صرخة في لبنان لإنقاذ التعليم العالي وتحذيرات من انهيار المعايير

مع تراجع المستوى وتلويح جامعات أوروبية بعدم قبول الشهادات اللبنانية

الجامعة الأميركية في بيروت من الجامعات التي علقت عضويتهما في «رابطة جامعات لبنان} (غيتي)
الجامعة الأميركية في بيروت من الجامعات التي علقت عضويتهما في «رابطة جامعات لبنان} (غيتي)
TT

صرخة في لبنان لإنقاذ التعليم العالي وتحذيرات من انهيار المعايير

الجامعة الأميركية في بيروت من الجامعات التي علقت عضويتهما في «رابطة جامعات لبنان} (غيتي)
الجامعة الأميركية في بيروت من الجامعات التي علقت عضويتهما في «رابطة جامعات لبنان} (غيتي)

بعد الانتقادات الموجهة لمستوى التعليم العالي في لبنان وسلسلة الأحداث التي كانت مرتبطة بالجامعات اللبنانية والتي كان آخرها تزوير شهادات لعسكريين، أتت الصرخة هذه المرة من أعرق المؤسسات أمس، بعد أن برز جدل حول معلومات بتلويح جامعات أوروبية بعدم الاعتراف بالشهادات التي تمنحها «الجامعة اللبنانية» وهو ما نفته الأخيرة.
وبعد الإعلان قبل أيام عن تعليق كل من «الجامعة الأميركية في بيروت» و«جامعة القديس يوسف» عضويتهما في «رابطة جامعات لبنان» مطالبتين بتنقية الجامعات اللبنانية، وهو الأمر الذي لطالما طالبت به عدة أطراف معنية وبشكل خاص أساتذة في الجامعة الوطنية، استفاق اللبنانيون أمس على خبر يشير إلى أن الاتحاد الأوروبي هدّد لبنان بعدم الاعتراف بشهادة «الجامعة اللبنانية» ما لم تعمل على إصلاح مناهجها خلال 3 سنوات، لتعود الجامعة بعد ذلك وتصدر بيانا تنفي فيه هذا الخبر متّهمة بعض الجامعات الخاصة بالاستفادة من معلومات مغلوطة من أجل ضرب الجامعة الوطنية.
ولا يعني نفي الجامعة أن التعليم العالي في لبنان لا يواجه مشكلة حقيقية. ففي السنوات الأخيرة بدأت المحاصصة الطائفية والمذهبية عبر «توزيع التراخيص» بإنشاء الجامعات بعيدا عن معايير محددة، رغم أن بعض الجامعات اللبنانية لا تزال تتصدر الجامعات العالمية والعربية بمستوى تعليمها؛ إذ، ووفق آخر تقرير لمؤسسة «كواكواريلي سيموندس» البريطانية المختصة بالتعليم الذي نشر قائمة بأفضل ألف جامعة في العالم لعام 2019، احتلت «الجامعة الأميركية في بيروت» المرتبة الأولى من أصل مائة، وعالميا المرتبة 237. وعلى الرغم من أنّ اسم الجامعة اللبنانية لم يرد في تصنيف أفضل ألف جامعة عالمياً فقد احتلت المرتبة 25 عربياً، فيما كانت «جامعة القديس يوسف» في المرتبة 12 لكنها في المرتبة 500 عالميا.
كما سجّل حضور لعدد من الجامعات الخاصة ضمن هذا الترتيب، بحيث كانت ضمن الخمسين الأولى عربيا وبين الـ500 والألف عالميا.
لكن هذا الترتيب الذي يظهر مستوى عدد من الجامعات في لبنان، ويؤكد عليه مسؤولون فيها، بات اليوم أمام خطر انفلات المعايير بحسب مسؤولين في «القديس يوسف» «والجامعة الأميركية»، وهو ما أدى إلى تعليق عضوية الجامعتين في «رابطة جامعات لبنان»، وهو ما لا يختلف مع وجهة نظر الباحث والأستاذ في «الجامعة اللبنانية» الدكتور عصام خليفة الذي يرى أن «(الجامعة اللبنانية) من أكثر المتضررين من هذا الواقع» محذرا من النتائج إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
ويؤكد مصدر مسؤول في «القديس يوسف» ووكيل الشؤون الأكاديمية في «الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور محمد حراجلي، أن قرار التعليق كان قبل 3 أشهر، أي قبل قضية تزوير شهادات العسكريين، لكنه جاء بناء على أمور عدة؛ أهمها الواقع المرير الذي يعاني منه هذا القطاع والتخمة في الجامعات الخاصة التي باتت تنعكس سلبا على مستوى التعليم وتقدّمه.
ويقول حراجلي لـ«الشرق الأوسط»: «اتخذنا القرار بعدما بات الربح المادي هو الهدف الأساسي لإنشاء الجامعات في لبنان، التي باتت تعاني من تخمة، كما منح التراخيص وفق التدخل والمحاصصة السياسية بعيدا عن أي معايير وضوابط، وبالتالي لم يعد هناك من جدوى في التعاون والبقاء في الرابطة في ظل هذا الواقع». وأكد في الوقت عينه أن باب «الأميركية» مفتوح للتعاون مع كل الجامعات شرط الحرص على مستوى التعليم، ومع كل الطلاب خصوصا المتفوقين منهم الذين يحصلون بشكل دائم على منح للدراسة فيها.
ما يقوله حراجلي يؤكد عليه أيضا مصدر مسؤول في «اليسوعية»، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة ليست بإعطاء التراخيص؛ إنما في غياب المعايير التي تعطى بناء عليها، والضوابط والمناهج التي يفترض أن تعتمد»، مضيفا: «إذا بقي الوضع على ما هو عليه فسيكون مصير التعليم العالي في خطر حتمي، وعلّ قرار انسحابنا من الرابطة يشكّل ناقوس خطر بالنسبة إلى المسؤولين، وهو ما يبدو أنه بدأ يظهر عبر القرارات التي أخذها مجلس التعليم العالي لناحية إصدار قرار بمنع تسجيل الطلاب الجدد في جامعات متّهمة بتزوير شهادات إلى حين انتهاء التحقيق».
ويكشف المصدر أن «جامعة القديس يوسف» بدأت في المرحلة الأخيرة تواجه تشكيكا من بعض الجامعات الأوروبية في الشهادات كما أسواق العمل الأوروبية «بحيث بات هناك تدقيق لافت بشأنها خوفاً من التزوير، وهو ما لم يكن يحدث في وقت سابق».
في المقابل، ورغم موافقته على تراجع مستوى التعليم العالي ورفضه التراخيص العشوائية للجامعات الخاصة، ينتقد رئيس «رابطة جامعات لبنان» الوزير السابق سامي منقارة قراري «اليسوعية» و«الأميركية»، عادّاً أن الحرص على التعليم العالي يتطلب تعاونا من الجميع، خصوصا من قبل هذه المؤسسات العريقة وليس الانسحاب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الرابطة لم تتلقّ رسميا طلب تعليق عضوية الجامعتين، وهي بالتالي لغاية الآن تعدّهما أعضاء فيها»، موضحا أن «عددا كبيرا من جامعات لبنان لا ينضوي تحت لواء الرابطة التي لا تقبل عضوية الجامعة إلا بناء على معايير محددة، وهي تضم لغاية الآن فقط 19 جامعة». وأضاف: «إذا كان هناك أي انتقاد، فعلى الجميع التعاون وليس الانسحاب، خصوصا أن هناك معايير محددة تعتمدها الرابطة وكانت قد وضعت بموافقة ممثلي (اليسوعية) و(الأميركية)». ولفت إلى أنه وبعدما علم من الإعلام عن هذه المشكلة أرسل كتاباً إلى رئيسي الجامعتين وأنه ينتظر الرد عليه.
ولا ينفي منقارة أن هناك تراجعا في مستوى التعليم العالي في لبنان لأسباب عدة؛ أهمها منح تراخيص عشوائية، قائلا: «تحولت الجامعات إلى تجارة عند البعض، والحكومة هي من تتحمل هذه المسؤولية نتيجة الجو السياسي والمحاصصة في التعامل مع هذه القضية عبر إعطاء تراخيص عشوائية».
ومع دعوته الملحة للعمل على تحسين جودة التعليم العالي، يشير الأستاذ عصام خليفة إلى تراجع عدد طلاب «الجامعة اللبنانية» أمام انتشار الجامعات الخاصة الفاقدة أهم المعايير، لافتا إلى أن «نسبة عدد طلاب (الجامعة اللبنانية) لا تزيد على 35 في المائة؛ أي نحو 73 ألفاً (الرقم نفسه منذ 15 سنة) بعدما كانت في السابق تشكل 60 في المائة، وبالتالي كان يفترض أن تكون اليوم نحو 150 ألفاً». مع العلم بأنه يقدّر عدد الجامعات الخاصة اليوم في لبنان بنحو 50 جامعة، بعضها لا يزيد عدد طلابها على المئات أو حتى العشرات، فيما يصل العدد في «الأميركية» إلى 7300 و«اليسوعية» إلى 13 ألفا.
واتهم خليفة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» المسؤولين بالهروب من الأزمة وعدم إيجاد حل لها عبر منح تراخيص عشوائية، مؤكدا أن المدخل الأهم هو تقوية «الجامعة اللبنانية» وإنشاء 5 جامعات لبنانية شرط أن يكون لها مجلس أعلى يقوم بالتنسيق في ما بينها، ويضيف: «مع تأكيدنا على عدم رفض وجود الجامعات الخاصة؛ إنما أن يكون ترخيصها مبنيا على معايير محددة، وأن يترافق ذلك أيضا مع رقابة دائمة عليها».
وفي بيانها التي نفت فيه المعلومات حول تهديد الاتحاد الأوروبي بعدم الاعتراف بشهادة «الجامعة اللبنانية»، رأت الأخيرة أن الهدف هو مصلحة الجامعات الخاصة على حساب «الجامعة الوطنية». وقالت في بيان لها: «شائعات مغرضة تطال بشكل مباشر الجامعة اللبنانية، وآخرها الشائعة المتعلقة بعدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بشهادات الجامعة، والتي لا أساس لها من الصحة وهي تستهدف الجامعة اللبنانية لمصلحة بعض الجامعات الخاصة ومن أجل ضرب الجامعة الوطنية».
وأوضحت أن «الجامعة أقدمت طوعاً على تقييم الجودة فيها من قبل المجلس العالي للتقييم والاعتماد للتعليم العالي المسؤول عن تقييم التعليم العالي والبحث العام في فرنسا، وهذه الخطوة جاءت بناء على توصية (منظمة الصحة العالمية) و(الاتحاد العالمي للتعليم الطبي) بوجوب إجراء اعتماد الجودة لكليات الطب في جميع أنحاء العالم، وقد باشرت كلية الطب في الجامعة، وجميع كليات الطب الخاصة في لبنان من عام 2017، بالترتيبات اللازمة للحصول على الاعتماد المذكور، وهو أمر يستلزم تطبيقه عند الجميع فترة لا تقل عن السنتين». وشدّد بيان الجامعة اللبنانية على أن نظام التقييم الذي تخضع له «لم ولن يكون شرطاً لقبول شهادة الجامعة اللبنانية من قبل عدد كبير من الجامعات في العالم». وأضاف: «معظم الدول الأوروبية تعترف بشهادة جامعتنا الوطنية التي تتبع نظام الأرصدة، كما أن هناك الكثير من الاتفاقيات الثنائية الموقعة بينها وبين الكثير من الجامعات الأوروبية وغير المرتبطة بتطبيق نظام الجودة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».