إسرائيل تلتزم تهدئة في غزة بعد «ضربات قاسية»

مصر منعت حرباً في القطاع وثبتت ثاني هدنة في أسبوع

القصف الإسرائيلي على غزة ليل الجمعة - السبت (أ.ف.ب)
القصف الإسرائيلي على غزة ليل الجمعة - السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تلتزم تهدئة في غزة بعد «ضربات قاسية»

القصف الإسرائيلي على غزة ليل الجمعة - السبت (أ.ف.ب)
القصف الإسرائيلي على غزة ليل الجمعة - السبت (أ.ف.ب)

عاد الهدوء إلى قطاع غزة، أمس، بعد يوم متوتر قتل فيه جندي إسرائيلي و4 فلسطينيين بينهم 3 من المقاتلين التابعين لحركة «حماس»، ما شكل أوسع هجوم إسرائيلي على القطاع منذ انتهاء حرب صيف العام 2014.
وأكدت إسرائيل وحركة «حماس» العودة إلى الوضع القائم قبل جولة التصعيد الأخيرة. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم «حماس» إنه «بجهود مصرية وأممية تم التوصل للعودة إلى الحالة السابقة من التهدئة بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية».
وبذلت مصر جهودا مضنية، إلى جانب المبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف ودبلوماسيين آخرين، وأجرت القاهرة لساعات اتصالات مكثفة مع إسرائيل و«حماس» وفصائل فلسطينية من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بعدما كان القطاع على شفا الحرب.
ودخلت التهدئة حيز التنفيذ فجر السبت، وهي ثاني تهدئة ترعاها مصر في غضون أسبوع واحد والثالثة خلال شهرين.
وسرعان ما عادت الحياة إلى طبيعتها في قطاع غزة، وكذلك في المدن الإسرائيلية المحيطة بالقطاع.
وأعلن الجيش الإسرائيلي عودة الحياة المدنية إلى روتينها في البلدات الإسرائيلية في غلاف غزة. وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان: «بعد تقدير الموقف في القيادة الجنوبية العسكرية تقرر العودة إلى الروتين في المجالات المدنية في بلدات غلاف غزة».
وبخلاف الهدنة السابقة يوم السبت الماضي، أكد مسؤول إسرائيلي بارز أن حماس التزمت بوقف ما سماه «العنف الناري والإرهاب على الحدود»، في إشارة إلى الطائرات الحارقة والبالونات المتفجرة، مؤكدا أن «مصر كفلت ذلك». ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن المسؤول الإسرائيلي قوله إن «حماس تلقت ضربات قاسية مساء الجمعة، ما دفعها إلى طلب هدنة».
ولم تعقب الحركة على قضية وقف الطائرات الورقية الحارقة، لكن حازم قاسم الناطق باسم الحركة، هدد بأن «المقاومة تعلم كيف سترد، إذا عادت إسرائيل لنهج العدوانية».
وكانت «حماس» تتجه قبل جولة التصعيد الأخيرة لوقف هذه الطائرات والبالونات الورقية الحارقة من قطاع غزة تجاه بلدات إسرائيلية قريبة، بهدف تجنيب القطاع حرباً محتملة ومزيداً من الإجراءات الإسرائيلية الخانقة، لكنها كانت تريد تنفيذ ذلك بالتدريج، باعتباره سيتحول استجابة لمطلب إسرائيلي وضد رغبة المتظاهرين قرب الحدود. وثمة تقديرات في إسرائيل أن هذه الطائرات تسببت في إحراق 28 ألف دونم في غضون 4 أشهر.
وقررت إسرائيل تشديد الحصار على غزة، كنوع من العقاب، وأغلقت معبر كرم أبو سالم للبضائع وقلصت مساحات الصيادين، قبل أن تعلن أن الطائرات الورقية يجب أن تكون جزءا في أي اتفاق لوقف النار. ولم تسجل حتى وقت متأخر أمس أي إشارات لإطلاق طائرات حارقة، وسجل خرق وحيد بإطلاق دبابة إسرائيلية النار على موقع لـ«حماس» في غزة بعدما تسلل فلسطينيون عبر الحدود قبل أن يتراجعوا.
وقال ناطق عسكري بأن الجيش الإسرائيلي قصف بأربع قذائف مدفعية موقعا لحركة «حماس» قرب الحدود شرق مدينة غزة. وأضاف أن «دبابة استهدفت موقعا عسكريا لحماس ردا على تسلل عدد من المشتبه بهم إلى إسرائيل من شمال قطاع غزة ثم عادوا لقطاع غزة».
وهذا أول حادث بعد تثبيت التهدئة. وتفجرت الأحداث يوم الجمعة، بعدما قتل مسلحون فلسطينيون جندياً إسرائيلياً على حدود قطاع غزة، فشن الجيش الإسرائيلي هجوما واسعاً ضد القطاع، قضى على إثره 4 فلسطينيين بينهم ثلاثة من مقاتلي حماس. وأصيب ما لا يقل عن 120 من سكان غزة. وقال متحدث باسم الجيش بأن هذا أول جندي إسرائيلي يقتل في غزة منذ حرب عام 2014 بين إسرائيل و«حماس». وأكد الجيش الإسرائيلي أن طائراته ودباباته أغارت على 68 هدفا لـ«حماس» ودمرت «منشآت وبنية أساسية».
وفي بيان لاحق، أوضح ناطق باسم الجيش أنه تم ضرب «أهداف إرهابية تابعة لمنظمة حماس الإرهابية». وأنه «في ذروة الغارات تم تدمير 3 مقرات بشكل كلي لقيادة كتائب القسام التابعة للحركة، إضافة إلى مقر قيادة كتيبة «الزيتون» ومقر قيادة كتيبة «خان يونس» ومقر قيادة كتيبة البريج». وأضاف أنه «داخل المقرات تم تدمير 60 مبنى وبنية تحتية وتم تدمير قدرات قيادة وسيطرة إرهابية ملموسة». وتابع: «ألحقت هذه الغارات ضربة ملموسة في تشكيلات القيادة والسيطرة والأسلحة والبنية التحتية العسكرية والدفاع الجوي وتشكيلات التدريب واللوجيستية والبنيات المتنوعة التابعة لحماس في الكتائب المستهدفة».
وأوضح «من بين الأهداف المستهدفة كانت منشآت ومصانع لإنتاج أسلحة ومدخل إلى شبكة أنفاق إرهابية، ومنشأة تستخدم لإنتاج عوامل لبنيات تحتية ومخزن لطائرات دون طيار وغرف عمليات عسكرية ومجمعات تدريب ومواقع استطلاع وغيرها». وبحسب بيان الجيش «فهذه الغارات تجسد القدرات الجوية والاستخبارية والعملياتية وأن الخطوات ستتصاعد إذا لزم الأمر». وحمل الجيش حركة «حماس» مسؤولية «ما ينطلق من غزة»، وقال بأنها «تتحمل تداعيات هذه النشاطات والرد عليها».
وكانت إسرائيل على وشك إعلان عملية عسكرية واسعة بعد اجتماع أمني طارئ رأسه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحضره وزير الجيش أفيغدور ليبرمان ورئيس هيئة الأركان غادي ايزنكوت ورئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» نداف ارغامان. واتصل وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالمبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف، وقال له بأن «حركة حماس تقود إلى تدهور الأوضاع بشكل مقصود، نحن سنرّد بحزم وستكون كل المسؤولية من الآن فصاعدا ملقاة على قيادة حماس، وفي حال واصلت إطلاق الصواريخ، ستكون النتيجة أصعب مما يتصوّرون». وأضاف أن «كامل المسؤولية للدمار وحياة البشر تقع على عاتق حماس، وإذا دفعتنا إلى حملة عسكرية، سنشن عملية عسكرية واسعة ومؤملة أكثر من حرب غزة الماضية».
لكن ضغوطا مصرية كبيرة ومن ملادينوف حالت دون تدهور أكبر. وقال مسؤول إسرائيلي بأن «الأعمال على الأرض هي التي ستحدد الوجهة، وحماس ستدفع ثمنا باهظا أكثر، إن انتهكت وقف إطلاق النار». وبحسب المسؤول الإسرائيلي فإن «حماس تلقت ضربة قاسية، جعلتها تطلب وقف إطلاق النار عبر مصر». وأكدت الحركة أنها ستلتزم بالتهدئة ما دام التزم بها الاحتلال.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إن قائد حركة «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، ليس محصنا من الاستهداف. وكتب أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، في تغريدة على موقع «تويتر» إن «يحيى السنوار كشخص، له تجربة ليست بقليلة مع إسرائيل»، في إشارة إلى اعتقاله سابقا في السجون الإسرائيلية. وأضاف مخاطبا القيادي الفلسطيني: «كان من المفروض أن تعلم بأنّ الحبل سينقطع في وقت ما، بواسطة سلسلة خطوات حمقاء، اخترت توريط سكان غزة والمساس بهم، وبدلا من تطوير وضعهم، اخترت تأزيمه». وتابع أدرعي في تهديد صريح: «من المهم أن تتذكر بأنه لا توجد حصانة لأي شخص متورط بالإرهاب».
وهاجم مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، حركة «حماس»، قائلاً إنها تعمل على تدمير حياة الإسرائيليين. وكتب غرينبلات على «تويتر» أنه «في الوقت الذي تعمل إسرائيل دون توقف على حدودها الشمالية لمساعدة اللاجئين السوريين، تعمل حماس على تدمير حياة الإسرائيليين». وأضاف: «لقد قتل جندي إسرائيلي شاب على يد حماس، ونحن نصلي من أجل عائلة الشاب».
وهذه ليست أول مرة يهاجم فيها غرينبلات «حماس» التي تتهمه بإعطاء غطاء للجرائم الإسرائيلية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».