بوجه شاحب وعيون دامعة يقول الليبي أبو سلمان الرفيدي إن «العداوات القديمة التي خلّفتها السنوات الماضية بين المواطنين، بعد إسقاط نظام القذافي، دفعت بعض الأطراف للاحتماء بالسلاح... وهذا الأمر ينطبق على القبائل، كما يسري على الأفراد أيضاً... الجميع هنا يحتمي بالبندقية».
تصريحات الرفيدي جاءت رداً على حملات أمنية في شرق البلاد، تدعو المواطنين إلى التخلي عن «أسلحتهم الخاصة، وعدم تخزينها في منازلهم». لكن رغم أن هذا المطلب يتكرر من وقت لآخر، فإن «السلاح يتزايد في أيدي المواطنين، بالإضافة إلى سلاح الميليشيات في مناطق كثيرة»، حسب تعبير الرفيدي.
والرفيدي، الذي شغل في السابق منصباً داخل أحد الأجهزة الأمنية، لم يتخلَّ عن تفاؤله خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، بأن «يحل الأمن على بلاده سريعاً»، مستدركاً بأن «الحسابات الشخصية والجهوية تفتك بليبيا، والبعض يرى أن الاستقرار سيضر بما يحققه من مكاسب». وأمس حذر جهاز المباحث العامة، التابع للحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، المواطنين من تخزين الذخيرة والسلاح، وطالب وزارة الأوقاف بالتأكيد على خطباء المساجد توعية المواطنين، والتنبيه عليهم بعدم تخزين الأسلحة في منازلهم.
بدوره، صعّد ميكائيل أكريم، مدير فرع جهاز الأمن الداخلي في مدينة القبة، من تحذيراته في بيان صحافي أمس، وقال إن «الجهاز سيقوم بحملة تفتيش في المنازل والأماكن التي تحوي أسلحة وذخائر قصد مصادرتها ووضعها في الأماكن المخصصة لها». وتوعّد المخالفين للتعليمات بـ«تحمل المسؤولية القانونية».
وبدأت الأسلحة تحتل مكانة بارزة في ليبيا منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011، خصوصاً بعدما نشأت خلافات قبائلية حادة، دفعت البعض إلى الاحتماء بـ«ترسانة من الأسلحة تظهر وقت الخلافات».
في المقابل عبّر المعتصم أحواز، مدير مكتب إعلام الشرطة والسجون العسكرية في بنغازي، عن اندهاشه من مطالبة المواطنين بالتخلي عن أسلحتهم، وقال إن «هذه المطالب مجرد حلم».
وأطلع أحواز «الشرق الأوسط» على أهمية السلاح بالنسبة إلى جُلّ المواطنين، في ظل عدم وجود قانون يجرّم هذا التصرف في الوقت الحالي، وقال في هذا السياق إن «لكل بيت سلاحه، ولا أحد يستطيع دخول منازل ويفتشها، كما لا يوجد هناك من يفكر في تسليم سلاحه الآن»، مستدركاً بأن هذا التصرف «له مميزات وعيوب» في نفس الوقت.
يقول أحواز: «التصرف الطبيعي هو أن يُجمَع السلاح من أيدي المواطنين لصالح الدولة»، لكن «ما زالت هناك أطراف معادية تشن غزوات من الجنوب والسدرة ورأس لانوف»، مستدركاً بأن «سلاح المنازل في شرق البلاد لم يُشهَر قط في وجه قوات الشرطة أو الجيش». كما ذكّر أحواز باصطفاف المواطنين في طوابير طويلة أمام مقرات الشرطة العسكرية نهاية عام 2012 لتسليم أسلحتهم، ظناً منهم أن الأمور قد استقرت... لكنهم ندموا بعد ذلك، عندما اقتحمت منازلهم قوات ما يُعرف بـ«ثوار بنغازي»، و«مجاهدي درنة». وتعاني ليبيا من تداعيات انتشار الأسلحة في أيدي بعض المواطنين والميليشيات في طول البلاد وعرضها، وقد طالب المبعوث الأممي لدى ليبيا الدكتور غسان سلامة، في أكثر من محفل دولي بضرورة الاستبقاء على الحظر الدولي المفروض على تصدير السلاح إلى ليبيا منذ مارس 2011، وقال في إفادة سابقة أمام مجلس الأمن الدولي: «لم يكن الحظر الدولي المفروض على السلاح أكثر أهمية في أي وقت مضى من الوقت الحالي، فهذا البلد به أكثر من 20 مليون قطعة سلاح».
ومن وقت لآخر يسقط مدنيون قتلى بسبب «الرصاص العشوائي»، الذي دائماً ما يكون مصدره أسلحة يحملها مواطنون يلهون بها خلال مناسبات اجتماعية، أو يتباهون أمام الناس بنوعية رشاشاتهم الحديثة، رغم تحذيرات الجهات المختصة وحملات التوعية من قبل المؤسسات المدنية في البلاد. وفي هذا السياق قال مصدر طبي في مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث في بنغازي إنهم «يستقبلون من وقت لآخر ضحايا يسقطون بطلقات عشوائية، بينهم أطفال صغار ونساء وعجائز».
ولا يختلف الوضع في شرق البلاد عن غربها، الذي تسيطر عليه الميليشيات المسلحة، حيث تكثر الحوادث الناجمة عن الإطلاق العشوائي للرصاص في مناطق عدة بالعاصمة طرابلس، وهو ما أكده وزير خارجية «الوفاق الوطني» محمد طاهر سيالة، عندما وقّع في العاصمة التشادية أنجامينا اتفاقاً حول تعزيز التعاون في مجال أمن، ومراقبة الحدود المشتركة مع بلاده، والنيجر والسودان وتشاد.
وقالت سيالة في حينه إن بلاده تعاني من التهريب بشتى أنواعه، وفي مقدمته تهريب السلاح.
والملاحَظ أن الطرفين في شرق البلاد وغربها يتعاملان مع قضية «التسلحّ الشخصي» على أنها حق مكتسب لا يمكن نزعه، وهو ما أكده أحد أبناء العاصمة، استعار لنفسه اسم «ناصر»، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن السلاح بين العائلات والقبائل «مرهون بوجود خلافات واشتباكات... بعضها قديم قد يتجدد، ما يحتم وجود سلاح إذا أقدم بعضهم على مداهمة البعض».
بنفس المنطق ذهب مفتاح بوهيبة من بنغازي، عندما قال إنه «لا يخلو بيت في ليبيا من ذخيرة وسلاح»، معتبراً أن بلاده لن تتخلص من «التسلح الشخصي» إلاً إذا تولى حكم البلاد رئيس عسكري. في المقابل، رأى العميد أحمد المسماري، المتحدث باسم القيادة العامة للقوات المسلحة، أن الأسلحة والذخائر المنتشرة في ليبيا ليست في أيدي القبائل والعشائر، بل في أيدي الخارجين عن القانون والميليشيات الإرهابية الموجودة في المنطقة الغربية، خصوصاً في مصراتة وطرابلس. وأوضح أن انتشاره «لا يمثل تهديداً مباشراً على الأمن المحلي فحسب، وإنما جرس إنذار إزاء دخول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية بمناطق دول الجوار». وذهب المسماري في حديث سابق بثته وسائل إعلام محلية، إلى أن الحل الأمثل لجمع تلك الأسلحة هو «دعم الجيش الوطني من قبل مؤسسات الدولة والمجتمع الدولي، وسن مجلس النواب قانوناً يجرّم حمل السلاح خارج المؤسسات الشرعية للدولة».
«تخزين الأسلحة»... هاجس يقلق سلطات الأمن في ليبيا
حملات للتوعية عبر خطباء المساجد وتحذيرات من عقوبات قانونية رادعة
«تخزين الأسلحة»... هاجس يقلق سلطات الأمن في ليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة