حلم الهجرة إلى الغرب يقابله تدهور «دولة الرفاه»

TT

حلم الهجرة إلى الغرب يقابله تدهور «دولة الرفاه»

عاد الصيف وعاد الساعون إلى اللجوء للموت في البحر المتوسط، وعادت تقارير المنظمات الدولية إلى الحديث عن الفظائع التي يتعرَّض لها المهاجرون في سجون المهربين وتجار البشر في شمال أفريقيا.
هذا العام أُضيفَت إجراءات الحكومات الأوروبية التي فاز في الانتخابات الأخيرة فيها اليمين المتطرف، خصوصاً إيطاليا التي كانت تشكل بوابة اللاجئين الجنوبية لأوروبا.
مَنْع رسو سفن اللاجئين أو تلك التابعة للهيئات الإنسانية التي تنقذهم من الموت غرقاً، أثار في الأسابيع القليلة الماضية شجباً دولياً وحتى إيطالياً معارضاً لخطوات نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي أعلن قبل أيام أن بلاده «لم تعد مخيماً عالمياً للاجئين»، بعدما أقرَّ الاتحاد الأوروبي خطة جديدة لتوزيعهم.
وتحيطنا وسائل الإعلام الغربية بتطورات مواقف السياسيين الأوروبيين وأثر قضية اللاجئين على تفاصيل الحياة في بلدان اللجوء وأثرها على تقدم اليمين العنصري والشعبوي في كثير من الدول، في حين أن الإعلام ذاته نادراً ما تناول أوضاع المواطنين الأفارقة في بلدانهم قبل اجتيازهم الصحارى والبحار بحثاً عن أمل بحياة كريمة.
في الأعوام القليلة الماضية، عندما دخل السوريون والعراقيون إلى مشهد الهجرة إلى الشمال، كانت أخبار الثورات والحروب والإرهاب في بلادهم قد سبقتهم واحتلت شاشات التلفزة في مختلف أنحاء العالم. بل إن ارتدادات أحداث بلادهم حضرت على شكل أعمال إرهابية في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا وغيرها، وبذل مناهضو الهجرة جهوداً كبيرة لربطهم باللاجئين الجدد. كما أن العالم على اطلاع نسبي على المأساة الأفغانية التي تتناسل فصولها وتتعقد وتسفر عن مزيد من الهاربين من جحيم الحرب والاحتلالات.
لكن الغائب عن المشاهد الصاخبة للحروب والتهجير، التي يترجمها الأوروبيون توقعات بمجيء أعداد إضافية من طالبي اللجوء، هو ما يجري في البلدان الأفريقية التي يتركها كل عام مئات الآلاف من شبابها متحملين أقسى المجازفات للوصول إلى أوروبا.
من النادر أن تتداول وسائل الإعلام أسماء تلك البلدان الأفريقية إلا عند العثور على جُثَث مواطنيها في الصحراء على غرار ما جرى مع ثمانية من طالبي اللجوء الذين تاهوا في الصحراء الجزائرية وماتوا عطشاً فيها هذا الأسبوع، أو عندما تُنتشل أجسادهم الميتة من البحر أو ينجحون في الفرار من معسكرات الاستعباد التي يديرها تجار البشر والمهربون في ليبيا.
في واقع الأمر، تعيش بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصاً منطقة الساحل، حالاً من البؤس المزمن يتجسد في صراعات سياسية وقبلية - جهوية في ظل تعاقب حكومات فاسدة وازدياد سوء الأوضاع الاقتصادية بسبب التغير المناخي والتصحر والجفاف.
إخفاق مشاريع التنمية، وفشل الوعود التي عاشت عليها تلك البلدان بعد موجات الاستقلال عن المستعمر الأوروبي في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والعودة إلى علاقة استغلال غربي للموارد الطبيعية، ولو على حساب تدمير البيئة وفرض المنتج الزراعي الواحد أو استيراد الخامة المعدنية الواحدة ضمن تقاسم عالمي للعمل تقع فيه أفريقيا في أسفل قائمة المستفيدين، ترك أجيالاً من الحكام الطغاة والفاسدين الذين أدَّوا دوراً مهمّاً في إدخال بلادهم في دورات من الحروب الأهلية والصراعات الدامية وفي القضاء على آمال شباب هذه المناطق وحملها، إلى جانب الأسباب المذكورة سابقاً، على الهجرة التي زيّنها نجاح أتراب لهم في الحصول على حد أدنى مقبول من الحياة في الغرب الذي كان كثير من دوله ما زال قائماً على فكرة «دولة الرفاه» ذات التقديمات الاجتماعية السخية وفرص العمل المتوفرة.
لسوء حظ الجيل الحالي من طالبي اللجوء الأفارقة، فقد رافق تدهور الوضع في بلادهم تدهور موازٍ في الشمال. ولا تفعل البرامج التي تطلقها الجهات الدولية مثل «مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين» كـ«آلية النقل الطارئ» غير تخفيف مؤقت وموضعي للمعاناة التي تتطلب علاجاً شاملاً، من سماته إعادة نظر جذرية في علاقات الدول المتقدمة بتلك الفقيرة تأخذ في الاعتبار مسؤوليات الأولى حيال الثانية، والسعي إلى تعزيز الاستقرار السياسي والعملية التنموية في الجنوب وإدخال آليات للتكيف مع الطور الحالي من العولمة.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.