النظام يمهّد لمعركة فتح طريق حمص ـ حلب وتأمين معاقله في حماة واللاذقية

عشرات الضحايا بقصف عنيف على معاقل المعارضة... وتضارُب حول موعد بدء الهجوم على ريف إدلب

رجل يتفقد ركام أبنية مدمرة بفعل قصف قوات النظام على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
رجل يتفقد ركام أبنية مدمرة بفعل قصف قوات النظام على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
TT

النظام يمهّد لمعركة فتح طريق حمص ـ حلب وتأمين معاقله في حماة واللاذقية

رجل يتفقد ركام أبنية مدمرة بفعل قصف قوات النظام على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
رجل يتفقد ركام أبنية مدمرة بفعل قصف قوات النظام على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي ليلة الجمعة (أ.ف.ب)

يمضي النظام السوري في الاستعداد لمعركة محدودة في ريف إدلب في شمال سوريا، تمكّنه من إعادة افتتاح طريق حمص - حلب الدولي، وتؤمّن مناطق حيوية في حماة واللاذقية، وسط تقديرات بأن يكون «الجيش السوري الحر» المتضرر الأكبر من «عملية إدلب»التي تتضارب المعلومات حول موعد انطلاقها.
وساد هدوء حذر في المحافظات الشمالية غداة قصف عنيف استهدف معاقل مسلحي المعارضة في ريف جنوب محافظة إدلب بشمال غربي سوريا بعد منتصف ليلة الجمعة، مما أسفر عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين بينهم أطفال. وتوزعت الضربات على مدينة خان شيخون وبلدة التمانعة وبلدتي التح والدرابلة، وتلت مجزرة ارتكبها النظام في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي.
وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن القصف الجوي الذي استهدف ليلة الجمعة - السبت مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا، تسبب في مقتل 53 مدنياً، بينهم 26 طفلاً. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، لوكالة الصحافة الفرنسية: «قُتل 41 مدنياً بينهم 25 طفلاً جراء القصف الجوي ليلاً على بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي»، بينما قُتل 12 آخرون بينهم طفل في الغارات على محافظة إدلب المحاذية. وكانت حصيلة سابقة قد أشارت إلى مقتل نحو 30 مدنياً.
ووصفت مصادر المعارضة في الشمال، التطورات الأخيرة بأنها «عمليات تمهيدية» عادةً ما يتبعها النظام قبل الانطلاق في حملة عسكرية واسعة، مشيرةً إلى أن المعركة «لها مبررات كافية بالنسبة إلى النظام وروسيا للمضي بها»، في إشارة إلى اتفاق غير معلن بين تركيا وروسيا على إعادة افتتاح خط حمص - حلب الدولي الخاضع في مناطق محددة لسيطرة قوات المعارضة، وتفكيك «جبهة النصرة». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «ما يتم الآن هو عمليات تحضيرية، تسبق عملية محدودة ستكون على الأرجح قبل سبتمبر (أيلول)»، وذلك خلافاً لما قاله قائد ميداني يقاتل مع القوات النظامية عن أن معركة محافظة إدلب لن تبدأ قبل بداية شهر سبتمبر القادم. وقال القائد الميداني لوكالة الأنباء الألمانية، أمس: «تواصل القوات الحكومية إرسال تعزيزات عسكرية إلى محافظتي حماة وإدلب، وأول تلك التعزيزات توجهت أمس إلى معسكر جورين في أقصى الشمال الغربي من محافظة حماة وقرب مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي». وأكد القائد العسكري أن «تعزيزات عسكرية أخرى للقوات الحكومية وصلت إلى مواقع للقوات الحكومية شرق مدينة حماة استعداداً لمعركة ريفي حماة وإدلب».
غير أن سياق المعركة، لن يكون واسعاً، حسب ما يقول الباحث السياسي السوري والخبير في شؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج، الذي أعرب عن اقتناعه بأنه «إذا ما باشر النظام بالمعركة الآن، فإنه لن يذهب إلى اجتياح كامل، إذ ستكون المعركة محدودة بالسيطرة على طريق حمص - حلب الدولي، وستطال جنوب المحافظة المرتبطة بشمال محافظة حماة بغرض تأمين منطقة وسط سوريا الخاضعة لسيطرته، إضافة إلى السيطرة على جسر الشغور بهدف إبعاد المعارضة عن اللاذقية وتأمين المحافظة الحيوية» التي تعد معقلاً للنظام، وتقيم فيها روسيا قاعدتها العسكرية الأكبر في سوريا.
وقال الحاج: «سيحاول النظام اللجوء إلى المصالحات لتخفيف الخسائر، لكنه في المقابل لن يمضي في عملية واسعة لأسباب عدة أهمها أن هناك مئات الآلاف من اللاجئين الذين قد يتدفقون إلى تركيا، ولا تستطيع تركيا استيعابهم بأكملهم إذا ما اتخذ القرار العسكري بالسيطرة على كامل المحافظة، فضلاً عن أن مشكلة جبهة النصرة لم تُحل بعد»، ما يعني أن جزءاً من المحافظة سيبقى متاحاً لقوات المعارضة، بسبب قضية اللاجئين.
ويقول مطلعون على الملف إن الاتفاق الروسي - التركي الذي تم التوصل إليه في آستانة العام الماضي يتضمن شقين لم يتم تنفيذهما، وسيكونان «ذريعة للنظام للهجوم على إدلب» بعد أن صفّى مناطق سيطرة المعارضة تدريجياً بأرياف دمشق ودرعا والقنيطرة وحمص، وهما ملف طريق حمص - حلب الدولي، وملف إنهاء «النصرة» وتفكيكها، والتوصل إلى حل كامل لمسألة الجماعات المتشددة، وهو ما عملت عليه تركيا منذ أكثر من عام. وقال الحاج: «قطعت تركيا شوطاً كبيراً في جهود تفكيك (النصرة) وإعادة دمج عناصرها، لكنها لم تستطع إنهاء هذا الملف بعد. نحن أمام وضع جديد لـ(النصرة)، بعد انسحابها من أكثر من 400 قرية في وقت سابق، وتركز وجودها في شمال المحافظة، لكنه ليس الوضع المثالي بعد، بالنظر إلى أن عملية تكييفها ودمج عناصرها هي الحلقة الأصعب كونها مرتبطة بملف الأجانب وحل التنظيم نهائياً». لكنه أشار إلى أن التنظيم المتشدد «لن يحل كيانه إلا إذا أحس بأنه معرّض للفناء بالكامل». وقال: «إنجاز عملية كاملة في هذا الوقت غير متاح وغير ممكن، ما يعني أن (النصرة) ستكون لديها قدرة على البقاء، حتى أشهر إلى الأمام على الأقل، ولن تكون معرضة لهجمات كون عملية النظام بعيدة عن مواقع وجودها في الشمال، بينما سيكون (الجيش الحر) وتحديداً (جيش العزة) هو الأكثر تضرراً من العملية المزمع القيام بها، لأنه يوجد في مناطق جنوب المحافظة».
وقال قائد عسكري في «جيش العزة» التابع لـ«الجيش الحر» إن فصائل المعارضة المشاركة في «الجبهة الوطنية للتحرير» تستعد لمعارك محافظة إدلب وريفي حماة الغربي والشرقي، وإن عدد مقاتلي الفصائل أكثر من مائة ألف مقاتل بقيادة فضل الله الحجي على جبهات ريف حلب الجنوبي وجبهات إدلب وريفي حماة الشرقي والغربي وريف اللاذقية.
من جانبه، كشف مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية عن أن تركيا أبلغت فصائل المعارضة في شمال سوريا بضرورة الاستعداد للمعركة وقالت لهم: «استعدوا للمعركة ونحن نتدخل في الوقت المناسب». وأكد المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لوكالة الأنباء الألمانية: «لن تترك تركيا فصائل المعارضة كما حصل في غوطة دمشق ودرعا، بل سيكون لها وجود قوي في شمال سوريا من خلال الفصائل المرتبطة بها، وتقوم تركيا حالياً بتقديم خدمات من مستشفيات ومعاهد وجامعات واتصالات في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي وحماة، لذلك لن تترك الفصائل وحدها بمواجهة القوات الحكومية المدعومة بغطاء جوي روسي». وأشار إلى أن هناك توافقاً روسياً - تركياً على فتح الطرق الدولية في محافظة حلب إن كان لجهة دمشق - حلب أو لجهة حلب والحدود التركية عبر معبري باب السلامة وباب الهوى.
ميدانياً، رصد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» استهداف قوات النظام بمزيد من القذائف المدفعية والصاروخية، لمناطق في قرى الأربعين والزكاة ومعركبة، الواقعة في القطاع الشمالي لحماة، ليرتفع إلى أكثر من 1914 عدد القذائف المدفعية والصاروخية التي أطلقتها قوات النظام مستهدفة مناطق في القطاع الشمالي من ريف حماة والقطاعين الشمالي الغربي والشمالي الشرقي، خلال الأيام الـ35 الأخيرة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن «أبو البراء الحموي» وهو من قادة المعارضة المسلحة في شمال حماة، أن الضربات على بلدة أورم الكبرى غرب حلب تسببت في ما وصفه بالمذبحة. وذكرت قناة «أورينت» التلفزيونية المؤيدة للمعارضة أن 20 شخصاً قُتلوا، بينما قال «المرصد» إن 18 شخصاً على الأقل قُتلوا. وكان الجيش السوري قد ألقى منشورات، الخميس، فوق محافظة إدلب تدعو الناس إلى الموافقة على عودة حكم الدولة وتبلغهم بأن الحرب شارفت على نهايتها.
وقال الحموي إن هجمات، أول من أمس (الجمعة)، وهي الأعنف منذ أشهر، بدت جزءاً مما وصفه بالحرب النفسية على السكان. وأضاف لـ«رويترز» أن مقاتلي المعارضة مستعدون لصد أي هجوم محتمل مع قوات الحكومة، مشيراً إلى أن إدلب مختلفة عن بقية المناطق.
وقال محمد رشيد، وهو متحدث باسم «جيش النصر» في محافظة حماة، إن القوات الموالية للحكومة السورية لم تتقدم بعد براً، وإن الهجمات تعتمد على القصف والغارات الجوية.
وذكرت جماعة الخوذ البيضاء للإغاثة التي تعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، على حسابها على «تويتر»، أن براميل متفجرة استُخدمت في القصف.
ونقلت «رويترز» عن الوكالة العربية السورية للأنباء السورية الرسمية، أن الجيش السوري نفّذ عمليات ضد ما وصفها بـ«الجماعات الإرهابية» في ريف حماة الشمالي ودمر عدداً من مقراتها وقتل وأصاب عدداً غير محدد من أفرادها.
وعقب حملة القصف الجوي والمدفعي ليلة الجمعة، ساد هدوء حذر في شمال سوريا، أمس. وتزامن هذا الهدوء مع إدخال القوات التركية شحنة جديدة من الكتل الإسمنتية والجدران مسبقة الصنع، حيث تستخدمها القوات التركية في تحصين نقاطها العسكرية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».