تركيا أمام تحدي «الخيارات الصعبة» في سوريا

أنقرة تشعر بأن هناك تفاهماً روسياً ـ أميركياً على تهميشها... والانفراد بالحلول

تركيا أمام تحدي «الخيارات الصعبة» في سوريا
TT

تركيا أمام تحدي «الخيارات الصعبة» في سوريا

تركيا أمام تحدي «الخيارات الصعبة» في سوريا

تثير التطورات الأخيرة في سوريا، سواء على الصعيد الميداني أو صعيد التحركات السياسية والدبلوماسية المنصبة على الملف السوري، قلق تركيا بشأن ما حققت في شمال سوريا، وإمكانية إجبارها على مغادرة مناطق تمركزها هناك... أو فرض تسويات تجعلها تقبل بأقل من طموحاتها في المنطقة.
جاء أوضح تعبير عن حالة القلق التي تعتري تركيا اليوم من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي قال، إن «التطورات في تل رفعت أو منبج شمال البلاد لا تسير حالياً في الاتجاه المطلوب». وكان إردوغان قد بحث التطورات الأخيرة في سوريا، بالتفصيل، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة دول «بريكس» التي عقدت الأسبوع الماضي في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا. وقال الرئيس التركي، إنه تناول مع بوتين المستجدات «الشائكة» في محافظة درعا جنوب سوريا، وملف إدلب في الشمال، مشيراً إلى إمكانية وقوع أحداث طارئة وغير متوقعة في هاتين المحافظتين... و«نحن نريد أن يكون الشعب السوري محمياً من الهجمات، وبخاصة تلك التي تنفذها بعض (المنظمات الشرسة)، وسنعمل على تأمين هذه الحماية من خلال التباحث حول هذه القضايا». وتناول إردوغان مع بوتين أيضاً ملف منطقة تل رفعت بريف محافظة حلب السورية، ووجود عناصر من الميليشيات الكردية فيها، لافتاً إلى أن التطورات في تل رفعت ومنبج لا تسير حالياً في الاتجاه المطلوب، وأن عفرين وجرابلس والباب، هي المناطق الوحيدة في سوريا التي تتطور فيها الأمور في الاتجاه المطلوب. وللعلم، تقع هذه المناطق ضمن سيطرة فصائل الجيش السوري الحر والجيش التركي، في أعقاب عمليتي «غصن الزيتون» و«درع الفرات» اللتين نفذهما الجيش التركي بدعم من الجيش الحر، وأصبحت مرتبطة إدارياً بالولايات التركية الجنوبية، مثل غازي عنتاب وكيليس وهطاي. وأعلن إردوغان، أنه تم الاتفاق على عقد «قمة رباعية» تركية - روسية - ألمانية - فرنسية في إسطنبول في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل لبحث التطورات في سوريا.

تشعر تركيا راهناً بقلق كبير من تصاعد الحديث عن تخطيط النظام السوري للبدء في عمل عسكري في محافظة إدلب بعد الانتهاء من ملف الجنوب. وهذا أمر سبق أن حذّرت أنقرة منه وطالبت روسيا بالوفاء بالتزاماتها، كـ«دولة ضامنة» لاتفاق «مناطق خفض التصعيد» الذي تم التوصل إليه في مباحثات آستانة، ومنع نظام الأسد من الإقدام على مثل هذه الخطوة.
وكشفت مصادر إعلامية قريبة من الحكومة التركية عن أن أنقرة قدمت «ورقة بيضاء» لموسكو بشأن الحل النهائي في «منطقة خفض التصعيد الرابعة» التي تضم قرى تمتد من اللاذقية وحماة وحلب، ومعظم ريف إدلب ومدينة إدلب، تزامناً مع تطبيق بنود مفاوضات بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين التي أسفرت عن فك الحصار الخانق الذي استمر لسنوات، وتتضمن إعادة التيار الكهربائي والمياه وعودة المرافق الحياتية والخدمية وفتح طريق حلب – دمشق، وإزالة السواتر والحواجز من منطقة دارة عزة نحو حلب الجديدة.
كذلك، شرعت تركيا، حسب صحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة في خطة لإنشاء شبكة «طرق سريعة» في الشمال السوري؛ بهدف فتح المنطقة أمام المستثمرين وتحويل المنطقة إلى مركز تجاري. وقالت، إنه من بين جملة الاستثمارات التركية الرامية للنهوض بالشمال السوري، يجري العمل على شبكة «طرق سريعة» تربط مدن وبلدات ريفي محافظة حلب الشمالي والشرقي. وأضافت أنه سيصار إلى شق «طريق سريعة» تمتد من معبر تشوبان باي الحدودي المقابل لمعبر الراعي في سوريا، إلى مركز بلدة الراعي في شمال شرقي حلب، وأن الطريق ستكون جزءاً من شبكة طرق ستمتد من الراعي إلى مدينة الباب، ومن الراعي حتى جرابلس وصولاً إلى مدينة منبج.
وأشارت الصحيفة، في الوقت ذاته، إلى استمرار المفاوضات بين تركيا وروسيا بشأن حلب، منوّهة بوجود مخطط مشترك بين كل من تركيا، وروسيا، وإيران لإعادة إعمار المدينة المدمرة بالكامل وعودة سكانها إليها، وأيضاً وجود مخطط لتحويل منطقة تبلغ 30 كيلومتراً تمتد من حدود تركيا لتشمل حدود حلب ومنبج، إلى «منطقة آمنة»، بحيث تتحول المنطقة إلى مركز تجاري بعد استتباب الأمن فيها. وفي السياق ذاته، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، أن تركيا ستواصل التنسيق مع موسكو وطهران بشأن الوضع في الشمال السوري.

- خطوات على الأرض
من ناحية ثانية، دعت تركيا جميع الفصائل والهيئات والتجمعات في شمال سوريا وأهمها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) و«حكومة الإنقاذ» و«الائتلاف الوطني السوري» و«الحكومة المؤقتة»، وباقي الفصائل إلى مؤتمر عام يعقد خلال أسبوعين لمناقشة مستقبل منطقة إدلب على ضوء التطورات الأخيرة في الجنوب السوري، وفي كفريا والفوعة بمحافظة إدلب. ومن المتوقع، حسب ما رشح من معلومات، أن تطلب تركيا من الجميع تسليمها السلاح الثقيل والمتوسط لتتولى جمعه وتخزينه لديها، ومن ثم يُعلَن عن تأسيس ما يسمى «الجيش الوطني» من جميع الفصائل المسلحة، وتأسيس «هيئة موحّدة» للكيانات غير العسكرية تنفذ مهاماً مدنية وخدمية بإشراف تركيا وإدارتها.
وبدأ الجيش التركي، بالفعل، تعزيز نقاط المراقبة التي نشرها في إدلب بكتل إسمنتية وسط جدل متصاعد حول مستقبل المحافظة الواقعة في شمال سوريا والمشمولة باتفاق «مناطق خفض التصعيد» الذي أمكن التوصل إليه خلال مباحثات آستانة بضمان كل من تركيا، وروسيا، وإيران. وحالياً، تواصل تركيا تعزيز نقاط المراقبة التي نشرتها سواء بالآليات العسكرية، أو أبراج الاتصالات ثم الجدران الإسمنتية، فضلاً عن إنشاء نقاط إسعاف شبيهة بالمستشفيات الميدانية.
كذلك، أعلنت تركيا مناطق الحدود مع سوريا «مناطق أمنية» يحظر الدخول إليها حتى اليوم 4 أغسطس (آب)؛ بسبب إرسال تعزيزات عسكرية إلى هذه المناطق واستمرار العمليات العسكرية فيها، وذلك بعدما أعرب الرئيس إردوغان عن قلقه من استهداف المدنيين في إدلب. وكان الرئيس التركي قد أكد في اتصال مع نظيره الروسي بوتين، أن «تقدم قوات النظام نحوها بطريقة مماثلة لما حدث في درعا يعني تدمير جوهر اتفاق آستانة».

- تهميش تركيا... وتداعياته
الحقيقة، أن المخاوف التركية أخذت تتصاعد بعدما ظهرت مؤشرات على تنسيق روسي - أميركي في سوريا عقب قمة الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي.
وبحسب المحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان «يبدو أن هناك تفاهمات روسية - أميركية طرأت خلال قمة هلسنكي الأخيرة بشأن الخطوط العريضة لملف تسوية الأزمة السورية، وذلك في ظل اتفاق أوسع على خريطة طريق جديدة لتشكيل توازنات إقليمية جديدة، وتحديد القوى المؤثرة في التعامل مع ملفات المنطقة في الفترة المقبلة». كذلك، ذهب مراقبون ومحللون إلى حد القول، إن خريطة سوريا السياسية والدستورية الجديدة، وعمليات إعادة الإعمار ووقف إطلاق النار وعودة اللاجئين، باتت كلها مسائل تختص بها موسكو وواشنطن؛ ما يعني عملياً إبعاد دور تركيا وإيران في المعادلة السورية أو تهميشهما.
ويرى بعض المحللين أن أنقرة، التي لن تستطيع التأثير في القرار الأميركي بسبب التوتر الشديد في العلاقات حالياً على خلفية قضية القس الأميركي أندرو برنسون وصفقة صواريخ «إس – 400» الروسية، ستضطر إلى التوجه إلى بدائل لواشنطن. وبالتالي، سيكون التحرك باتجاه التنسيق مع طهران وأطراف أخرى مثل فرنسا وألمانيا... إضافة إلى الحفاظ على قوة الدفع الحالية في العلاقات مع موسكو. لكن حتى هذه العلاقات، التي تحسّنت مع موسكو بشكل كبير في العامين الأخيرين، باتت هي الأخرى تحت تأثير مستجدات سلبية منها اللقاءات الروسية - الإسرائيلية والروسية - الإيرانية قبل قمة هلسنكي، واحتمالات وجود صفقة تفرض على تركيا في الشمال الشرقي والغربي من سوريا؛ بما يتعارض مع حسابات أنقرة وتفاهماتها مع واشنطن وموسكو بشأن الملف السوري. ثم هناك مشكلة أخرى لتركيا تتمثل في تمسك واشنطن بتحالفها مع ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) - ذات الغالبية الكردية - رغم التفاهمات بين واشنطن وأنقرة بشأن منبج. ومن وجهة نظر المحللين، فإن القيادة التركية سترفض حتماً أي نقاش مشابه لوضع منبج في منطقة شرق الفرات أو شرق سوريا، حيث تعتبر أن المسألة تتعلق بالتفاهمات الأميركية الروسية مباشرة.

- مشاعر قلق جدية
هذا، ويلفت مراد يتكين، الكاتب الصحافي المختص بالشؤون الخارجية ورئيس تحرير النسخة الإنجليزية لصحيفة «حريت» التركية، في تعليق لـ«الشرق الأوسط» إلى الاجتماعات المتتالية بين النظام السوري وممثلي «قسد» دون أي شروط مسبقة، موضحاً أنها «تقلق أنقرة، ولا سيما، لجهة أنها قد تكون بتوصية أميركية - روسية للطرفين لحسم خلافاتهما في الشمال الشرقي وشرق سوريا». وكانت «قسد» - التي تشكل ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري - قد أبدت استعدادها للتوقف عن المطالبة بالنظام الفيدرالي والعودة إلى التركيز على النظام اللامركزي؛ الأمر الذي قد يخدم قضية استعادة سوريا وحدتها وسيادتها على كل ترابها الوطني.
من ناحية ثانية، يرى المحلل السياسي التركي سعادات أرجين «أن الخطة الروسية - الأميركية التي بدأت تتضح معالمها في اجتماع سوتشي، الثلاثاء الماضي، للدول الضامنة في آستانة (روسيا وتركيا وإيران) تقوم توحيد مسارات الحلول والقرارات بشأن سوريا (جنيف وآستانة وسوتشي) ضمن تفاهم أميركي - روسي للتوافق على شكل الحل السياسي والدستوري في سوريا. وهو ما يثير قلق تركيا من احتمالات إبعادها وطهران عن أي مسارات للحل مستقبلاً».

- طمأنة روسية لإسرائيل
وفي تأكيد واضح لهذه المخاوف من جانب أنقرة، «وفي حين بعثت موسكو برسائل طمأنة إضافية إلى إسرائيل بأن إيران وميليشياتها لن تكون موجودة في الجولان بجنوب غربي سوريا، فإنها (أي موسكو) طالبت تركيا بالقضاء على وجود (جبهة النصرة) في محافظة إدلب»؛ ما اعتبره مراد يتكين «ضغطاً روسياً صريحاً على تركيا وإحراجاً لها».
كما يبدو، فإن الأطراف الثلاثة الضامنة لمسار آستانة أخفقت في ختام اجتماعها الأخير في منتجع سوتشي الروسي، الثلاثاء الماضي، في تقريب وجهات النظر حول الملفات الأساسية التي طرحت للنقاش، وحال التباين الواسع حول الوضع في إدلب دون الاتفاق على خطوات مشتركة للتحرك في البيان الختامي الذي تجاهل الوضع في هذه المحافظة الحدودية السورية المتاخمة لتركيا. وأكد المبعوث الرئاسي الروسي ألكسندر لافرينييف بعد الاجتماع «ضرورة قطع دابر المجموعات الإرهابية في إدلب، وفي مقدمتها (جبهة النصرة)». وأضاف «لقد دعَونا المعارضة المعتدلة إلى تنسيق أكبر مع الشركاء الأتراك لحل هذه المشكلة».

- تحركات تركية
في هذه الأثناء، ورغم القلق، كشفت تركيا عن نيتها مواصلة عملياتها ووجودها العسكري في شمال سوريا لـ«تحويل المناطق التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية إلى مناطق آمنة». وذكرت وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، أن 3 فصائل عسكرية تابعة للجيش السوري الحر انضمت إلى «الجبهة الوطنية للتحرير»، ليشكلوا بذلك أكبر كيان عسكري معارض للنظام في محافظتي حماة (وسط)، وإدلب شمال غربي سوريا قوامه قرابة 100 ألف مقاتل.
وأفادت مصادر في المعارضة السورية بأن فصائل «جبهة تحرير سوريا»، و«جيش الأحرار»، و«صقور الشام» انضمت إلى «الجبهة الوطنية للتحرير»، التابعة للجيش السوري الحر، في خطوة من جانب تركيا لتثبيت وضعها في محافظة إدلب وتشكيل جيش وطني لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتها «النصرة»، حسب اتفاق سابق مع موسكو على أن تتولى تركيا إخراج «النصرة» من منطقة حلب.
وقالت المصادر لـ«الأناضول»، إن الهدف من انضمام الفصائل المذكورة إلى «الجبهة» هو توحيد فصائل الجيش السوري الحر تحت سقف واحد. وراهناً، تواصل «الجبهة الوطنية للتحرير» أنشطتها بقيادة القائد الحالي للجبهة فضل الله الحجي.
هذا، وسبق أن انضمت فصائل «فيلق الشام»، و«جيش النصر» و«جيش إدلب الحر»، و«الفرقة الساحلية الأولى»، و«الفرقة الساحلية الثانية»، و«الفرقة الأولى»، و«الجيش الثاني»، و«جيش النخبة»، و«شهداء داريا الإسلام»، و«لواء الحرية»، و«الفرقة 23»، إلى «الجبهة» أواخر مايو (أيار) الماضي. وجاءت هذه الخطوة بعد مشاورات استمرت لأيام في العاصمة التركية أنقرة بين قيادات في المعارضة السورية ومسؤولين أتراك.
ورأى مراقبون، أن التحرك التركي استهدف تجنب الحرب على إدلب، بالإضافة إلى وضع جميع الفصائل تحت سيطرتها لتجنب الفوضى، ولا سيما، أن جميع المؤشرات تشير إلى أن الوجهة المقبلة من المعارك ستتجه إلى الشمال السوري... وخصوصاً محافظة إدلب، التي باتت وجهة لجميع الفصائل التي تدعمها تركيا، على اختلاف آيديولوجيتها.
وتراوح تصريحات المسؤولين الأتراك الآن بين التحذير والطمأنة، إضافة إلى الاستمرار في إرسال تعزيزات عسكرية إلى نقاط المراقبة التي أنشأتها في إدلب، وتحصين مواقعها، مع مطالبة واشنطن بألا تماطل في تنفيذ «خريطة الطريق» في منبج.
ووفق المحلل السياسي أرجين «تستهدف التحركات التركية إبعاد أزمة جديدة يمكن أن تواجه أنقرة بسبب الهجوم على إدلب؛ لأن تركيا التي استقبلت 3.5 مليون لاجئ، لن تستطيع تحمل استضافة 3 ملايين لاجئ آخرين في حال هجوم الأسد وحلفائه على إدلب».
ولفت المحلل التركي إلى الرسالة المبطنة للجيش التركي الموجهة إلى النظام بأن قواته المنوط بها حفظ الأمن في إدلب لن تسمح بالهجوم المحتمل على المحافظة. وهو ما يعني أن مواجهة ما قد تحدث إذا ما أقدم نظام الأسد على هذا الهجوم، لكن المعروف أن النظام لا يخطو خطوة إلا بمراجعة إيران وروسيا، وكلاهما الآن عرضة للعقوبات الأميركية التي ترفض تركيا تطبيقها.
أما يتكين فيتوقف عند اتصالات الرئيس التركي بالرئيس الروسي ولقائه معه في جوهانسبرغ، وأيضا اللقاء الرباعي التركي – الروسي – الفرنسي - الألماني المرتقب، الذي توقعت مصادر دبلوماسية أن يعقد على مستوى وزراء الخارجية، ويرى أن كل ذلك «محاولة أو مناورة من جانب أنقرة للخروج من فخ، ربما تسعى بعض الأطراف لدفعها إلى الوقوع فيه. ومن ثم، الحفاظ على التنسيق التركي - الروسي - الإيراني لمنع أي تطورات سلبية في الشمال السوري المتاخم للحدود التركية».

- أربعة خيارات... أمام تركيا
يتداول محللون سياسيون أتراك حالياً أربعة خيارات أو «سيناريوهات» يمكن لأنقرة اللجوء إليها أو حتى الاضطرار إلى القبول بها.
يتمثل الخيار الأول في الانسحاب التركي الجزئي من محافظة إدلب، والإبقاء على الوجود العسكري في بعض المناطق الحدودية.
والخيار الثاني يتمثل في الانسحاب الكامل حتى المناطق الحدودية التي تُنشئ فيها تركيا قواعد عسكرية كبيرة، والسيطرة غير المباشرة على بعض المناطق المحاذية لأراضيها من خلال إنشاء مجالس محلية من الفصائل السورية - بما في ذلك «جبهة النصرة» - . ومن ثم، التوافق مع روسيا بإشراك المجالس بأي تسوية سياسية قادمة، أو اتباع توظيف فصائل لاستهداف النظام؛ وهو ما سيؤدي إلى أن تواجه روسيا تحدياً طويل الأمد في سوريا... تسعى للتخلص منه.
والخيار الثالث قد يكون الانسحاب الكامل والاعتماد على الضمانات الروسية لمنع أي تحرك كردي، كما حصل بالفعل في الجنوب.
والخيار الرابع، والأخير، قد يكون تبادل الأراضي، عبر منح تركيا أراضي في شمال شرقي سوريا، كمنطقة تل أبيض وبعض مناطق محافظة الرقة مقابل ترك إدلب. غير أن هذا الخيار سيضعها تحت رحمة موجات نزوح جديدة بالملايين.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.