مجسمات محلية تزيح تماثيل الأسد في مناطق شرق الفرات

في عامودا تم تحطيم التمثال مرتين خلال 7 سنوات

نُصب المرأة الحرة في مدينة عامودا محل تمثال حافظ الأسد الذي كُسر مرتين («الشرق الأوسط»)
نُصب المرأة الحرة في مدينة عامودا محل تمثال حافظ الأسد الذي كُسر مرتين («الشرق الأوسط»)
TT

مجسمات محلية تزيح تماثيل الأسد في مناطق شرق الفرات

نُصب المرأة الحرة في مدينة عامودا محل تمثال حافظ الأسد الذي كُسر مرتين («الشرق الأوسط»)
نُصب المرأة الحرة في مدينة عامودا محل تمثال حافظ الأسد الذي كُسر مرتين («الشرق الأوسط»)

اعتاد السوريون منذ تولى حزب البعث السلطة في سوريا في سبعينات القرن الماضي، على مشاهدة صور وتماثيل الرئيس السابق حافظ الأسد؛ والحالي بشار الأسد، معلقة على واجهة المؤسسات وجدران الدوائر الحكومية والأبنية العامة. وانتشرت تلك التماثيل والمجسمات على مداخل المدن والبلدات وتوسطت الساحات العامة، لتصل ذروتها في تسعينات وبداية الألفية الجديدة بوضعها في كل صف ومدرسة وبناء تربوي، غير أن تواريخ الانتفاضات في منطقة تجمع أكراد سوريا التي تُعرف اليوم بـ«شرق الفرات»، تشهد على تحطيم تماثيل وتمزيق صور كانت الأولى من نوعها في سوريا لتحل محلها مجسمات محلية خالصة.
يروي أهالي مدينة عامودا (أقصى شمال سوريا)، أن أول تمثال لحافظ الأسد كُسر مع تمزيق صوره كان يوم 12 مارس (آذار) 2004، على أثر أحداث دامية وقعت بعد مباراة كرة قدم بين مشجعي فريق الفتوة (دير الزور) والجهاد (القامشلي) على ملعب الأخير، آنذاك تدخلت الأجهزة الأمنية والشرطة واستخدمت العنف المفرط ضد مشجعي الجهاد بعد مقتل ثلاثة أشخاص بينهم طفلان. وفي اليوم التالي وصلت شرارة الاحتجاجات إلى عامودا الواقعة على بعد 20 كيلومتراً غربي مدينة القامشلي، وخرجت مظاهرة حاشدة رداً على تلك الأحداث، وقام المحتجون بكسر تمثال حافظ الأسد الكائن عند المدخل الشرقي للمدينة، ومزّقوا صوره المعلقة على الأبنية الحكومية، واستمرت حركة الاحتجاجات عدة أيام راح ضحيتها 36 مدنياً.
الحدث كان الأول في تاريخ سوريا، وقال عبد الرحيم (32 سنة) الذي شارك في تلك الاحتجاجات لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام لم يقف متفرجاً، بل «شن حملة اعتقالات طالت الكثير من الشباب، وتعرض هؤلاء للتعذيب والإهانة في أقبية المخابرات، بتهمة كانت كسر التمثال».
وفي اليوم الثالث، وصلت الاحتجاجات إلى مدينة رأس العين وتسمى بالكردية (سري كانيه)، (تقع على بعد 86 كيلومتراً غرب القامشلي)، وتوجه المتظاهرون الغاضبون إلى تمثال حافظ الأسد الواقع في المدخل الجنوبي للمدينة وقاموا بتكسيره. ونقل عبدو (41 سنة) أحد الذين تعرضوا للاعتقال والتعذيب آنذاك، أن مسؤولي النظام اشترطوا على الأهالي إعادة ترميم التمثال وإصلاحه مقابل الإفراج عن أبنائهم، ويروي لـ«الشرق الأوسط» كيف تعرض للتعذيب الوحشي وتم تحويله إلى العاصمة دمشق، «تعرضنا لأشكال لم نسمع بها من التعذيب، الكرسي الألماني والتشبيح والدولاب».
بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية أواسط مارس 2011، شارك الأكراد في حركة الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم، إلا أن حدثاً مؤلماً غيّر مسار الوقائع، ففي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2011، إذ اغتيل المعارض الكردي مشعل تمو رئيس تيار المستقبل الكردي بأيدٍ مجهولة، على أثر الحادثة، خرجت مظاهرات كانت الأكبر في المدن ذات الغالبية الكردية شمال شرقي سوريا. يومذاك؛ شيّع الأكراد فقيدهم بمظاهرة حاشدة خرجت من مدينة القامشلي وتوجهوا مشياً على الأقدام، إلى مسقط رأس التمو في قرية جنازية التابعة لبلدة الدرباسية مروراً بمدينة عامودا، ويضيف عبد الرحيم: «يومها توجه المشيعون إلى حيث تمثال حافظ الأسد شرق المدينة وكسروه مرة ثانية».
بعدها، غيّر نشطاء عامودا اسم الساحة من دوار الرئيس إلى (ميدان الشهداء)، وقامت بلدية عامودا التابعة للإدارة الذاتية الكردية، ببناء تمثال على شكل امرأة تحمل شعلة في يدها اليمنى، وكُتب في اليد اليسرى، وسميت الساحة باسم ميدان (المرأة الحرة).
ولا يزال النظام السوري يحتفظ بمربعين أمنيين في مدينتي الحسكة والقامشلي. ففي الحسكة يبدأ المربع من شارع القامشلي غرباً ويشمل ساحة الرئيس، ولا يزال تمثال حافظ الأسد يطل على الأبنية الحكومية والقصر العدلي وسرايا المحافظة التي تنتهي عند الحارة العسكرية شرقاً. أما في القامشلي، فيتوسط تمثال حافظ الأسد دوار السبع بحرات، وتقع على جانبيه مقرات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، وينتشر رجال الشرطة وعناصر المخابرات بكثافة حول التمثال مدججين بالأسلحة.
وبعد سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية على معظم مدينة الحسكة، رسمت علمها بنقش وألوان العلم الكردي محل صورة الرئيس الحالي بشار الأسد، في المدخل الغربي لمدينة الحسكة. كما بني تمثال على شكل حرف K في إشارة إلى الحرف الأول من اسم كردستان، محل مجسم حديدي لرأس حافظ الأسد كان موضوعاً في المدخل الجنوبي لمدينة الدرباسية (45 كيلومتراً غرب القامشلي)، كما بنيت منحوتة كرة أرضية محل تمثال حافظ الأسد في مدينة إس العين. أُزيلت صور وتماثيل الأسد من جميع المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، شرق نهر الفرات وفي مدينتي الطبقة ومنبج. ففي مدينة الرقة شمال سوريا والتي حررتها (قوات سوريا الديمقراطية) من قبضة تنظيم داعش في أكتوبر 2017. يروي مصطفى (59 سنة) المتحدر من الرقة ويعمل رجل إطفاء، إنه شاهد بأم عينه كيف سقط وكسر تمثال حافظ الأسد الكائن في ساحة المحافظة وسط المدينة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لن أنسى ذلك اليوم ما حييت، ففي 4 مارس 2013، كنت يومها مناوباً في الإطفائية، عندما احتشد متظاهرون من أهالي الرقة وهتفوا بأن المدينة تحررت. وقتها هجم الجميع على التمثال وأسقطوه أرضاً».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».