نيلسون مانديلا... الأخلاق إذ توحّد السياسة والسلطة

100 سنة على ولادة قاهر الفصل العنصري

نيلسون مانديلا عام 2007 (أ ب)
نيلسون مانديلا عام 2007 (أ ب)
TT

نيلسون مانديلا... الأخلاق إذ توحّد السياسة والسلطة

نيلسون مانديلا عام 2007 (أ ب)
نيلسون مانديلا عام 2007 (أ ب)

قبل قرن من الزمان وفي مثل هذا اليوم بالتمام، ولد نيلسون روليهلاهلا مانديلا الذي مثّل ويمثّل علامة فارقة في تاريخ السياسة والسلطة معاً، والفارق بين الاثنتين يتسع ويضيق بين حدّي "المدينة الفاضلة" والاستبداد المطلق. أما عند مانديلا فالسياسة والسلطة في وحدة كاملة، تتسع للنضال والثورة والمسامحة والحكم الديمقراطي، وكل ذلك بفضل امتلاكه سلاح الأخلاق.
ولد في قبيلة الهوسا لعائلة ثمبو المرموقة. درس في جامعتي فورت هير وويتواترسراند، وتخرج متخصصا في الحقوق. أقام في جوهانسبورغ حيث عمل محاميا، وسرعان ما انخرط في النشاط السياسي المناهض للاستعمار، وانضم عام 1943 إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي. وكان وصول الحزب القومي إلى السلطة عام 1948 وفرضه سياسة الفصل العنصري بين البيض والسود العامل الأكبر الذي دفعه إلى واجهة تحدي الاستبداد والتمييز بحق بني جلدته.
ازداد نضاله زخماً بعد ترؤسه فرع حزب المؤتمر الوطني في مقاطعة ترانسفال، وألقي القبض عليه أكثر من مرة بتهمة إثارة الشغب والفتنة، وكذلك حوكم مع قيادة حزب المؤتمر في ما عرف بـ "محاكمة الخيانة" (1956-1961) وبرئ لاحقاً.
تأثر نيلسون مانديلا بالفكر الماركسي، وانضم سراً إلى الحزب الشيوعي وشارك في تأسيس منظمة "رمح الأمة" عام 1961. وهنا خرج قليلا عن النضال السلمي اللاعنفي، فاعتقل واتهم بالاعتداء على منشآت حكومية والتآمر لقلب النظام، فصدر في حقه عام 1962 حكم بالسجن مدى الحياة.
27 سنة أمضاها مانديلا وراء القضبان، متنقلا بين سجون جزيرة روبن آيلاند (18 سنة مع أشغال شاقة)، وبولسمور وفيكتور فيرستر. وطوال هذه المدة كان صمته ناطقاً، بل مدويّاً. فالزنزانة الباردة الرطبة لم تستطع خنق روح الاحتجاج والتمرد في جنوب أفريقيا، فيما انطلقت حملة دولية تعاظمت مع الوقت وكبرت ككرة ثلج راحت تضغط على النظام العنصري لإطلاق مانديلا الذي تحول إلى رمز عالمي يجسّد التوق إلى المساواة والحرية والديمقراطية.
لم يُجدِ كل القمع الذي مارسه الأفريكان البيض، من هولنديين وبلجيكيين وسواهم من أوروبيين استعمروا جنوب أفريقيا. وتحولت البلاد أكثر فأكثر إلى مسرح لما يشبه حرباً أهلية، ومساحة معزولة دولياً تنهال عليها العقوبات من كل حدب وصوب. وفي النهاية اقتنع الرئيس فريديريك فيليم دي كليرك بأن لا مفر من إنهاء الفصل العنصري، وهذا شرطه الاول إطلاق مانديلا من سجنه الظالم.
في 11 فبراير (شباط) 1990 غادر مانديلا سجن فيكتور فيرستر دون قيد أو شرط، وبدأ على الفور العمل مع دي كليرك على نقل البلاد من نظام إلى آخر، وتُوّج ذلك بانتخابات عامة متعددة الأعراق عام 1994. واستحق الرجلان الشجاعان جائزة نوبل للسلام عام 1993 لأن ما أنجزاه لم يكن يتصوره أحد، ولكم يكن ليتحقق لولا إرادة "الأبيض" وواقعيته، وحكمة "الأسود" ووطنيته.
كان طبيعياً أن يتبوأ مانديلا سدة الرئاسة (1994 – 1999)، فأعاد الهدوء والاستقرار إلى جنوب افريقيا، ومنحها دستوراً عصرياً، وبالطبع لم ينكّل بخصومه بل أنشأ "لجنة الحقيقة والمصالحة" لتعمل على كشف حقائق الماضي العنيف والدامي وإرساء المصالحة ليعيش أهل البلاد بوئام وانسجام أياً تكن أعراقهم وألوانهم، وتنصرف الدولة إلى تحقيق نهضة شاملة وتنمية حقيقية.
ليس مستغرباً أن يرفض "ماديبا" (لقب الاحترام القبلي لمانديلا) تجديد ولايته، فسلّم مقاليد الحكم إلى سواه، ونشط في ساحات الشأن العام محلياً وخارجياً، يصنع السلام حيث يُطلب منه التدخّل، ويُلهم الآخرين ممن يحتاجون إلى جرعات وافية من الحكمة وحسن التدبّر.
بقي نيلسون مانديلا حتى وفاته في 5 ديسمبر (كانون الأول) 2013 رمزاً، لم تثنه سنوات القهر عن مواصلة النضال والتمسك بمبادئ الحق والحقيقة ورفعة الإنسان. لذلك تحتفل جنوب افريقيا اليوم بمئوية ولادته، ومعها يحتفل العالم كله بشعلة مضيئة لن تنطفئ.



مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

مقتل المئات جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

رجحت سلطات أرخبيل مايوت في المحيط الهندي، الأحد، مقتل «مئات» أو حتى «بضعة آلاف» من السكان جراء الإعصار شيدو الذي دمر في اليوم السابق قسماً كبيراً من المقاطعة الفرنسية الأفقر التي بدأت في تلقي المساعدات. وصرّح حاكم الأرخبيل، فرانسوا كزافييه بيوفيل، لقناة «مايوت لا بريميير» التلفزيونية: «أعتقد أنه سيكون هناك مئات بالتأكيد، وربما نقترب من ألف أو حتى بضعة آلاف» من القتلى، بعد أن دمر الإعصار إلى حد كبير الأحياء الفقيرة التي يعيش فيها نحو ثلث السكان، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أنه سيكون «من الصعب للغاية الوصول إلى حصيلة نهائية»، نظراً لأن «معظم السكان مسلمون ويدفنون موتاهم في غضون يوم من وفاتهم».

صور التقطتها الأقمار الاصطناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار «شيدو» فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وصباح الأحد، أفاد مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية بأن الإعصار الاستوائي الاستثنائي خلّف 14 قتيلاً في حصيلة أولية. كما قال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، إن «الأضرار طالت المستشفى والمدارس. ودمّرت منازل بالكامل. ولم يسلم شيء». وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، مما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل.

الأضرار التي سببها الإعصار «شيدو» في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

كانت سلطات مايوت، التي يبلغ عدد سكانها 320 ألف نسمة، قد فرضت حظر تجول، يوم السبت، مع اقتراب الإعصار «شيدو» من الجزر التي تبعد نحو 500 كيلومتر شرق موزمبيق، مصحوباً برياح تبلغ سرعتها 226 كيلومتراً في الساعة على الأقل. و«شيدو» هو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً، حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرانس-ميتيو). ويُرتقَب أن يزور وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، مايوت، يوم الاثنين. وما زالت المعلومات الواردة من الميدان جدّ شحيحة، إذ إن السّكان معزولون في منازلهم تحت الصدمة ومحرومون من المياه والكهرباء، حسبما أفاد مصدر مطلع على التطوّرات للوكالة الفرنسية.

آثار الدمار التي خلَّفها الإعصار (أ.ف.ب)

في الأثناء، أعلن إقليم لاريونيون الواقع أيضاً في المحيط الهندي ويبعد نحو 1400 كيلومتر على الجانب الآخر من مدغشقر، أنه جرى نقل طواقم بشرية ومعدات الطبية اعتباراً من الأحد عن طريق الجو والبحر. وأعرب البابا فرنسيس خلال زيارته كورسيكا، الأحد، تضامنه «الروحي» مع ضحايا «هذه المأساة».

وخفّض مستوى الإنذار في الأرخبيل لتيسير حركة عناصر الإسعاف، لكنَّ السلطات طلبت من السكان ملازمة المنازل وإبداء «تضامن» في «هذه المحنة». واتّجه الإعصار «شيدو»، صباح الأحد، إلى شمال موزمبيق، ولم تسجَّل سوى أضرار بسيطة في جزر القمر المجاورة من دون سقوط أيّ ضحايا.