هل كان مفاجئاً ما حصل في السويداء أمس وأوقع مجزرة رهيبة تلتها هجمات لتنظيم "داعش" على قرى في المنطقة؟
تتطلب الإجابة، في موازاة هول ما حدث والخسائر البشرية الفادحة، قراءة الأحداث بعدسة التطورات الأخيرة في الجنوب السوري عموماً، والوجهة التي سلكتها لمصلحة نظام بشار الأسد بمعية القوات الروسية. فالكل كان يعتبر أن إنهاء مسألة درعا حيث انطلقت الاحتجاجات ضد النظام قبل سبع سنوات، مقدمة للاتجاه شمالا بغية طيّ الحرب السورية نهائياً.
ولكن مهلاً، ها هو تنظيم "داعش" يعود إلى الجنوب السوري من الباب الواسع في محافظة ذات غالبية درزية، علماً أن الطائفة الدرزية صاحبة الوجود التاريخي في منطقة جبل العرب، تؤيد – بتحفظ إن جاز التعبير - بغالبيتها النظام الذي تسيطر قواته على المحافظة بينما يقتصر وجود مقاتلي التنظيم على منطقة صحراوية عند الأطراف الشمالية الشرقية للمحافظة.
انطلاقاً من هذا الواقع يسأل كثيرون كيف تمكن "داعش" من تنفيذ هذه الهجمات الواسعة والمنسّقة؟ وبالتالي يذهب هذا الرأي إلى اتهام النظام الذي سبق أن ادّعى أن خطر التنظيم زال عن تلك المنطقة.
وفي هذا السياق سأل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط: "كيف وصلت وبهذه السرعة تلك المجموعات الداعشية الى السويداء ومحيطها وقامت بجرائمها قبل ان ينتفض أهل الكرامة للدفاع عن الارض والعرض؟ النظام الباسل ادعى بعد معركة الغوطة انه لم يعد هناك من خطر داعشي الا اذا كان المطلوب الانتقام من مشايخ الكرامة".
وأضاف جنبلاط: "ما هي جريمة مشايخ الكرامة سوى رفض التطوع بالجيش لمقاتلة اهلهم أبناء الشعب السوري؟ والغريب هو حماس الشيخ (موفّق) طريف في فلسطين للدفاع عن دروز سوريا وتجاهله المطلق لقانون التهويد الذي اصدره الكنيست الاسرائيلي بالامس القريب. وعلى أية حال لا فرق بين البعث الأسدي وصهيونية رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو".
واتهم ناشطون في مدينة السويداء النظام السوري بتدبير هجمات التنظيم، في ظل وجود عدد من المؤشرات الدالة على ذلك. ويلفت هؤلاء إلى أن المؤشر الأول هو ما حصل في 22 (مايو) أيار الماضي عندما نقل النظام السوري مسلحي "داعش" من جنوب دمشق إلى البادية في محيط السويداء، في إطار اتفاق غير رسمي. وشمل ذلك ما بين 800 وألف مسلح انتقلوا في 40 شاحنة بحراسة شديدة، إلى الأشرفية والعورة، على مسافة أقل من عشرة كيلومترات من ريف السويداء الشمالي الشرقي.
وفي 27 يونيو (حزيران)، سحب النظام السوري جزءًا كبيرًا من قواته من بادية السويداء إلى ريف درعا الشرقي من جهة بصرى الشام، بهدف فتح محور ضد فصائل المعارضة في درعا. وبعد سيطرة قوات الأسد على محافظة درعا، توجهت الأنظار إلى السويداء التي عاشت نوعاً من الإدارة الذاتية منذ إنشاء حركة "رجال الكرامة" عام 2014، وبالتالي شاء النظام أن يعيد بسط نفوذه على المدينة و"تأديبها".
ويشار في هذا السياق إلى زيارة وفد روسي للسويداء في 23 يونيو، واجتماعه بشكل مغلق مع مشيخة عقل طائفة الدروز لمناقشة مستقبل المحافظة، ومعالجة مسائل عالقة كقضية المتخلفين عن الالتحاق بالخدمة العسكرية.
الخلاصة أن هذا الرأي يعتقد أن النظام سهّل حركة مسلحي "داعش" لكي يرتكبوا أعمال عنف تبرّر لقواته العودة بقوة إلى محافظة السويداء ليستكمل سيطرته على الجنوب السوري، على غرار ما حصل في مناطق أخرى.
وفي المقابل، يقول رأي آخر إن ما حصل ما هو إلا حلقة في مسلسل المواجهة بين "داعش" ونظام الاسد، وإن التنظيم لا يزال موجودا رغم سلسلة الضربات التي تلقاها في مناطق سورية عدة، وقادراً على التحرك والقتال والهجوم، بما يعني أن الحرب لم تبلغ خط النهاية، وأن تفجيرات وهجمات أخرى قد تحصل في أي منطقة سورية.
السويداء... ضحية لـ«داعش» أم لعملية «تأديب»؟
السويداء... ضحية لـ«داعش» أم لعملية «تأديب»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة