمة الفرد المواطن وليس السيطرة عليه كوزير للنقل والمواصلات بإعلانه وضع حد لحرب الحكومة المحلية على أصحاب السيارات كتحديد السرعة على الطرق السريعة واستخدام مخالفات المرور للحصول على دخل للخزانة وليس لجعل الطرق أكثر سلامة. كما أنه تحول درعا للحكومة لتلقي سهام الانتقادات، من المعارضة والصحافة وبعض أعضاء حزبه في مشروع خط الاسكبيرس رقم 2 الجديد بسبب ارتفاع تكاليفه (ميزانية تصل إلى 45 مليار إسترليني) وأيضا مرور الخط في عدد من دوائر محافظين معروفة بجمالها الطبيعي مما يتطلب قطع أشجار وانتزاع ملكية مزارع.
ومثل حكومة ثاتشر، وقع التصادم مع النقابات العمالية بسبب العلاقة بين شركات القطاع الخاص (جزء أساسي من العقيدة السياسة لهاموند) وخدمات المواصلات العمومية. وأثار إقرار مناقصات منحت توريد قطارات لخطوط شركة «تايمز لينك» جنوب وشرق العاصمة بنحو مليار جنيه إسترليني، لشركة خاصة ألمانية كانت عطاءاتها أرخص من الشركات البريطانية، غضب النقابات، رغم أن الشركة مقرها بريطانيا وبالتالي تدفع ضرائب للخزانة البريطانية.
وكوزير للدفاع، اتخذ هاموند قرارات ثورية.. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2011، أعلن أن المرأة يسمح لها بالعمل في غواصات الأسطول البريطاني. وكان قرار دعم الثوار الليبيين أيضا من أصعب القرارات، حيث فاز بجدل مجلس العموم على الخصوم في تكاليف التدخل العسكري البريطاني في ليبيا. في يناير (كانون الثاني) 2012 أعلنت وزارة الدفاع خفض الوظائف في القوات المسلحة، وتحول مرة أخرى إلى درع تتلقى سهام المعارضة وكثير من نواب المحافظين أنفسهم.
وقال هاموند في فبراير (شباط) 2012 بشجاعة إن عليه أن يسد «الثقب الأسود» في مالية وزارة بمزيج من تخفيضات قاسية على مدى العامين الماضيين، ومساومة صعبة مع الصناعة، وزيادة واحد في المائة في ميزانية المعدات، مما سوف يعود بالفائدة على جميع خدمات القوات المسلحة. وفي التصريح نفسه لقي استحسان النواب والصحافة بالتزامه بالدفاع عن جزر الفوكلاند التي تهددها الأرجنتين «تلتزم حكومة صاحبة الجلالة بالدفاع عن حق سكان جزر فوكلاند في تقرير المصير، ووجود خطط للتعزيز السريع للقوات البرية والبحرية والجوية في وحول الجزر، إذ ظهر أي تهديد».
وهو أحد الثوابت في وزارة الخارجية البريطانية، أي مؤهل آخر، إلى جانب موقفه المتشدد من أوروبا (بعكس هيغ المتعاطف مع بروكسل). وفي انتقادات المعارضة للبنوك، أكد على مسؤولية الفرد كمقترض من البنوك «الأفراد والشركات والحكومات تتحمل مسؤولية الأزمة المالية وليس البنوك فقط»، وطالب الأفراد بمراجعة احتياجاتهم من كماليات يمكن الاستغناء عنها في ثقافة الاستهلاك المستمرة التي حلت محل ثقافة الإنتاج التقليدية التي كانت وراء الثورة الصناعية.
وهاموند محافظ تقليدي، عارض في مايو 2012 مشروع كاميرون لتقنين زواج المثليين من نفس الجنس، ووصفه بأنه «مثير للجدل للغاية». وفي يناير 2013 خلال زيارة لجامعة لندن كلية رويال هولواي، قارن هذا النوع من الزواج بزنى المحارم. وامتنع عن التصويت تأييدا للحكومة مع أربعة وزراء آخرين «لأسباب أخلاقية».
ومن إنجازاته كوزير للدفاع سرعة نجاح القوات المسلحة في تولي الأمن والتنظيم لأولمبياد لندن عام 2012 بعد فشل شركة الأمن الخاص المتعاقد معها «جي فور إس» في القيام بالمهمة المطلوبة وتوفير الحراس قبل أربعة أسابيع فقط من بدء الألعاب. وكان أداء الجنود في ظروف صعبة ممتازا، وتولى أيضا الحراسة بنشر صواريخ وقوات ضد احتمالات هجمات إرهابية. وكل هذا تحت قيادة هاموند السياسية.
وقد تزوج سوزان هاموند كارولين ويليامز ووكر في 29 يونيو (حزيران) 1991، ولديهما ابنتان وولد. وهم يعيشون في مقاطعة ساري.
هاموند.. في مواجهة أوروبا
وزير الخارجية البريطاني الجديد من فريق المتشككين في الاتحاد الأوروبي
هاموند.. في مواجهة أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة