11.6 مليار دولار حجم إصدارات الصكوك العالمية في يونيو بزيادة 32 في المائة

الرينجيت الماليزي شكل الجزء الأكبر من الإصدارات بنسبة 54.9 في المائة يليه الدولار ثم الريال السعودي

11.6 مليار دولار حجم إصدارات الصكوك العالمية في يونيو بزيادة 32 في المائة
TT

11.6 مليار دولار حجم إصدارات الصكوك العالمية في يونيو بزيادة 32 في المائة

11.6 مليار دولار حجم إصدارات الصكوك العالمية في يونيو بزيادة 32 في المائة

كشف تقرير مالي متخصص عن أن حجم إصدارات الصكوك العالمية في شهور يونيو (حزيران) بلغ 11.6 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 32.5 في المائة عن الشهر السابق. وقد مكن ارتفاع حجم الإصدارات لشهر يونيو النصف الأول من 2014 من الوصول إلى 66.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.2 في المائة في القيمة، مقارنة بإصدارات بمبلغ 61.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق.
وأشار التقرير الذي أصدرته شركة «بيتك للأبحاث» المحدودة التابعة لمجموعة بيت التمويل الكويتي «بيتك»، وحصلت «الشرق الأوسط» على نسخة خاصة منه، إلى أنه وعلى الرغم من مختلف التحديات أمام الاقتصادات الكلية والظروالكويتف المالية التي تحيط بها حالة من عدم اليقين في بداية هذا العام، فقد تفوقت سوق الصكوك الأولية العالمية خلال النصف الأول من العام على حجم الصكوك المصدرة خلال الفترة نفسها من العام السابق.
وشهد أداء سوق الصكوك الأولية العالمية وفق التقرير ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الستة الأولى من عام 2014، حيث مكن ارتفاع حجم الإصدارات لشهر يونيو النصف الأول من 2014 من الوصول إلى 66.2 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.2 في المائة في القيمة مقارنة بإصدارات بمبلغ 61.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق. وقد شهد شهر يونيو زيادة في زخم الإصدارات في سوق الصكوك الأولية العالمية، حيث شاركت 9 بلدان مختلفة في إصدارات الصكوك خلال الشهر مقارنة بستة بلدان في شهر مايو (أيار) 2014، وذلك قبل حلول شهر رمضان المبارك الذي بدأ رسميا في دول مجلس التعاون الخليجي وماليزيا بتاريخ 29 يونيو.
وقد شهد الشهر مساهمة كثيفة بشكل خاص من قطاع صكوك الشركات التي أسهمت بأكثر من 45 في المائة من حجم الإصدارات (مايو 2014 نحو 21.9 في المائة) بقيادة بعض الإصدارات الكبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي. وبلغ إجمالي الإصدارات في يونيو 11.6 مليار دولار، وهو ما يمثل ارتفاعا بنسبة 32.5 في المائة في حجم الإصدارات مقارنة بإصدارات بمبلغ 8.7 مليار دولار المصدرة في مايو. كما أن هذا الحجم الضخم من الإصدارات قد جعل شهر يونيو ثاني أكبر شهر من حيث حجم الإصدارات منذ بداية 2014 وحتى تاريخه، ورابع أكبر شهر على مدار الـ12 شهرا الماضية (يونيو 2013 - يونيو 2014). واستنادا إلى أداء النصف الأول من 2014، يتوقع بعض خبراء السوق وفرة في نشاط إصدارات الصكوك لهذا العام، حيث يتوقع أن يتجاوز حجم الإصدارات الرقم القياسي لحجم الإصدارات المسجل في 2012 بمبلغ 131.2 مليار دولار.
وقد كان أحد أهم الأحداث البارزة خلال شهر يونيو دخول دولة من خارج منظمة التعاون الإسلامي إلى سوق الصكوك السيادية، حيث سطرت المملكة المتحدة تاريخها رسميا لتصبح أول دولة من خارج منظمة التعاون الإسلامي تقوم بإصدار صكوك سيادية، وسبقت في ذلك لوكسمبورغ وجنوب أفريقيا وهونغ كونغ، وذلك الإصدار السيادي كان يترقبه المهتمون بسوق الصكوك عن كثب منذ إعلان بريطانيا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي عن نيتها في إصدار صكوك سيادية. وقد تم بيع الصكوك السيادية البريطانية التي طال انتظارها أخيرا للمستثمرين بتاريخ 25 يونيو، وجمعت مبلغ 200 مليون جنيه إسترليني (339.5 مليون دولار) للحكومة البريطانية في الوقت الذي توفر فيه للمستثمرين معدل ربح قدره 2.036 في المائة. وحظي البرنامج بطلب قوي للغاية بقيمة إجمالية 2.3 مليار جنيه إسترليني أو ما يعادل تغطية قدرها 12 مرة للاكتتاب، في حين جذب مجموعة متنوعة من المستثمرين منها صناديق ثروة سيادية ومصارف مركزية ومؤسسات مالية محلية ودولية. وكانت التوزيعة الجغرافية النهائية لهذا البرنامج على النحو التالي: المملكة المتحدة (39 في المائة)، والشرق الأوسط (37 في المائة)؛ وآسيا (24 في المائة).
وحسب نوع الإصدارات، أثبت شهر يونيو كونه شهرا وفيرا بالنسبة لإصدارات صكوك قطاع الشركات التي سجلت 5.24 مليار دولار أو 45.3 في المائة من إجمالي السوق الأولية، وهي أعلى حصة نسبية لإصدارات صكوك الشركات في عام 2014 منذ بداية العام وحتى تاريخه (مايو 2014 نحو 21.9 في المائة؛ أبريل/ نيسان 2014 نحو 17.6 في المائة؛ مارس/ آذار 2014 نحو 12.95 في المائة)، فيما شكلت إصدارات الهيئات السيادية والجهات الحكومية ذات الصلة مبلغ 6.34 مليار دولار أو 54.8 في المائة من السوق الأولية الشهرية (مايو 2014 نحو 78.1 في المائة؛ أبريل 2014 نحو 82 في المائة).
ويرجع الارتفاع الملحوظ في حصة صكوك الشركات إلى اثنين من العوامل الأساسية:
1) زيادة حجم إصدارات صكوك الشركات من السعودية والإمارات وتركيا، حيث أصدرت هذه الأسواق الثلاث 4.4 مليار دولار من صكوك الشركات في يونيو.
2) غياب إصدارات الصكوك من الهيئات متعددة الأطراف شبه السيادية مثل البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسة إدارة السيولة الإسلامية الدولية.
ونظرا للزيادة في عدد البلدان التي دخلت إلى السوق الأولية في شهر يونيو، كان إجمالي العملات المستخدمة في إصدارات الصكوك خلال يونيو 8 عملات (مايو 2014: 5 عملات). ومن الجدير بالملاحظة أن الإمارات وتركيا فقط لم تشهدا إصدارات بعملتهما المحلية، حيث كانت إصداراتهما إما مقومة بالدولار الأميركي أو بالرينجيت الماليزي.
وشكل الرينجيت الماليزي الجزء الأكبر من الإصدارات بنسبة 54.9 في المائة من إجمالي السوق (مايو 2014: 77.9 في المائة؛ وأبريل 2014: 58 في المائة)، حيث كانت جميع الإصدارات التي اتخذت من ماليزيا مقرا لها مقومة بالرينجيت الماليزي ومنها الصكوك التركية التي أصدرها «تركي فاينانس» خلال شهر يونيو. على النقيض من ذلك، استخدم مصدرو الصكوك من الإمارات وتركيا الدولار الأميركي في جمع الإصدارات، وظل إجمالي حصة الدولار من السوق عند معدلاتها بتغير طفيف لتسجل 18.1 في المائة في يونيو (مايو 14: 18.2 في المائة). أما باقي البلدان المصدرة للصكوك خلال يونيو، فقد أصدرت صكوكها بعملاتها المحلية وهي الريال السعودي (17.71 في المائة)؛ الروبية الباكستانية (4.3 في المائة) والجنيه الإسترليني (2.9 في المائة) والدينار البحريني (1.3 في المائة)؛ والروبية الإندونيسية (0.65 في المائة)؛ والدالاسي الغامبي (0.02 في المائة).
وبتحليل عدد الإصدارات، بلغ إجمالي إصدارات الصكوك 65 إصدارا خلال شهر يونيو، ويعد الرقم متناسقا نسبيا مع الأشهر السابقة (مايو 2014: 62؛ أبريل 2014: 68؛ مارس 2014: 64) ومن بين هذه الصكوك، تم إصدار 32 من قبل قطاع الشركات بإجمالي مبلغ 5.24 مليار دولار، مقابل 30 إصدارا لقطاع الشركات في مايو بمبلغ أقل بكثير وقدره 1.9 مليار دولار. وكان مما زاد زخم إصدارات صكوك الشركات تلك الشرائح الضخمة التي صدرت في السعودية والإمارات وتركيا. وفي الوقت نفسه، بلغ عدد إصدارات الهيئات السيادية 29 إصدارا (شملت صكوك بنوك مركزية قصيرة المدى) بإجمالي مبلغ 5.44 مليار دولار، مقابل 31 إصدارا بمبلغ 6.13 مليار دولار في مايو. علاوة على ذلك، صدرت أربعة صكوك من الهيئات الحكومية ذات الصلة في ماليزيا بقيمة 902 مليون دولار في يونيو مقارنة بإصدار واحد من الإمارات خلال شهر مايو بمبلغ 700 مليون دولار.
وبالنظر إلى هيكل الإصدار، تصدرت المرابحة والإجارة كونهما أكثر هياكل إصدارات الصكوك شيوعا بنسبة 50.6 في المائة و13.8في المائة، على التوالي، من إجمالي الإصدارات في يونيو 2014، مقابل 63.7 في المائة و17.5 في المائة، على التوالي، من حصة الشهر السابق. وقد كان هناك نحو 18 في المائة من إصدارات الصكوك في صورة هياكل مختلطة (هجينة) تضم أكثر من عقد أساسي متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية. وتعد هذه الهياكل شائعة في دول مجلس التعاون الخليجي حيث يستخدم على نطاق واسع مزيج من المضاربة والمرابحة في هيكلة الصكوك.
أما بالنسبة لنوع القطاع، فقد شكلت الإصدارات الحكومية 47 في المائة أو 5.44 مليار دولار من إجمالي الإصدارات في يونيو (مايو 2014: 72.5 في المائة، أو 6.34 مليار دولار)، يليه قطاع الخدمات المالية بنسبة 31.2 في المائة، أو 3.62 مليار دولار (مايو 2014: 14.6 في المائة أو 1.27 مليار دولار). هذا وقد شكل القطاع العقاري نسبة 9.1 في المائة من حجم الإصدارات، بينما شكلت بقية القطاعات المتبقية 12.7 في المائة أو 1.47 مليار دولار من حجم الصكوك المصدرة خلال يونيو 2014.
علاوة على ما سبق، وبناء على أداء النصف الأول من 2014، لا تزال توقعات سوق الصكوك العالمية إيجابية ومن المتوقع أن يتجاوز حجم إصدارات 2014 الحجم المسجل في 2013 والبالغ 119.7 مليار دولار. ولا تزال آفاق سوق الصكوك مستمرة في توسعها حيث يتوقع دخول المزيد من البلدان إلى سوق الصكوك وكذلك زيادة عدد قطاعات الأعمال المصدرة للصكوك. وحتى الآن، دخل ما لا يقل عن 29 بلدا إلى سوق الصكوك (باستثناء الصكوك الخارجية) ويتوقع دخول المزيد من البلدان في أعقاب الإصدار الناجح للصكوك السيادية من قبل المملكة المتحدة مستفيدة من هذه التجربة.
وهناك عدد من الجهود الرامية إلى تمكين الصكوك من أن تكون أدوات حيوية لتلبية احتياجات السيولة العالمية، ويشمل ذلك على سبيل المثال دعم احتياجات تطوير البنية التحتية في أفريقيا. من جهة أخرى، تزايد عدد القطاعات المستغلة لسوق الصكوك، فعلى سبيل المثال، أصبحت اتقاء تكافل أول شركة تأمين تكافلي تصدر صكوكا وذلك خلال مايو من هذا العام. وكان للجهود التنظيمية أيضا دور فعال في تبسيط إجراءات إصدار أدوات الصكوك.



هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
TT

هل تصبح فرنسا «اليونان الجديدة» في منطقة اليورو؟

أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)
أشخاص يسيرون بالقرب من برج إيفل في باريس (رويترز)

تواجه فرنسا في الوقت الراهن تحديات اقتصادية وسياسية معقدة، تتمثل في ارتفاع معدلات الدين العام وتزايد عدم الاستقرار السياسي، مما يهدد استقرارها الداخلي ويثير القلق بشأن انعكاسات هذه الأوضاع على منطقة اليورو بشكل عام. تأتي هذه الأزمات في وقت بالغ الأهمية، حيث يمر الاتحاد الأوروبي بفترة تحول حاسمة بعد تبعات الأزمة المالية العالمية، مما يطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الدول الأعضاء على مواجهة الأزمات الاقتصادية المقبلة. في خضم هذه التطورات، تظل فرنسا محط الأنظار، إذ يتعرض نظامها السياسي للشلل بينما يتصاعد العجز المالي. فهل ستتمكن باريس من تجنب مصير الدول التي شهدت أزمات مالية مدمرة؟ وما الدروس التي يمكن لفرنسا الاستفادة منها لضمان استدامة الاستقرار الاقتصادي في المستقبل؟

تتجاوز ديون فرنسا اليوم 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت تكلفة اقتراضها مؤخراً مستويات تفوق تلك التي سجلتها اليونان. ويوم الجمعة، توقعت «موديز» أن تكون المالية العامة لفرنسا أضعف بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقارنة بالسيناريو الأساسي الذي وضعته في أكتوبر (تشرين الأول) 2024. هذه المعطيات أثارت مخاوف متزايدة من أن تكون هذه الأوضاع الشرارة التي قد تؤدي إلى أزمة جديدة في منطقة اليورو. ومع ذلك، عند مقارنة حالة الاتحاد الأوروبي في ذروة الأزمة المالية العالمية، حين كان يواجه خطر التفكك الكامل، مع الوضع الراهن، تتضح الفروق الجوهرية، حيث يظهر الوضع الحالي قدرة الاتحاد على الصمود بشكل أكبر بكثير، مما يعكس قوة أكثر استقراراً وصلابة في مواجهة التحديات الاقتصادية، وفق «رويترز».

وبعد انهيار حكومتها الهشة في أوائل ديسمبر (كانون الأول)، توجد فرنسا حالياً في دائرة الضوء. فقد أدت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في يوليو (تموز) إلى انقسام الجمعية الوطنية، مما أدى إلى تعميق الأزمة السياسية في البلاد. وفي مسعى لتشكيل حكومة قادرة على استعادة الاستقرار، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون السياسي المخضرم ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء بعد الانتخابات، على أمل بناء إدارة مستدامة. لكن التوترات بين الحكومة والبرلمان اندلعت عندما دعا بارنييه إلى خفض الموازنة للحد من العجز المتوقع، والذي قد يصل إلى 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام. وقد أدى هذا إلى تجمع أعضاء البرلمان من مختلف الأطياف السياسية لرفض الموازنة، وكان التصويت بحجب الثقة الذي أدى إلى إقالة بارنييه هو الأول من نوعه منذ عام 1962.

وأثناء تطور هذه الأحداث، ارتفعت عوائد السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات بشكل مؤقت إلى مستويات أعلى من نظيرتها اليونانية، مما أثار المخاوف من أن فرنسا قد تصبح «اليونان الجديدة». ومع ذلك، إذا تم النظر إلى ما حدث في اليونان في عام 2012، عندما وصلت عوائد سنداتها لأجل عشر سنوات إلى أكثر من 35 في المائة، يلاحظ أن الوضع اليوم مختلف بشكل جذري. ففي الوقت الراهن، تقل عوائد السندات اليونانية عن 3 في المائة، مما يعني أن العوائد الفرنسية قد ارتفعت بأقل من 60 نقطة أساس خلال العام الماضي لتصل إلى مستويات مماثلة.

ومن خلال تحليل التغييرات في عوائد السندات في منطقة اليورو خلال السنوات الأخيرة، يتضح أن اليونان قد نجحت في تحسين وضعها المالي بشكل ملحوظ، في حين أن فرنسا شهدت تدهوراً طفيفاً نسبياً.

قصة التحول: اليونان

بعد أن اجتاحت الأزمة المالية العالمية أوروبا في أواخر العقد الأول من الألفية، تعرضت اليونان لمحنة مالية شديدة، حيث تكشفت حقيقة الوضع المالي للبلاد، وارتفعت تكاليف ديونها بشكل كبير. وفي إطار استجابة لهذه الأزمة، حصلت اليونان على حزم إنقاذ من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي مقابل تنفيذ حزمة من الإجراءات التقشفية القاسية. ونتيجة لذلك، دخلت اليونان في ركود اقتصادي طويل دام لعقد من الزمن، بينما تعرضت لعدة فترات من عدم الاستقرار السياسي.

لكن الحكومة الحالية التي تنتمي إلى التيار الوسطي - اليميني نجحت في استعادة بعض الاستقرار الاقتصادي، حيث تمكنت من تحقيق فائض أولي في الموازنة، وهو ما مكنها من تقليص عبء الديون الضخم. كما شهد الاقتصاد اليوناني نمواً بنسبة 2 في المائة العام الماضي، وهو ما يعد تحسناً ملموساً.

ورغم أن فرنسا قد تحتاج إلى جرعة من العلاج المالي ذاته، فإنها تبدأ من نقطة انطلاق أقوى بكثير من اليونان. فاقتصاد فرنسا أكثر تطوراً وتنوعاً، ويبلغ حجمه أكثر من عشرة أضعاف الاقتصاد اليوناني. كما أكدت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغ» قبل أسبوعين تصنيف فرنسا الائتماني، مع التوقعات بأن تواصل البلاد جهودها في تقليص العجز في الموازنة. وأشارت الوكالة إلى أن «فرنسا تظل اقتصاداً متوازناً، منفتحاً، غنياً، ومتنوعاً، مع تجمع محلي عميق من المدخرات الخاصة»، وهو ما يعزز موقفها المالي.

الأمر الأكثر أهمية هنا هو أنه حتى في حال قرر المستثمرون الدوليون سحب أموالهم - وهو ما لا يوجد أي مؤشر على حدوثه - فإن فرنسا تملك إمداداً كبيراً من الأموال المحلية، يُمكِّنها من سد الفجوة المالية المتزايدة.

فعل كل ما يلزم

على الرغم من أن منطقة اليورو لا تزال تشهد تطوراً غير مكتمل، فإنه من المهم الإشارة إلى كيفية تعزيز النظام المصرفي في المنطقة منذ الأزمة المالية العالمية. كما ينبغي تذكر كيف أثبت البنك المركزي الأوروبي مراراً استعداده وقدرته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الأزمات المالية في المنطقة. إلا أن ذلك لا يعني أن صانعي السياسات في باريس أو العواصم الأوروبية الأخرى يشعرون بتفاؤل مطلق بشأن التوقعات الاقتصادية للاتحاد.

ففي العديد من الجوانب، تبدو التحديات الاقتصادية التي تواجه فرنسا أقل حدة، مقارنة بتلك التي تواجهها ألمانيا، التي تعرضت حكومتها هي الأخرى لهزة قوية مؤخراً. ويعاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو من تداعيات سنوات طويلة من نقص الاستثمارات، حيث يواجه قطاعها الصناعي القوي سابقاً صعوبات حقيقية في التعافي. كما أن منطقة اليورو، التي شهدت تباطؤاً ملحوظاً في نمو إنتاجيتها، مقارنة بالولايات المتحدة على مدار السنوات الماضية، تواجه الآن تهديدات كبيرة بسبب الرسوم الجمركية التي قد تفرضها إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب.

لكن هذه التهديدات التجارية قد تكون هي التي تدفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوة كبيرة أخرى في تطوره الاقتصادي. فالتاريخ يثبت أن الاتحاد يتخذ خطوات حاسمة عندما يُدفع إلى الزاوية. وفي وقت سابق، قدم ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، خطة لإصلاحات اقتصادية طال انتظارها، داعياً إلى استثمار إضافي قدره 800 مليار يورو سنوياً من قبل الاتحاد الأوروبي.

وقد لاقت هذه الخطة دعماً واسعاً من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، حتى أن رئيس البنك المركزي الألماني، المعروف بتوجهاته المتشددة، دعا إلى تخفيف القيود على الإنفاق في ألمانيا. وإذا أسفرت الانتخابات في ألمانيا وفرنسا عن حكومات أقوى العام المقبل، فقد يُتذكر عام 2025 ليس بوصفه بداية لأزمة جديدة في منطقة اليورو، بل بوصفه عاماً شهدت فيه المنطقة اتخاذ خطوة كبيرة نحو تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.