الرئيس التونسي يقترح قانوناً يضمن المساواة في الإرث

«النهضة» تقول إنها سترد عليه في البرلمان «بطريقة بناءة وإيجابية»

صورة وزعتها الرئاسة التونسية للرئيس الباجي قائد السبسي خلال استقباله أعضاء لجنة الحريات والمساواة في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
صورة وزعتها الرئاسة التونسية للرئيس الباجي قائد السبسي خلال استقباله أعضاء لجنة الحريات والمساواة في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
TT

الرئيس التونسي يقترح قانوناً يضمن المساواة في الإرث

صورة وزعتها الرئاسة التونسية للرئيس الباجي قائد السبسي خلال استقباله أعضاء لجنة الحريات والمساواة في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)
صورة وزعتها الرئاسة التونسية للرئيس الباجي قائد السبسي خلال استقباله أعضاء لجنة الحريات والمساواة في العاصمة التونسية أمس (أ.ف.ب)

اقترح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، في كلمة ألقاها أمس بمناسبة احتفال البلاد بالعيد الوطني للمرأة، سن قانون يضمن المساواة في الإرث بين الجنسين، مع احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة في الإرث، تاركاً أبواب النقاش مفتوحة على مصراعيها بين التيارات المحافظة والليبرالية التي تأخذ مواقف مختلفة من هذه المسألة المثيرة للجدل.
وأكد قائد السبسي على ضرورة مراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي يهم العلاقات الأسرية في تونس، لمواكبة تطور المجتمع وملاءمة التشريعات والقوانين مع ما نص عليه دستور الجمهورية الثانية. وأضاف أن «مسألة المساواة في الميراث حُسمت»، و«لصاحب التركة الحق في اختيار إما تطبيق الدّستور وإما تطبيق الشريعة. وشدد على ضرورة تنقيح أحكام قانون الأحوال الشخصية ليتلاءم مع أحكام الدستور التونسي».
وأشار إلى الحاجة إلى الحوار وتعميق النقاش المجتمعي حول عدد من القضايا، وخفف من وطأة الانتقادات الموجهة إلى التقرير النهائي الذي أعدته لجنة الحريات الفردية والأساسية الذي أمر هو نفسه بتشكيلها، إذ أكد أن ما قُدّم حتى الآن ليس قانوناً بل اجتهاد فكري يمكن الرجوع إليه عند الاقتضاء. وكان الرئيس التونسي قد شكل هذه اللجنة في أغسطس (آب) عام 2017 وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة في الميراث.
وكشف السبسي عن عدم تفاعل بعض الأحزاب السياسية مع ما تضمنه التقرير، مشيراً إلى أن حركة «النهضة» وجّهت رسالة فيها بعض الإيجابيات وعدد من «الاحترازات» حول ما جاء في التقرير النهائي للحريات الفردية والأساسية.
وفي هذا الشأن، قالت آمال القرامي أستاذة الحضارة الإسلامية بالجامعة التونسية إن هذا التقرير قد حُوّلت وجهته الأساسية من الدفاع عن حرية الضمير والمعتقد إلى تعبئة و«تجييش» ضد مسائل على صلة بالدين. وأكدت أن ربط التقرير الحالي حول الحريات الفردية بحقوق النساء وقانون الأحوال الشخصية الذي يهم الأسرة التونسية، عملية تقلل من أهمية هذا التقرير الذي احتوى على عدد آخر من الحريات الأكاديمية على غرار حرية ممارسة الفنون وهي لا تهم المرأة فقط.
وعلى مستوى التفاعل السياسي مع هذا التقرير، دعا أكثر من حزب سياسي تونسي إلى تعميق الحوار حول هذه الحريات وعدم الاكتفاء بالاصطفاف وراء رؤية معينة إما رافضة أو مؤيدة لما تضمنه التقرير الرئاسي. وفي هذا الشأن، قال زهير الحمدي رئيس حزب التيار الشعبي (قومي) إن توجيه النقاشات السياسية نحو الاستقطاب الثنائي «المغشوش» بين حركتي «النداء» و«النهضة» قد يمثّل خطراً محدقاً بالأمن القومي التونسي نتيجة الخلافات الحادة وتهديد أكثر من طرف سياسي واجتماعي بالنزول إلى الشارع إما لفرض هذا التقرير وإما لسحبه والتخلص منه. وحذّر من العودة إلى المناخ السياسي الذي عرفته تونس بين عامي 2012 و2013 وسيطرة أجواء الكراهية والتكفير والتحريض على المخالفين في الرأي.
من جهته، أكد عماد الخميري، المتحدث باسم حركة «النهضة»، أن تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة سيكون «منطلقاً لحوار مجتمعي واسع»، وقال إن موقف حزبه من التقرير منسجم مع ما دعا له رئيس الجمهورية السنة الماضية، عبر تأكيده على ضرورة عدم المساس بالشعور الديني للتونسيين من خلال الإصلاحات المقترحة. لكن محرزية العبيدي، القيادية في «النهضة»، قالت في تصريح إذاعي إن حزبها يرفض مقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، موضحة أن «النهضة» سترد على مشروع القانون الذي سيقدمه الرئيس إلى البرلمان «بطريقة بناءة وإيجابية»، على حد تعبيرها.
بدورها، أكدت يمينة الزغلامي، عضو البرلمان التونسي عن حركة «النهضة»، اختلاف السياق الزمني بين قانون الأحوال الشخصية، الذي أقره الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، وقانون الحريات الفردية المطروح حالياً للنقاش، مشيرة في هذا الصدد إلى أن بورقيبة قام بإشراك علماء الزيتونة في ذاك القانون الذي حافظ على تماسك الأسرة، وعلى الروابط المميزة للأسرة التونسية.
ويتضمن تقرير الحريات الفردية والمساواة مقترحات أثارت جدلاً سياسيا واجتماعياً ودينياً قوياً، وفي مقدمها مقترح المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإعادة النظر في المهر، وإلغاء نظام رئاسة الزوج للعائلة، علاوة على إلغاء المصطلحات الدينية من القانون التونسي.
ولا يخلو الجدل المتصاعد حول التقرير الرئاسي في خصوص الحريات الفردية والمساواة من «رائحة» المنافسة المبكرة حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة خلال سنة 2019، إذ حشد الطرفان الأساسيان في المشهد السياسي التونسي (الليبرالي والمحافظ) مناصريهما. فقد عبّر عدد كبير من التونسيين في وقفة احتجاجية ضمّت نحو 25 ألف شخص، السبت الماضي، عن رفضهم لما جاء في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة، ونددوا بفصول واردة فيه قالوا إنها «خالفت الدين والدستور»، ورددوا شعارات تؤكد أن هذا التقرير «هدم الأسرة» وأن محتواه «معاد لهوية المجتمع التونسي».
وكان الرئيس التونسي قد أجل الإعلان عن نتائج هذا التقرير إلى ما بعد الانتخابات البلدية التي أجريت في مايو (أيار) الماضي، وذلك خشية تأثير مضمونه على توجهات الناخبين. لكن ذاك التأجيل لم يمنع حزب «النداء» من تكبد الخسارة في الانتخابات البلدية. ويراهن حزب «النداء» الذي يتولى الرئيس التونسي منصب رئيسه الشرفي، على قانون الحريات الفردية والمساواة للضغط على حركة «النهضة»، منافسه الرئيسي في الانتخابات. غير أن مساسه بمسائل دينية تمس المجتمع التونسي قد تعود بنتائج وخيمة على نتائجه الانتخابية المقبلة، وفق متابعين للشأن السياسي التونسي.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».