هاموند.. في مواجهة أوروبا

وزير الخارجية البريطاني الجديد من فريق المتشككين في الاتحاد الأوروبي

هاموند.. في مواجهة أوروبا
TT

هاموند.. في مواجهة أوروبا

هاموند.. في مواجهة أوروبا

أهم مؤهلات وزير الخارجية البريطاني الجديد ابن التاسعة والأربعين، فيليب هاموند، أنه من المحسوبين على فريق المتشككين في الاتحاد الأوروبي خاصة أن هذا التعديل جاء كرسالة موجهة للناخب البريطاني بإعادة القرار إلى لندن، بعد أن استحوذت بروكسل على القرارات السياسية المؤثرة، وهو ما يرفضه أغلبية الشعب البريطاني، وكان كعب أخيل الذي أنهى العمل السياسي لوزير الخارجية السابق ويليام هيغ الذي أعلن أيضا اعتزاله العمل السياسي في نهاية البرلمان الحالي في مايو (أيار) المقبل.
هاموند لم يكن، تاريخيا، من المعسكر المؤيد لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، أثناء تصفيات اختيار زعيم للمحافظين عندما كانوا في المعارضة قبل عشر سنوات بدعمه ديفيد ديفيز (من زعماء يمين المحافظين المؤمنين بحرية الفرد وتقليص دور الدولة والابتعاد عن أوروبا)، ضد ديفيد كاميرون. ورغم ذلك تجاوز الأخير تلك الحقبة واختاره كوزير للعمل والمعاشات في حكومة الظل فور توليه زعامة المحافظين عام 2005.
في عام 2007، أعلن كاميرون، زعيم المعارضة وقتها، تعديلا وزاريا في حكومة الظل، وعين هاموند وزيرا أول للخزانة (وهي وزارة تحتية في وزارة المالية البريطانية وتسميها بعض الصحف العربية خطأ وزارة الخزانة، وهي أقوى وأهم وزارة في الحكومة.. ووزير المالية اسمه في الترجمة الحرفية مستشار التبادلات المالية، أما رئيس الوزراء فهو كبير شيوخ الخزانة أو اللورد الأول للخزانة، وهو اسم ظهر في عام 1827 ليحدد الشخص المسؤول عن ميزانية نشاط الحكومة أي رئيس الحكومة الفعلي والذي بدا في 1714 منصبا أقدم من منصب رئيس الوزراء الذي ظهر كعنوان أو مؤسسة رئيس الحكومة في 1841).
وظل هاموند في المنصب حتى انتخابات 2010 عندما تكونت حكومة الائتلاف مع الديمقراطيين الأحرار، فاحتل منصب وزير المواصلات، وعين في المجلس الملكي الخاص الذي يقدم المشورة للملكة.
وإثر استقالة وزير الدفاع الدكتور ليام فوكس، بسبب فضح الصحافة استغلال صديق خاص له للصداقة لترويج مصالحه الخاصة (رغم أن الدكتور فوكس لم يرتكب أي مخالفات قانونية) في أكتوبر (تشرين الأول) 2011، ترقى هاموند إلى منصب وزير الدفاع (الوزارات العليا السيادية عنوانها إما قسم أو أي مكتب مجموعة مصالح جمع مصلحة باللغة العربية والوزير المسؤول لقبه سكرتير الدولة، وهي وزارات كالخارجية والداخلية والدفاع).
هاموند أكثر الوزراء ثراء (تقدر ثروته وممتلكاته بما بين سبعة ونصف وثمانية ونصف مليون جنيه إسترليني)، وكان حتى التعديل الوزاري أول من أمس وزيرا للدفاع. ومن الناحية الشخصية هو أكثرهم هدوءا وتماسكا للأعصاب، متحملا العواصف والضربات المؤلمة في بيئية سياسية لا ترحم الحكومة، سواء من صحافة وصفها رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بوحش «غير قابل للترويض»، أو من ساسة في برلمان صممت مقاعده كحلبة مصارعة بين خصمين عنيدين.
تاريخه كرجل أعمال وناشط سياسي زوده بصفات تحمل العواصف والتشكيك في الاتحاد الأوروبي، ودخل السياسة كعضو برلمان في 1997 (كان عاما سيئا للمحافظين)، وكان واحدا من أول فريق وزارة الصحة في حكومة الظل بعد خسارة المحافظين للانتخابات للعمال بزعامة توني بلير. وتعد وزارة الصحة من أصعب الوزارات في الحكومة البريطانية.. والانتقادات لا تنتهي للمسؤول عنها.
هاموند متزوج ولديه ثلاثة أطفال. ولد في 5 ديسمبر (كانون الأول) 1955 في مقاطعة اسيكس المتاخمة لشرق لندن، وكان أبوه مهندسا مدنيا؛ ودرس في المدارس المحلية في بلدة شينفيلد ثم دخل جامعة أكسفورد بمنحة دراسية مجانية ليحصل على ليسانس الفلسفة والسياسة والاقتصاد بدرجة امتياز.
التحق هاموند بشركة الأدوات الطبية «سبيوود» عام 1981. وكانت خطة تطوير أجهزة إحصاءات وتحديد رسم القلب عام 1982 من ابتكاره حققت رواجا للشركة. لكنه تركها عام 1983 ليكون أحد المديرين المؤسسين لشركة «كاسيلميد» للإسكان وظل بها وطورها بجانب شركات الاستشارة التي عمل بها طوال السنوات العشر التالية.
مجموعة الشركات من «كاسيلميد» كان نشاطها البناء ولعقارات، والتصنيع الآلي، والعناية الصحية والأدوات الطبية، والبترول والغاز، كتنقيب وتكرير واستثمار. في هذه الفترة تولى أيضا أعمالا استشارية في أميركا اللاتينية، والبنك الدولي في واشنطن، وكان مستشارا لحكومة مالاوي الأفريقية منذ 1955 حتى انتخابه عضوا في مجلس العموم عام 1997.
هذا النوع من النشاط الاقتصادي مخالف لثقافة البيروقراطية الأوروبية في بروكسل الأكثر اقترابا من سيطرة الدولة - والفكر الاشتراكي وتفضيل النمط الاقتصادي للموظفين المطالبين بالعلاوة على المبادرات الفردية، أي المعاكسة تماما لفكرة تدخل الدولة في شؤون الإنتاج وإدارة الاقتصاد، وهو أحد أهم سببين لكراهية غالبية البريطانيين لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي. السبب الثاني طبعا هو غياب الديمقراطية المباشرة التي اعتادها الإنجليز لخمسة قرون، وهي نائب الدائرة الذي يحاورونه مباشرة أسبوعيا ويزورنه في مجلس العموم، وهو نموذج لا يعمل به معظم الأوروبيين وديمقراطيتهم نظام القوائم الذي يصفه الإنجليز بالغوغائية السياسة.
وكان هاموند رئيس جمعية المحافظين في دائرة شرق لويشام جنوب لندن (مهاجرين من السود ومنطقة فقيرة نسبيا) لسبع سنوات من عام 1989، وفي عام 1994 خسر انتخابات فرعية (بعد وفاة نائب الدائرة) في دائرة ليتون شرق لندن أمام العمالي ستيفن تيمز، ثم انتخب عام 1977 لدائرة ويبيريدج في مقاطعة ساري (تضم أثرياء وأصحاب أراض ومزارعين).
كنائب برلماني كان عضوا في لجان البيئة، والمواصلات، والمقاطعات، حتى عينه زعيم المعارضة المحافظة (ويليام هيغ وقتها) وزيرا للصحة في حكومة الظل. ثم أصبح وزير الظل للصناعة والتجارة عام 2001 تحت زعامة ايان دنكان سميث، ثم نائب رئيس حكومة الظل بزعامة مايكل هاوارد عام 2003، والذي رفعه إلى وزير خزانة أول في حكومة الظل عقب انتخابات 2005 التي أعاد العمال الفوز بها بزعامة بلير.
هاموند حساس لانتقادات الصحافة ولأي اتهامات بتجاوزات مالية، وعندما هبت عاصفة كشف الصحافة لتجاوزات النواب ومغالاتهم في المستحقات الإضافية اتضح أنه تسلم ثمانية جنيهات فقط أقل من الحد الأقصى للمصاريف الإضافية، وكان وقتها ثاني أكثر الوزراء ثراء، وأيضا جرى الكشف عن مسكن إضافي في لندن، رغم أن معظم أبناء دائرته يستقلون القطار للعمل يوميا في لندن، وتعهد هامون وقتها بأن يدفع أي زيادة في ثمن المسكن الإضافي كأرباح إلى خزانة البرلمان.
انعكس مفهومه بوضع السياسة وسلطة الدولة في خدمة الفرد المواطن وليس السيطرة عليه كوزير للنقل والمواصلات بإعلانه وضع حد لحرب الحكومة المحلية على أصحاب السيارات كتحديد السرعة على الطرق السريعة واستخدام مخالفات المرور للحصول على دخل للخزانة وليس لجعل الطرق أكثر سلامة. كما أنه تحول درعا للحكومة لتلقي سهام الانتقادات، من المعارضة والصحافة وبعض أعضاء حزبه في مشروع خط الاسكبيرس رقم 2 الجديد بسبب ارتفاع تكاليفه (ميزانية تصل إلى 45 مليار إسترليني) وأيضا مرور الخط في عدد من دوائر محافظين معروفة بجمالها الطبيعي مما يتطلب قطع أشجار وانتزاع ملكية مزارع.
ومثل حكومة ثاتشر، وقع التصادم مع النقابات العمالية بسبب العلاقة بين شركات القطاع الخاص (جزء أساسي من العقيدة السياسة لهاموند) وخدمات المواصلات العمومية. وأثار إقرار مناقصات منحت توريد قطارات لخطوط شركة «تايمز لينك» جنوب وشرق العاصمة بنحو مليار جنيه إسترليني، لشركة خاصة ألمانية كانت عطاءاتها أرخص من الشركات البريطانية، غضب النقابات، رغم أن الشركة مقرها بريطانيا وبالتالي تدفع ضرائب للخزانة البريطانية.
وكوزير للدفاع، اتخذ هاموند قرارات ثورية.. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2011، أعلن أن المرأة يسمح لها بالعمل في غواصات الأسطول البريطاني. وكان قرار دعم الثوار الليبيين أيضا من أصعب القرارات، حيث فاز بجدل مجلس العموم على الخصوم في تكاليف التدخل العسكري البريطاني في ليبيا. في يناير (كانون الثاني) 2012 أعلنت وزارة الدفاع خفض الوظائف في القوات المسلحة، وتحول مرة أخرى إلى درع تتلقى سهام المعارضة وكثير من نواب المحافظين أنفسهم.
وقال هاموند في فبراير (شباط) 2012 بشجاعة إن عليه أن يسد «الثقب الأسود» في مالية وزارة بمزيج من تخفيضات قاسية على مدى العامين الماضيين، ومساومة صعبة مع الصناعة، وزيادة واحد في المائة في ميزانية المعدات، مما سوف يعود بالفائدة على جميع خدمات القوات المسلحة. وفي التصريح نفسه لقي استحسان النواب والصحافة بالتزامه بالدفاع عن جزر الفوكلاند التي تهددها الأرجنتين «تلتزم حكومة صاحبة الجلالة بالدفاع عن حق سكان جزر فوكلاند في تقرير المصير، ووجود خطط للتعزيز السريع للقوات البرية والبحرية والجوية في وحول الجزر، إذ ظهر أي تهديد».
وهو أحد الثوابت في وزارة الخارجية البريطانية، أي مؤهل آخر، إلى جانب موقفه المتشدد من أوروبا (بعكس هيغ المتعاطف مع بروكسل). وفي انتقادات المعارضة للبنوك، أكد على مسؤولية الفرد كمقترض من البنوك «الأفراد والشركات والحكومات تتحمل مسؤولية الأزمة المالية وليس البنوك فقط»، وطالب الأفراد بمراجعة احتياجاتهم من كماليات يمكن الاستغناء عنها في ثقافة الاستهلاك المستمرة التي حلت محل ثقافة الإنتاج التقليدية التي كانت وراء الثورة الصناعية.
وهاموند محافظ تقليدي، عارض في مايو 2012 مشروع كاميرون لتقنين زواج المثليين من نفس الجنس، ووصفه بأنه «مثير للجدل للغاية». وفي يناير 2013 خلال زيارة لجامعة لندن كلية رويال هولواي، قارن هذا النوع من الزواج بزنى المحارم. وامتنع عن التصويت تأييدا للحكومة مع أربعة وزراء آخرين «لأسباب أخلاقية».
ومن إنجازاته كوزير للدفاع سرعة نجاح القوات المسلحة في تولي الأمن والتنظيم لأولمبياد لندن عام 2012 بعد فشل شركة الأمن الخاص المتعاقد معها «جي فور إس» في القيام بالمهمة المطلوبة وتوفير الحراس قبل أربعة أسابيع فقط من بدء الألعاب. وكان أداء الجنود في ظروف صعبة ممتازا، وتولى أيضا الحراسة بنشر صواريخ وقوات ضد احتمالات هجمات إرهابية. وكل هذا تحت قيادة هاموند السياسية.
وقد تزوج سوزان هاموند كارولين ويليامز ووكر في 29 يونيو (حزيران) 1991، ولديهما ابنتان وولد. وهم يعيشون في مقاطعة ساري.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».